د. طارق قابيل
تخيل أنك تؤدي بعض الأعمال الصغيرة في منزلك، ودُست دون قصد على مسمار صغير صدئ، وأدت هذه الوخزة إلى إصابتك بعدوى بكتيرية، فتذهب إلى المستشفى ليقول لك الأطباء إنه ليس في وسعهم إجراء أي شيء لإنقاذ حياتك، وإن الأعمار بيد الله، وربما تعيش أو تموت! بالطبع ستصاب بصدمة كبيرة، وكأن الزمان عاد بك إلى الوراء، وكأنك في فيلم تشاهده باللونين الأبيض والأسود يعود إلى عشرينيات أو ثلاثينيات القرن الماضي.
قد يشكل هذا السيناريو الكئيب لقطة حزينة في المستقبل القريب، بعد أن رصد العلماء حديثا أول حالة إصابة بعدوى في الجهاز البولي ببكتيريا مقاومة لكل أنواع المضادات الحيوية في ولاية بنسلفانيا الأمريكية أطلق عليها الخبراء «البكتيريا القاتلة»، مؤكدين أنها قد تشكل خطرا كبيرا بالنسبة لأنواع العدوى المعتادة في حال انتشارها. وتظهر تقديرات طبية أن البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية مسؤولة عن 700 ألف وفاة في العالم سنويا، منها 23 ألفا في الولايات المتحدة و13 ألفا في فرنسا. ويتخوف الخبراء من أن تقضي هذه الظاهرة على عشرة ملايين شخص سنويا بحلول عام 2050. ومن المعروف أن اكتشاف المضادات الحيوية شكل ثورة علاجية كبيرة مهدت الطريق لعلاج الكثير من الأمراض البشرية التي طالما شكلت أوبئة أودت بحياة ملايين البشر. ومن الواضح أن عصر المضادات الحيوية أوشك على الانتهاء؛ إذ حذرت منظمة الصحة العالمية من أنه إذا استمرت مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية فإن خيارات العلاج ستكون محدودة جدا، وقد تصبح العمليات الجراحية الروتينية قاتلة، وربما تهدد الإصابات الطفيفة حياة البشر، وستكون معالجة الأمراض المعدية والالتهابية صعبة. ويرى عدد كبير من العلماء أن ظهور مثل هذه البكتيريا القاتلة قد يكتب نهاية المضادات الحيوية بشكلها المعروف، ويؤرخ لبداية عهد ما بعد المضادات الحيوية.
وقد تبدو الحياة في عصر ما بعد المضادات الحيوية مخيفة، لكن ربما توجد طرق لتفادي كارثة نهاية المضادات الحيوية؛ فقد
كشفت مجموعة من البحوث الحديثة عن كمية مذهلة من التنوع الميكروبي في عينات تراوح ما بين: التربة، والأراضي دائمة التجمد، والإسفنج البحري، والفتحات المائية الحرارية، وشقوق الجسم البشري؛ ويرى العلماء أن جسم الإنسان لايزال مصدرا غير مُستغَل للعقاقير الجديدة.
البكتيريا الكابوس
استخدم العلماء المضادات الحيوية لمعالجة معظم الأمراض والأوبئة التي كانت منتشرة في القرن الماضي، لكن التقارير الطبية تنذر بأن زمن هذه المضادات ربما ولى، وأن الأمراض قد تعود أشد ضراوة مما كانت عليه، بعد أن أعلن باحثون في الولايات المتحدة، في 26 مايو 2016، عن أول حالة في البلاد لمريضة بعدوى مقاومة لكل أنواع المضادات الحيوية. وذكر باحثون من معهد والتر ريد الطبي العسكري بولاية ميريلاند، أنه تم العثور على سلالة البكتيريا في جسم امرأة بولاية بنسلفانيا تبلغ من العمر 49 عاماً، ذهبت إلى عيادة في بنسلفانيا بأعراض تدل على وجود التهاب في المسالك البولية، وقد سبق التعرف على تلك البكتيريا في بريطانيا وإيطاليا.
وذكر باحثون في دورية «أنتيميكروبيال إجنتس أند كيموثيرابي» (العناصر المضادة للبكتيريا والعلاج الكيميائي) التي تصدرها الجمعية الأمريكية لعلم الأحياء الدقيقة أن اكتشاف سلالة من البكتيريا العصوية القولونية (إي كولاي) تحوي جينات مقاومة للمضاد الحيوي كوليستين ينذر بظهور البكتيريا المقاومة لعموم العقاقير. وأوضحوا أن الأطباء يعتبرون كوليستين الملاذ الأخير للأنواع الخطيرة من الجراثيم، بما فيها عائلة البكتيريا المعروفة باسم «سي آر إيه» (CRE)، التي يسميها مسؤولو الصحة «البكتيريا الكابوس»، وتقتل تلك البكتيريا في بعض الحالات 50% من المرضى المصابين بالعدوى، واعتبرت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أنها من بين أكبر تهديدات الصحة العامة والأكثر إلحاحا في البلاد. وتنتشر «البكتيريا الكابوس» عادة بسبب المياه والأطعمة الملوثة، ومن أهم مصادر العدوى الحليب واللحوم المفرومة. وتقتل هذه البكتيريا عشرة ملايين شخص سنويًا وستكبد العالم ما يصل إلى 100 تريليون دولار بحلول عام 2050. وحذرت منظمة الصحة العالمية من انتشار البكتيريا القاتلة بالقول: «لن يكون هنالك علاج للكثير من الإصابات المعدية الشائعة بعد الآن، ومن جديد ستكون مميتة بلا هوادة».
مقاومة المضادات الحيوية
كانت هناك مقاومة للمضادات الحيوية منذ زمن بعيد، فقد اكتُشفت الجينات التي بدأت تعتمد عليها البكتيريا الحديثة في الوقت الحالي لتحصن بها نفسها من المضادات الحيوية محفوظة في بكتيريا قديمة مجمدة منذ ما يزيد عن 30 ألف سنة، في الأرض دائمة التجمد في القطب الشمالي. غير أن هذه الجينات، التي ربما مدت هذه البكتيريا القديمة بالقدرة على مقاومة أقوى أنواع المضادات الحيوية وأكثرها فعالية، لم يكن لها أهمية تُذكر بالنسبة لتلك البكتيريا في ذلك الوقت. لكن منذ أن بدأنا بوصف المضادات الحيوية بإفراط للمرضى للقضاء على البكتيريا، أوجدنا كل الظروف المواتية تمامًا لتغدو هذه الجينات المقاومة للمضادات الوسيلة الأكثر شيوعًا التي تتحصن بها كل جرثومة ضد المضادات الحيوية. وقد حذر الأب الروحي للمضادات الحيوية السير ألكسندر فلمنغ، مكتشف البنسلين، في عام 1946 من مغبة استشراء مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية، مشيرًا إلى أن زيادة الطلب على المضادات الحيوية ستفضي إلى الإفراط في استخدام العقاقير، ومن ثم ستطور البكتيريا أساليب أفضل للتصدي للمضادات الحيوية.
ومقاومة المضادات الحيوية هي نوع خاص من أنواع مقاومة الأدوية، وتعرف بأنها قدرة الكائن الحي الدقيق على تحمل مفعول المضاد الحيوي. وتنشأ مقاومة المضادات الحيوية طبيعيا بواسطة الطفرات العشوائية. وتستطيع البكتيريا نقل المعلومات الوراثية بطريقة أفقية (ما بين بعضها بعضا) بواسطة تبادل البلازميد (الحمض النووي الحلقي). وإذا كانت البكتيريا تحمل عدة جينات مقاومة، يتم تسميتها بكتيريا متعددة المقاومة أو البكتيريا المتفوقة. وتظهر مقاومة المضادات الحيوية عن طريق الاصطفاء الطبيعي؛ حيث الطفرات في بعض الخلايا البكتيرية، التي بدورها تنقل هذه المزية إلى النسل الجديد الذي يتميز بكونه جيلا ذا مقاومة كاملة للمضاد الحيوي. وتهدف المضادات الحيوية إلى قتل أو منع نمو البكتيريا، لكن لاتتأثر جميع البكتيريا بذلك، فالمقاومة البكتيرية قد تكون متجذرة في المحتوى الجيني للبكتيريا. وبعض هذه البكتيريا تتمتع بمناعة طبيعية، وتزداد مقاومتها على نحو تلقائي مع توافر فرص التحور، ومن ثم تتكاثر وتنمو سلالات أكثر مقاومة، بين عشية وضحاها. وعندما يعطى المضاد الحيوي المختار فإنه يقتل البكتيريا الحساسة، لكن تظل أي بكتيريا مقاومة على قيد الحياة. كما يمكن انتقال المقاومة من أنواع بكتيرية إلى أخرى. وكلما أفرط المريض في استخدام المضادات الحيوية، زادت فرص وجود بكتيريا تطور من طريقة مقاومتها. كذلك يمكن للبكتيريا أن تكتسب الجينات المقاومة بعد تعرضها للمضادات الحيوية.
الإفراط في المضادات الحيوية
ويخشى الخبراء من استخدام المضادات الحيوية بطريقة غير منضبطة، فثمة عدد كبير يتناولون المضادات الحيوية ويستخدمونها حال الإصابة بعدوى متوسطة لا يلزم مكافحتها بالمضادات الحيوية، كما لا يمكن للمضادات الحيوية أن تساعد على التعافي من العدوى الناجمة عن الفيروسات مثل فيروسات الإنفلونزا.
المطهرات «تعلم» البكتيريا طرق المقاومة
أثبتت أبحاث أجريت حديثا أن المطهرات يمكن أن تدرب البكتيريا على مقاومة المضادات الحيوية. ويعرف العلماء أن البكتيريا قد تصبح محصنة ضد المطهرات، لكن الأبحاث أثبتت أيضا أنه بموجب العملية نفسها قد تصبح البكتيريا مقاومة لعقاقير طبية معينة. وربما يحدث هذا حتى مع وجود مضادات حيوية لم تتعرض لها البكتيريا.
توصل العلماء في الجامعة الوطنية الأيرلندية بغالواي إلى أنه بإضافة كميات متزايدة من المادة المطهرة إلى مزارع بكتيريا الزائفة الزنجارية في المختبر، فإن البكتيريا لا تتعلم مقاومة المادة المطهرة فقط، بل ومقاومة عقار السيبروفلوكساسين، وهو نوع من المضادات الحيوية، حتى من دون أن تكون البكتيريا قد تعرضت له من قبل.
وقد تسبب بكتيريا الزائفة الزنجارية مجموعة كبيرة من الأمراض، لا سيما بين أولئك الذين يعانون ضعفَ جهاز المناعة كما في حالات الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية أو مرضى السرطان، وكذلك الأشخاص الذين يعانون حروقا شديدة أو أمراضا خطيرة. وربما تفرز هذه البكتيريا المتكيفة مواد لطرد مضادات الميكروبات، سواء كانت مضادات حيوية أو مطهرات. وتمتلك القدرة أيضا على التحور مما يتيح لها القدرة على مقاومة العقاقير المشتقة من المضاد الحيوي سيبروفلوكساسين على وجه التحديد. وتستخدم المطهرات السطحية في منع انتشار البكتيريا، لكن إذا كان بإمكان هذه البكتيريا مقاومة مثل هذه المطهرات فقد تسبب تهديدًا خطيرًا للمرضى في المستشفيات.
أين المضادات الحيوية الجديدة؟
تكون مدة العلاج بالمضادات الحيوية عادة قصيرة جدا، أياما أو أسابيع، ومن المستحسن أن يقتصد الأطباء في وصفها للمساعدة على تجنب حدوث مقاومة بكتيرية. فإذا حدثت مقاومة كبيرة، يجب إلغاء العقار لدى الشركة التي تنتجه. وتؤكد شركات صناعة الأدوية باستمرار وجود أبحاث تهدف إلى إنتاج مضادات حيوية جديدة وتطوير أمصال جديدة للوقاية من العدوى الشائعة. لكن هذه المشروعات باهظة التمويل وما تعنيه من فعالية وتكلفة بالنسبة للشركة قد يؤدي إلى تراجع الاهتمام بها مقارنة بأعمال تجارية أخرى.
والسعي نحو إيجاد علاجات بديلة للمضادات الحيوية يسير بخطى بطيئة. وبحسب الجمعية الأمريكية للأمراض المعدية، فإن كل مضاد حيوي يستخدم حاليا هو أحد مشتقات مضاد حيوي اكتُشِف قبل سنة 1984. والعالم بحاجة شديدة إلى مضادات حيوية جديدة. ويمثل اكتشاف المضادات الحيوية الجديدة تحديًا صعبًا، سواء على الصعيد العلمي أو التنظيمي أو الاقتصادي، لذا لا عجب إن كانت الشركات تسعى لتقليص إنتاج المضادات الحيوية إلى حد كبير. وعلى الرغم من هذه الحاجة الملحة، والإدراك الواسع للمشكلة، فإن هناك عددا قليلا من المضادات الحيوية الجديدة المتوقع استخدامها قريبا، وذلك بسبب غياب الأساليب المبتكرة لتحديد المركبات الرائدة، فضلا عن انخفاض مشاركة شركات الأدوية في هذا المجال لأن عملية اكتشاف المضادات الحيوية الجديدة مكلفة و لا تحقق الأرباح الكافية لشركات الصناعات الدوائية.
وحاليا، هناك نحو 200 نوع من المضادات الحيوية، لكل منها أسماء متعددة تختلف باختلاف الشركة المصنعة لها على شكل أقراص أو كبسولات أو حقن، وبعضها على هيئة مساحيق أو مراهم جلدية أو نقط للعين أو للأذن إلى غير ذلك من الأشكال. وتختلف أنواع المضادات الحيوية باختلاف مدى تأثيرها على البكتيريا. ومر نحو 32 عامًا منذ طرح سلسلة جديدة من المضادات الحيوية، أي مجموعة من العقاقير التي تحدث فاعلية جديدة بالفعل مقارنة بغيرها من العقاقير السابقة.
مضادات حيوية من بكتيريا التربة
منذ اكتشاف المضادات الحيوية الأولى في العصر الذهبي لها في الفترة ما بين عامي 1940 و1960، كانت بكتيريا التربة والفطريات هي مصدر المضادات الحيوية. ويعود أصل نحو نصف المضادات الحيوية إلى بكتيريا التربة، وهو ما يجعل العلماء يستمرون في دراستها.
ونظر لتنامي حجم مشكلة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية يسعى الباحثون إلى إنشاء مكتبات جينومية كبيرة تمثل أنواعًا ميكروبية متعددة، وتطوير تقنيات لاستزراع الأصناف النادرة، ومن ضمنها النمو في الأوساط الطبيعية، كما تحسنت أساليب الكشف المختبري. وقد قطع العلماء خطوات نحو هذا الهدف، وساعدهم التقدم في طرق الزرع وغيرها من الوسائل التكنولوجية على زراعة الميكروبات التي كانت غير قابلة للزرع سابقًا، كما ساعدهم على تطوير طرق فك تَتَابُع الحمض النووي، والمعلوماتية الحيوية، بغرض دراسة بعض الميكروبات، دون الحاجة إلى زرْعها على الإطلاق.
ويرى الباحثون وجود حاجة إلى طرق بديلة لاستقصاء منظومة الكائنات الحية غير المزروعة، والمادة المعتمة الغامضة في عالم الميكروبات؛ من أجل اكتشاف أدوية جديدة نظرًا لأن معظم المضادات الحيوية تستخرج من بكتيريا التربة. وفي بداية عام 2015 ابتكر فريق من جامعة نورث إيسترن في الولايات المتحدة طريقة جديدة لمكاثرة الجراثيم في التربة تحت ظروف مختبرية. وأدى استخدام هذا الأسلوب إلى اكتشاف 25 مضادًا حيويًا جديدا، ثبتت فاعلية أحدها، ويدعى «تيكسوباكتين»، في علاج بكتيريا ستافيلوكوكوكاس أوريوس المقاومة للمثيسيلين في الجرذان. ويسبب هذا النوع من البكتيريا التهابا خطيرا ينتقل بين المرضى الراقدين في المستشفيات، كما أثبت فاعليته في مواجهة السل وبكتيريا المكورات العنقودية. وفي حال نجاح التجارب البشرية، سيكون التيكسوباكتن، أول فصيلة جديدة من المضادات الحيوية يجري تطويرها منذ ثلاثة عقود. ويعمل التيكسوباكتين عن طريق تدمير جدار خلية البكتيريا، ويهاجم عدة أهداف في وقت واحد مما يؤخر تطور المقاومة له، ومن المقرر أن يدخل مرحلة التجارب السريرية قريبًا.
مضادات حيوية من الحشرات
أفاد بحث علمي حديث بوجود جرثومة تعيش في أحشاء الحشرات العصوية قد تساعد العلماء على الكشف عن حل لغز مقاومة المضادات الحيوية. و أظهرت تلك الحشرة في المختبر مقاومة للسموم وإصابات العدوى التي لم يكن بالإمكان أن تتعرض لها من قبل، وهو ما يشير إلى أن هناك آلية عامة لتلك المقاومة. وبحسب العلماء، إذا كان بمقدورنا الكشف عن ذلك، فإنه سيفتح الطريق أمامنا لفهم طريقة مقاومة المضادات الحيوية، وهو ما سيمكننا من وضع استراتيجية لمجابهتها، كما سيساعدنا على وضع آلية داخل المضادات الحيوية الجديدة لمواجهة أي نوع من المقاومة.
وجاء أحد الإنجازات التي ظهرت في البداية أثناء البحث عن سلاسل جديدة للمضادات الحيوية نتيجة لاكتشاف أن النمل القاطع للأوراق، الذي يعيش في الغابات الاستوائية، يحمل مادة على جسمه تؤمن له سلامة مصدر غذائه الفطري؛ إذ يقوم النمل بتغطية الأوراق بهذه المادة ليسمح للفطريات بالنمو. ولحماية ذلك المصدر الغذائي من الميكروبات الضارة والطفيليات إلى جانب تنظيم نمو الفطريات، يحمل ذلك النوع من النمل في جسمه مضادًا حيويًا شديد المفعول تتشابه خصائصه مع خصائص المواد المضادة للفطريات التي تستخدم في الطب الحديث. ويأمل العلماء أن تؤدي الدراسة التي تجرى على ذلك النوع من النمل إلى الكشف عن أنواع مضادات حيوية جديدة تماما.
مضادات حيوية من حليب «شيطان تسمانيا»
أظهرت دراسات أعدها علماء أستراليون أن حليب «شيطان تسمانيا»، وهو اسم يطلق على حيوان من فئة الشقبانيات، يحتوي على بروتينات قد تكون فعالة في القضاء على البكتيريات الخارقة التي لا تتأثر بالمضادات الحيوية. واكتشف الباحثون في جامعة سيدني ببتيدات (أحد العناصر الأساسية للبروتين) في حليب أنثى شيطان تسمانيا، يمكنها أن تقضي على البكتيريات الخارقة المقاومة للمضادات الحيوية. وقد التفت العلماء إلى هذا الاحتمال لأن صغار هذه الحيوانات تعيش في جرابات أمهاتها التي تحتوي على الكثير من البكتيريا، وهي ذات مناعة قوية، وتساءل العلماء عن السبب الذي يجعل هذه الصغار قادرة على مقاومة هذه البكتيريات. وتبين أن أجسام هذه الحيوانات تحوي كميات كبيرة من الببتيدات أكثر من غيرها من الحيوانات الثديية. ويأمل العلماء الاستفادة من حليب هذه الحيوانات للتوصل الى تركيب علاج يقضي على البكتيريا الخارقة.
العاثيات بديل للمضادات الحيوية
العاثيات البكتيرية هي فيروسات تقتل البكتيريا، ويعني اسمها حرفيًا «آكلات البكتيريا»؛ حيث يمكنها «التهام» البكتيريا من الداخل، لتوفر طريقة جديدة ناجعة لمحاربة الالتهاب. وفى الحقيقة فهذا الاسم مضلل إلى حد ما، فهي لا تأكلها بالفعل، بل تستخدمها كمضيف تتكاثر فيه هذه الفيروسات وتنتشر إلى غيرها من البكتيريا. اكتشفت تلك العاثيات سنة 1915، واستخدمت أثناء الحرب العالمية الثانية لعلاج الالتهابات. ووصفت الفيروسات القادرة على إصابة البكتيريا للمرة الأولى عام 1917، حينما صاغ فيليكس ديريل -عالم الأحياء الدقيقة من معهد باستور في باريس- مصطلح العاثيات (الفيروسات الحالة للبكتيريا). والعاثيات هي فيروسات تربط نفسها بمستقبِلات معينة على سطح البكتيريا، سامحة لهم بالدخول إلى مضيفها، والتكاثر داخله، وكثيرًا ما تقتله. يمكن لكل نوع من أنواع العاثيات أن يصيب فقط البكتيريا التي لديها مستقبِلات يمكنها الارتباط بها، مما يجعلها نوعية جدا لأنواع محددة.
جسم الإنسان منجم لمضادات حيوية جديدة
بدأ بعض الباحثين بتطبيق استراتيجية بحثية جديدة على جسم الإنسان أسفرَت عن آلاف من الجينات التي تنتِج فئة من المضادات الحيوية تُسمى ثيوببتيدات. وقد عزلوا مركبا جديدا من ميكروب مهبلي نما في المختبر، ووجدوا أن المركب قد يقتل أنواع البكتيريا التي تقتلها الثيوببتيدات الأخرى. وربما يكون هذا أول عقار يُكتشَف في كائن حي يعيش في البشر ويُعزَل منهم.
وكشف باحثون آخرون عن مجموعة جديدة من المضادات الحيوية عن طريق تحليل تفاعلات الإصابة البكتيرية التي تحدث في أنوف المرضى. وأظهرت نتائج الاختبارات أن بإمكان العقار المكتشف، الذي يحمل اسم «لوغدونين»، علاج إصابات البكتيريا المقاومة لمعظم المضادات الحيوية.
إنزيماتٌ اصطناعيةٌ لقتل البكتيريا
طور باحثون إنزيماً اصطناعياً للقضاء على البكتيريا باستخدام الضوء، وقد تُستخدم هذه الإنزيمات الاصطناعية كوسيلةٍ لكبح انتشار العدوى، وحماية الأماكن المحفوفة بالخطر من انتشار البكتيريا. صُنعت هذه الإنزيمات من أنابيب نانوية صغيرة جداً وهي أقل سماكةً من خصلة الشعر بألف مرة، وتستخدم هذه الإنزيمات الضوء المرئي لإنتاج أنواع الأكسجين العالي النشاط، التي تتكسر سريعاً لتقضي على البكتيريا.
وتقدم هذه الإنزيمات وسيلةً متطورةً لمحاربة البكتيريا، وتدمج الضوء مع الرطوبة لتنتج تفاعلاً كيميائياً حيوياً، مما ينتج عنه تكون جذر الهيدروكسيد الذي يُساهم في تكسير البكتيريا. ومن المعلوم أن النشاط المقاوم للبكتيريا الموجود في الطبيعة لا يستجيب لأي حافز خارجي كالضوء. وتبين أن نشاط الإنزيمات النانوية ازداد بمقدار 20 مرة عندما تعرضت البكتيريا لوميضٍ من الضوء الأبيض، وهو ما سبّب تكون ثقوبٍ في خلايا البكتيريا وقتلها بشكلٍ فعالٍ.
ويقدم الجيل الواعد من المواد النانوية فرصاً جديدةً للسطوح الخالية من البكتيريا، ويساهم في مكافحة انتشار حالات العدوى في المستشفيات. وتعمل هذه الإنزيمات في محلول مشابه للسائل في الجروح، حيث يمكن رش هذا المحلول على السطوح، كما يمكن إنتاجها على شكل مسحوق ثم خلطه مع الأصباغ، والسيراميك، والمنتجات الاستهلاكية الأخرى. وهذا من شأنه أن يساهم في إخلاء جدران وأراضي المستشفيات من البكتيريا. ووجود هذه الإنزيمات في دورات المياه العامة المكتظة بشتى أنواع البكتيريا يُعد فكرةً جيدةً، ويعتقد الباحثون أن لدى هذه التقنية قدرة كبيرة على توفير مراحيض ذاتية التنظيف.
خلايا اصطناعية صغيرة تقاتل البكتيريا
طور باحثون من جامعة كاليفورنيا خلايا اصطناعية لقتل البكتيريا بنيت من أجسام دهنية أو فقاعات تحمل أغشية دهنية شبه خلوية، إضافة إلى مكونات خلوية أساسية، منها البروتينات والحمض النووي والمستقلبات.
تحاكي هذه الخلايا الاصطناعية الخصائص الأساسية الموجودة في الخلايا الحية، لكن عمرها قصير نسبيًا، ولا تستطيع أن تنقسم أوتتكاثر. وهي مصممة للاستجابة لإشارات كيميائية فريدة في البكتيريا الإشريكية القولونية، ونجحت خلال التجارب المختبرية في رصد هذه الخلايا ومهاجمتها وقتلها.
لم تثبت الخلايا الاصطناعية نجاحها إلا في البيئات الغنية بالمغذيات، لذلك أدخل الباحثون تعديلات على أغشية الخلايا والعصارة الخلوية والدوائر الوراثية، ما أكسبها القدرة على العمل في بيئات مختلفة وبقدر محدود من الموارد مثل الماء، وعزز مقاومتها في الظروف المتغيرة وغير المثالية. وبفضل هذه التحسينات، أصبح لهذه الخلايا تطبيقات واسعة. وقد تستخدم في علاج العدوى المقاومة للعلاجات الأخرى، أو لإرسال العقاقير إلى مواقع معينة في الجسم، أوكمحسات حيوية.