د. خالد حسين زغلول
ستاذ علوم البيئة في كلية العلوم بجامعة الفيوم (مصر)
تعتبر الثروة السمكية من أهم المكونات الحية في البيئة المائية نظرا لفوائدها الكبيرة ومنافعها الجمة لكل من الإنسان والبيئة. وقد استفاد الإنسان من هذه الثروة منذ قديم الأزل ولايزال مستمرا في ذلك حتى الوقت الحالي، لاسيما مع ارتفاع الإنتاج العالمي من تلك الثروة ليبلغ نحو 75 مليون طن سنويا.
ولم تكتف المجتمعات البشرية بصيد الأسماك من الأنهار والبحار والمحيطات، بل لجأت العديد من الدول إلى الاستزراع السمكي الذي يعتبر خطوة مهمة لزيادة الإنتاج وتحقيق الأمن الغذائي، والذي أسهم في زيادة إنتاج بعض الدول ليبلغ أكثر من 340 ألف طن سنويا.
ويعزى اهتمام الدول بالثروة السمكية إلى فوائدها العديدة؛ فهي مصدر أكثر اقتصادية من الثروة الحيوانية، ولها قيمة غذائية كبيرة باعتبارها مصدرا غنيا بالبروتين والأحماض الأمينية الأساسية والفيتامينات والمعادن والأحماض الدهنية، وهو ما يساعد على حل مشكلة نقص المواد الغذائية التي تحوي هذه العناصر لدى الدول التي تعاني زيادة سكانية. إضافة إلى ذلك، تعتبر الثروة السمكية مصدرا مهما للدخل القومي، وتوفر العديد من فرص العمل للسكان.
محتويات الأعلاف الصناعية
إن توفير الغذاء (الأعلاف) يعتبر أحد أهم العوامل المهمة في عملية الاستزراع السمكي لدعم نمو الأسماك وصحتها، لذا تلجأ الدول إلى تصنيع أعلاف صناعية توفر كل الاحتياجات الغذائية للأسماك من بروتين وكربوهيدرات ودهون وأملاح وفيتامينات. وتتشابه احتياجات الأسماك الغذائية نسبيا مع الحيوانات والدواجن مع اختلافات بسيطة، فحاجة الأسماك للطاقة أقل، لكن حاجتها للبروتين أكثر مقارنة بالدواجن والحيوانات الأخرى؛ نظرا لأن محتوى البروتين في المادة الجافة لأجسام الأسماك يتراوح من 60 إلى 93 %.
أما الكربوهيدرات فيجب أن تكون جزيئات بسيطة كالسكريات الأولية حتى يتم هضمها بسهولة وتوفيرها بالكم الكافي لتمد الأسماك بالطاقة من دون اللجوء إلى مصادر أخرى للطاقة كالبروتين، مع الانتباه إلى ضرورة عدم الإفراط منها حتى لا تتخزن الزيادات منها على هيئة دهون. والدهون مصدر غذائي في الأعلاف، ولها العديد من الوظائف كإمداد الطاقة وحماية الأعضاء الداخلية والمساعدة على امتصاص الفيتامينات الذائبة في الدهون.
وهناك عدد كبير من مصادر الأعلاف المستخدمة في المزارع السمكية، وأهمها: الحبوب ومخلفاتها مثل الذرة، ومخلفات مصانع الزيوت مثل كسب (مسحوق) عباد الشمس الغني بالفيتامينات، وفول الصويا الذي يتميز بتوافر الليسين والأحماض الأمينية، وكسب الفول السوداني الغني بالدهون، وهناك أيضا مصادر حيوانية للأعلاف مثل مسحوق الدم والأسماك الطازجة ومسحوق الأسماك مادامت تتوافر فيه بعض الشروط وهي: توافره في البيئة المحيطة مع رخص ثمنه، وقبول الأسماك له، والهضم الجيد، وملاءمة تركيبه الكيميائي لنوع الأسماك.
وعلى الرغم من كل الاحتياطات التي تتخذها المصانع في إنتاج أعلاف خالية من ميكروب السالمونيلا والميكروبات الممرضة الأخرى وإفرازاتها وسمومها ومظاهر الفساد الأخرى مثل التزنخ والتعفن، فإن معظم الأعلاف تتعرض، نتيجة للتخزين السيئ لمكونات الأعلاف وكذلك العلف المصنع، للإصابة بالعديد من السموم الفطرية، وأهمها الأفلاتوكسين الذي يعد أخطر وأكثر السموم الفطرية انتشارا. لذا يجب إيجاد طريقة آمنة واقتصادية للتخلص من الآثار الضارة التي تحدثها السموم الفطرية في الأسماك والتي تؤثر في صحتها، ومن ثم في صحة المستهلكين.
أكسدة الزيوت
وبعض الزيوت التي تستخدم بشكل كبير في الأعلاف الحيوانية، كزيت الذرة والصويا، تكون غنية بالأحماض الدهنية غير المشبعة مما يجعلها عرضة لحدوث الأكسدة، ومن ثم حدوث فقد في القيمة الغذائية لها. وتزداد عملية أكسدة الدهون من خلال التعرض للهواء والضوء ودرجات الحرارة المرتفعة ووجود بعض المعادن غير العضوية كالحديد والنحاس. وعندما تبدأ عملية الأكسدة تستمر الأحماض الدهنية المؤكسدة في التكون فينتج عنها البيروكسيدات التي تتراكم مع استمرار عمليات الأكسدة.
إضافة إلى ذلك، فالأعلاف التي تحتوي على نسبة عالية من الكربوهيدرات كالأرز والذرة تكون بيئة مناسبة لنمو الفطريات بصورة أسرع من الأعلاف المحتوية على نسبة عالية من الزيوت. وتنمو الفطريات على كثير من الأغذية وبخاصة الأغذية المخزونة والموجودة تحت درجات حرارة ودرجات رطوبة مناسبة لنموها. ومعظم السموم الفطرية المفرزة أو المنتجة من الفطريات تكون مسرطنة للخلايا وتؤدي أيضا إلى حدوث اضطرابات عصبية. فالأفلاتوكسينات التي تحويها الأغذية تكون مفرزة بواسطة فطريات الإسبرغلس فلافوس التي قد تسبب تثبيط وتدهور خلايا الكبد في الأسماك، كما أنها تنتج أنواعا كثيرة من الأفلاتوكسينات من أخطرها أفلاتوكسين ب1 التي تسبب أوراما وتدهورا في خلايا الكبد والكلى وانخفاضا في معدلات نمو الأسماك وتدهور جودة لحمها.
مضادات الأكسدة
ويمكن الحد من أكسدة الدهون والزيوت وحماية أعلاف الأحياء المائية من خلال إضافة مضادات الأكسدة. وهذه المضادات تضاف بصورة كبيرة إلى مصادر الدهون والأعلاف السمكية التي تحتوي على مستويات عالية من الدهون والزيوت فتؤدي إلى تأخير عملية الأكسدة عن طريق تثبيت الأحماض الدهنية التفاعلية. لكن عندما تطول فترة التخزين مع وجود ظروف غير مناسبة، كالحرارة العالية والضوء، ستتفاعل الأحماض الدهنية مع الأكسجين المتاح.
ومن مضادات الأكسدة الشائعة التي تضاف إلى العلائق السمكية أو الأحياء المائية عموما الأيثوكسيكوين بمعدل 150 جزءا في المليون، والهيدروكسي تولوين بمعدل 200 جزء في المليون، وحمض الستريك بمعدل 200 جزء في المليون. ويجب خفض مدة تخزين الأعلاف بحيث لا تكون عرضة لحدوث تفاعلات الأكسدة وعمليات التزنخ، مع إبقاء عبوات الأعلاف مغلقة إلى حين استهلاكها، ووضعها في أماكن مناسبة وظروف حفظ جيدة، وتجنب تعرضها للضوء قدر المستطاع لمنع حدوث الأكسدة الضوئية.
وقد ينتج عن استخدام تلك الأغذية الإصابة بفطريات سامة نواتج أيضها الخطيرة التي يطلق عليها “السموم الفطرية”. وتعد الأفلاتوكسينات من أكثر مجموعات السموم الفطرية تلويثاً للأغذية والأعلاف ومكوناتها المختلفة، وتتسبب في خسائر اقتصادية كبيرة بمخزون الأسماك الطبيعي، لاسيما في الاستزراع المائي. وتعتبر الأفلاتوكسين ب1 الملوث الرئيسي لأعلاف الكائنات المائية، والسبب الرئيسي لنفوق أعداد كبيرة من الأسماك وقابليتها للإصابة بالأمراض، وانخفاض إنتاجيتها، هذا بجانب ما يتبقى من آثار من هذه السموم في لحوم تلك الأسماك، مما يؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة، فضلا عن تسمم المستهلكين لها.
حدود آمنة
وللسيطرة على وجود هذه السموم والحد من أخطارها ومحتوى الأغذية منها، وصولاً إلى ما يسمى “بالحدود الآمنة” للأسماك، يجب استخدام العديد من الطرق الطبيعية والكيميائية والبيولوجية. وعلى الرغم من أن الطرق الطبيعية تركز على إزالة جزئية لهذه السموم من الأغذية والأعلاف الملوثة بها، فإن فاعلية هذه الطرق في إزالة سمية هذه السموم والتخفيف من آثارها لا تزال مشكلة مؤرقة. وعموماً فإن الطريقة الناجحة التي تستخدم لإزالة السمية يجب أن تكون اقتصادية وقادرة على إزالة كل الآثار الملوثة من هذه السموم دون أن تترك أي متبقيات ضارة، كما يجب ألا تؤثر في القيمة الغذائية للأسماك. ومن أكثر الطرق تطبيقاً لحماية الأسماك من التلوث بالسموم الفطرية استخدام المواد المدمصة التي تخلط مع الأعلاف الملوثة، حيث ترتبط بالسموم الفطرية في القناة الهضمية للأسماك.
وأظهرت بعض الدراسات أن السمية في الأسماك الناتجة عن التزنخ والأكسدة للزيوت ربما تتحسن بواسطة إضافة الفيتامين (E) وألفا–توكوفيرول. ومن ثم فإن إضافة المضادات الطبيعية لأكسدة للدهون إلى الأغذية المحتوية على الدهون قد تعوق التأثيرات السامة لهذه الدهون المتزنخة والسموم الفطرية في علائق الأسماك، والتي قد تكون سببا في تدهور الثروة السمكية ومن ثم صحة الإنسان.
وتعتمد الحماية البيولوجية على مزيج مثبت علميًا من مستخلصات نباتات وطحالب مختارة بعناية، لتعزيز وظائف الكبد والمناعة لدى الأسماك، والتعامل مع الآثار السلبية للسموم الفطرية. ويكون ذلك باستخدام مادة آمنة متاحة ورخيصة وتضاف إلى علائق الأسماك في صورة طبيعية ودون أن تتأثر بعملية التصنيع، وهي نبات إكليل الجبل الذي يعتبر من أهم النباتات الطبية والعطرية وأكثرها انتشارا، حيث يضاف إكليل الجبل في صورته الطبيعية (مسحوق الأوراق) بمعدل 0.5 % من العليقة لإزالة التأثير الضار للسموم الفطرية في صحة الأسماك ومتبقيات السموم في لحومها.