الربان عبد الخالق سلمي
كلية النقل البحري والتكنولوجيا، الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري
عرفت الحضارات السابقة التنقل عبر الأنهار والبحيرات والبحار مستخدمة جذوع الأشجار وقوارب متواضعة، ومستعينة بالتجديف بأدوات بدائية أو الأشرعة. واستمر ذلك الأمر بتطورات بطيئة إلى أن اخترع توماس نيوكمان المحرك البخاري في عام 1712 الذي أحدث ثورة صناعية كبيرة. ثم بدأ استخدامه في السفن في القرن الثامن عشر للسفر عبر البحار والأنهار الكبيرة، ثم توج ذلك بأول عبور للسفن البخارية للمحيط الأطلسي في عام 1819 على متن السفينة الهجين (شراعية – بخارية) إس إس سافانا في رحلة استمرت 29 يومًا.
في أواخر القرن التاسع عشر، ساعد ازدياد استخدام السفن لنقل الركاب على التدفق المتزايد للمهاجرين من أوروبا إلى أمريكا. ونمت صناعة السفن بمرور الوقت لكنها بدأت بالتدهور بعد بدء شركات الطيران بإطلاق رحلاتها التجارية. وحينها اضطرت شركات سفن الركاب إلى تغيير سياستها إلى تجربة سفن السياحة، وبذلك ولدت صناعة الرحلات السياحية البحرية الحديثة.
سفن الركاب
يشمل مصطلح (سفن الركاب) السفن التجارية المستخدمة عمومًا لنقل المسافرين عبر وسيلة النقل المائي (الأنهار، والبحار، والمحيطات) في رحلات وطنية أو دولية، وهي قد تكون صغيرة مثل اليخوت، وكبيرة مثل السفن السياحية العملاقة.
تُعرّف المنظمة البحرية الدولية IMO سفينة الركاب بأنها سفينة تحمل أكثر من 12 راكبًا في الرحلات الدولية، وتخضع لجميع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة المحددة للوائح والمعايير والمتطلبات التنظيمية التي تغطي كل جوانب سلامة السفينة لضمان سلامة الركاب وأمنهم.
ويمكن تقسيم سفن الركاب إلى فئات واسعة على أساس استخدامها وحجمها، وأهمها ثلاث فئات: الأولى سفن الركاب التي تُستخدم فقط لأغراض نقل الركاب المسافرين من ميناء إلى آخر بغرض السفر أو السياحة؛ والثانية السفن التي تستخدم، إضافة إلى نقل المسافرين، لنقل السيارات؛ والثالثة السفن التي تستخدم، إضافة إلى نقل المسافرين، لنقل البضائع.
عبَّارات النقل والبضائع
تصنف سفن الركاب على نطاق واسع في فئتين هما: سفن العبّارات Ferry، والسفن السياحية Cruise Ships. فسفن العبارات هي تلك السفن التي تُستخدم لعبور المسافرين على خطوط ملاحية ساحلية. وقد تكون العبّارات سفنًا تُستخدم فقط لأغراض نقل الركاب أو تكون سفنًا يمكنها أيضًا شحن سيارات وبضائع إضافة إلى المسافرين. وتبحر العبارات وفقًا لجدول زمني منتظم على خط ملاحي محدد، وتتقاضى أسعارا شبه ثابتة. وهناك عبارات صغيرة تستخدم لنقل عدد محدود من الأشخاص أو السيارات، وعبارات ضخمة تستوعب أعدادا كبيرة منهم.
وأمثلة العبّارات التي تنقل السيارات والركاب كثيرة، منها تلك التي تستخدم بين ضفتي قناة السويس في مدينة (بور سعيد – بور فؤاد)، وعبّارات القناة الإنجليزية في بحر الشمال بين فرنسا وإنجلترا، وعبارات نقل الركاب بين الموانئ والجزر في اليونان وتركيا وإيطاليا وإندونيسيا وماليزيا والفلبين وغيرها. وغالبا ما تكون هذه السفن سريعة، ويتم شحن وتفريغ السيارات بسرعة وتداول البضاعة بنظام الدحرجة Roll-off / Roll on، أي إن البضاعة تكون محمولة على سيارات نقل لتُشحن وتُفرغ بسهولة وبسرعة وذلك لخفض تكلفة النقل مقارنة بوسائل النقل الأخرى.
أما العبارات عالية السرعة فهي نوع خاص من العبّارات ذات القدرة على الإبحار بسرعة عالية، وتستخدم بصورة أساسية لنقل الركاب لتصبح مثل الحافلات (حوامات Hovercraft، وهيدروفيل Hydrofoil، وكاتامران catamaran)، كما في الخط البحري بين ميناء نويبع – ميناء العقبة في خليج العقبة بالبحر الأحمر.
سفن الرحلات السياحية
هي سفن ركاب كبيرة فاخرة، تتميز بتقديم خدمات السفر المريح والآمن، مع جميع الوسائل الممكنة لتحقيق المتعة والترفيه، وتُستخدم لنقل الركاب في رحلات ممتعة بين موانئ مختلفة لزيارات أماكن أثرية أو ترفيهية.
وتكون مدة الرحلة يوما واحدا، وربما تمتد إلى أسبوع أو أكثر لقضاء إجازات متنوعة سعيا إلى الاستجمام وتجديد النشاط.وسفن الرحلات السياحية تشبه المدن أو الفنادق العائمة، ولديها طاقم ضيافة ضخم يبلغ متوسط عدد أفراده 800 شخص، وتمتلك أفضل المرافق والكماليات الترفيهية لرحلة آمنة وفخمة.
وتشتمل هذه المرافق على مطاعم على سطح السفينة، أو داخلية فخمة، ومراكز لياقة ومنتجعات صحية، ومكتبات، وصالات رياضية، ودور سينما ومسرح.
وتقسم سفن الرحلات السياحية على أساس الحجم إلى أربعة أنواع: الأول سفن الرحلات السياحية الكبيرة ذات القدرات الاستيعابية الكبرى للمسافرين؛ والثاني سفن الرحلات البحرية الصغيرة ذات السعة القليلة للمسافرين؛ والثالث سفن فخمة جدا مجهزة بمرافق توفر الراحة والمتعة والاستجمام؛ والرابع سفن الرحلات الخاصة المصممة لوجهة خاصة، ومنها على سبيل المثال السفن السياحية لزيارة منطقة القطب الشمالي والجنوبي، وهي مصممة خصيصًا لمواجهة العوامل البيئية والمناخية الموجودة في القطبين.
السلامة البحرية
منذ وقوع حادثة سفينة تيتانيك الشهيرة عام 1912، التي راح ضحيتها أكثر من 1500 شخص، تنبه المجتمع الدولي البحري إلى ضرورة توفير كل عوامل السلامة والأمان للركاب، كالمعدات الضرورية وإشارات الاستغاثة، إضافة إلى تدريب الطاقم على عمليات الإنقاذ والإسعاف.
وبعد عقود من العمل المتواصل، أنشئت المنظمة البحرية الدولية تحت مظلة الأمم المتحدة، لإصدار واحدة من أهم الاتفاقيات البحرية الدولية وهي اتفاقية سلامة الأرواح في البحار المعروفة باسم سولاس 1974 SOLAS، والاتفاقيات الدولية الأخرى ذات الصلة التي تحدد اللوائح والمعايير الدولية التي تغطي كل جوانب السلامة والأمان للسفن، كإجراءات تجنب ومكافحة أعمال العنف والقرصنة، ومتطلبات البناء والتشغيل والإدارة الآمنة لسفن الركاب، واللوائح الخاصة بالحفاظ على البيئة لمنع تلوث البحار بالزيوت والنفايات ومياه الصرف الصحي.
وجرى التركيز على “العنصر البشري” من خلال تدريب الطاقم مما أدى إلى تحسين إجراءات السلامة، بما في ذلك المتعلقة بتدابير السلامة كمعدات السلامة والإنقاذ، وأنظمة الإنذار واكتشاف الحرائق ومعدات مكافحة الحرائق، ونظام الاتصالات للسلامة والاستغاثة الدولي، والتدريب على قيادة حشود الركاب الكبيرة، ومناورات مغادرة السفينة إلى قوارب وطوافات النجاة، وذلك لتحقيق أقصى درجات السلامة والأمان للركاب.
تتمثل فلسفة سلامة سفن الركاب في التركيز على منع وقوع أي حادث في المقام الأول. وفي حال وقوع حادث للسفينة يجب أن تكون مصممة لتتمكن من البقاء آمنة، وتقديم خدمات السلامة والرعاية الصحية والطبية لبقاء الركاب بأمان على متنها حتى تصل إلى أقرب ميناء.
ازدهار صناعة السفن
تظهر الإحصائيات وجود ارتفاع سنوي في عدد المسافرين على متن سفن الرحلات السياحية. وقدر هذا العدد بنحو 1.1 مليون راكب عام 2019-2020، ليبلغ متوسط عددهم نحو 30 مليون راكب سافرت سفنهم عبر 57 خطا ملاحيا حول العالم. ومعظم هؤلاء الركاب من الولايات المتحدة وأوروبا والصين، ومن ثم، فإن أعلى سعة للرحلات البحرية كانت مخصصة لمنطقة البحر الكاريبي والبحر الأبيض المتوسط وأوروبا ثم آسيا وأستراليا وأفريقيا. وقد تضاعفت حمولات سفن الرحلات السياحية من الركاب خلال العقدين الماضيين لزيادة الأرباح. لكن أحد العوائق الرئيسية للنمو ينطوي على ضعف الخدمات اللوجستية لكثير من الموانئ، ومن ثم، تقتصر رحلات أكبر السفن السياحية في العالم على الموانئ القادرة على استيعاب تلك السفن العملاقة. وتعتبر Symphony of the Seas أكبر سفن الرحلات البحرية في العالم. وهذه السفينة التي صنعت عام 2018 يبلغ طولها 362 مترًا، وتحمل 7718 شخصا، منهم 5518 راكبا و2200 فرد من طاقم السفينة، وتحتوي على 2745 كبينة.
وفي هذا العصر التنافسي نشهد نموًا هائلاً في أسطول سفن الركاب متوافقا مع النمو في الطلب عليها، مع استمرار المنافسة الشديدة بين المشغلين والمالكين.
لكن نتيجة لانتشار جائحة كورونا في الربع الأول من عام 2020 واستمرارها حتى الآن، فقد وضعت قيود كثيرة على تشغيل سفن الركاب، وهو ما أدى إلى تسجيل خسارة قدرت بأكثر من 77 بليون دولار من النشاط الاقتصادي العالمي، وفقدان 518 ألف شخص وظائفهم خسروا نحو 23 بليون دولار من أجورهم.
ومع بدء القيود الخاصة بكورونا بالتلاشي بحذر، لا يزال خبراء السياحة البحرية يأملون أن تكون الأمور مختلفة في النصف الثاني من عام 2021 ليبدأ المزيد من الأشخاص بالعودة إلى الرحلات السياحية. وشهد عام 2019 صناعة أكبر عدد من السفن التي تصنع سنويا منذ عقود، مما أدى إلى زيادة الأسطول العالمي من السفن السياحية. لكن مع تعليق الرحلات بسبب جائحة كورونا، بدأت الشركات بتأجيل بناء السفن الجديدة، مما سيؤدي إلى الحد من النمو المتوقع بين 2020-2022، ومن ثم سيساعد على تحقيق التوازن بين العرض والطلب.وتجتهد شركات الرحلات البحرية من أجل البقاء، واضطر بعضها إلى بيع أسطوله بالكامل، في حين باعت شركات أخرى أسطولها القديم بأسعار منخفضة، وأخّرت شركات كثيرة عمليات بناء السفن التي وقّعت عقودا لصنعها مع الشركات الصناعية الكبرى. وتظهر التقارير أن حجوزات الركاب في العام المقبل إيجابية، ومع ذلك لا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن ما إذا كان الطلب سيتعافى، والوقت الذي سيتوافق فيه الطلب مع العرض الزائد الحالي للسفن.