د. محمد ظافر الوفائي
طبيب عيون مختص بجراحة الشبكية من جامعة هارفارد، (الولايات المتحدة)
د . حسان الطيان
أستاذ في الجامعة العربية المفتوحة بالكويت، وعضو مراسل بمجمع اللغة العربية بدمشق ، (الكويت)
برع العلماء العرب في طب العيون (الكحالة) أيما براعة، وأسهموا فيه إسهامات جليلة، ساعدت على تطوره بصورة كبيرة، وانتشار إنجازاتهم فيه إلى كل مكان، واعتماد من عاصرهم ومن جاء بعدهم من الأطباء على الكتب التي دونوها، والأدوات التي ابتكروها في العلاج والعمليات المتنوعة، والأدوية والوصفات التي استخدموها في مداواة المرضى.
ومن أهم الكتب التي دونها الأطباء العرب في طب العيون (الكافي في الكحل) لمؤلفه الطبيب خليفة بن أبي المحاسن الحلبي ( ت بعد 654 ه /1256 م)، لكن ذلك الكتاب لم يكن معروفا بصورة كبيرة في تاريخ الطب! ولم يكن مؤلفه أيضا معروفا في كتب رجالات الطب!
مخطوطة الكتاب
كان أول من كشف اللثام عن مخطوطة كتاب (الكافي في الكحل) في المكتبة الوطنية بباريس وكتب عنها المؤرخ الفرنسي لوسيان لوكليرك Lucien Le Clerc عام1874 في كتابه الأشهر تاريخ الطب العربي Histoire De La Medicine Arabe، حيث كتب في الصفحات(145-147) موجزاَ لمحتوى المخطوطة الوحيدة المعروفة آنئذ عن هذا الكتاب، بعد أن عثر عليها في تلك المكتبة.
وفي عام 1905 نشر مؤرخ طب العيون الألماني يوليوس هيرشبرغ Julius Hirschberg بالتعاون مع المستشرقين ليبرت Lippert وميتفوخ Mittwoch كتابا باللغة الألمانية بعنوان أطباء العيون العرب Die Arabischen Augenarzte ذكروا فيه سردا فريداَ عن ثلاثة من أطباء العيون العرب وهم عمار بن علي الموصلي، وخليفة بن أبي المحاسن الحلبي، وصلاح الدين الكحال الحموي .
وقد ترجم د. ظافر وفائي هذا الكتاب المهم إلى اللغة الإنجليزية ونشرته مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا في الرياض عام 1993.
والحق أن مؤرخي طب العيون يدينون إلى هؤلاء المستشرقين الألمان الثلاثة الذين أسهموا في ذكر هؤلاء الأطباء العرب وتتبعوا كتبهم، التي كان منها كتاب (الكافي في الكحل)، وقد اعتمدوا على النسختين الوحيدتين له، وهما نسخة باريس الآنفة الذكر التي اكتشفها لوكليرك، ونسخة إسطنبول التي اكتشفها قبل فترة وجيزة مؤرخ العلوم الأشهر كارل بروكلمان، وكتب عنها في موسوعته الشهيرة (تاريخ الأدب العربي).
وتشتمل نسخة باريس على رسوم قيِّمة لستٍّ وثلاثين أداةً جراحية استعملها مؤلفها الطبيب الكحَّال خليفة في علاج بعض الأمراض، وهي مرتَّبة في جدولين أنيقين على صفحتين متتاليتين. وأما نسخة إسطنبول فلنا أن نعدَّها درة كتب الكحالة في التاريخ الإسلامي، وهي مرتبة ترتيبًـا رائعًـا وأنيقًـا.
الطبيب خليفة الحلبي
لم تذكر كتب التراجم المعتمدة القديمة أي شيء عن هذا المؤلِّف الفذ، ومن ثم فلم يعرف تاريخ ولادته أو وفاته، إما لجهلٍ به أو لعدم شهرته في الأمصار. ولم يقتصر ذلك التجاهل أو الإغفال لذكر هذا الطبيب الفذِّ على القدماء من المؤرخين، بل تعدّاهم إلى المحدثين، فقد أغفل ذكره من أرخ لأعلام العرب وكتبهم، ومنهم خير الدين الزركلي في كتابه (الأعلام) وعمر رضا كحالة في كتابه (معجم المؤلفين) و(المستدرك على معجم المؤلفين).
ولعل أول من ذكره من المؤرخين المعاصرين هو الدكتور كمال السامرائي في مؤلفه (مختصر تاريخ الطب العربي) حيث ذكر فيه أنه “خليفة بن أبي المحاسن الحلبي: من سكان حلب في القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي، مارس الكحالة وله فيها كتاب (الكافي في الكحل)، وفيه وصف لعملية القدح ومزين بالرسوم”. ولعله استفاد من هذه الترجمة مما ذكره المؤرخ لوكليرك.
وقد تبعه بعد ذلك مؤرخو العلوم يذكرون الكتاب دون معرفة الكثير عن المؤلف، وإنما كان جلُّ اهتمامهم محتوى الكتاب دون أن يتعمقوا في البحث عن المؤلف وخلفيته ونشأته.
أبرز مزايا الكتاب
يُــعدُّ كتاب (الكافي في الكحل) من الكتب المتأخرة التي أُلِّـفت في أواخر عصر النهضة للحضارة الإسلامية وبدء عصر الانحطاط. وقد حققه الدكتور محمد رواس قلعه جي والدكتور وفائي ونشرته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) في الرباط بالمغرب عام 1990.
وأهم مزايا هذا الكتاب:
- استقى المؤلف معلوماته من 73 مؤلفًا ممن سبقوه، منهم المشهور مثل: (الرازي، وابن سينا، والطبري، وحنين بن إسحق العبادي، والغافقي، وابن زهر، والأحوازي)، ومنهم المغمور مثل: (عبدان الكحال، وسهل الكحال، وأبو الفرج بن هند)، ومنهم اليوناني مثل: (جالينوس، أبقراط، ليتفوس وأوريباسيوس) ومنهم الهندي مثل:(أرايكس وأرابليس).
- ذكر أسماء 41 كتابا ممن اقتبس عنهم بعض معلوماته، ويبدو أنه اعتمد بشكل كبير على (المعالجات البقراطية) للطبري و(القانون) لابن سينا و(الحاوي) للرازي.
- هو أول كتاب يضمُّ رسمًا توضيحيًـا لتشريح الدماغ وعلاقة العينين به والطريق الذي يسلكه البصر بين العينين والدماغ، ويظهر الرسم البُــطَــينات الدماغية وموقع الغدة النُّخامية والسَّحايا المغلِّـفة للدماغ وحُـلَـيـمَـتي العصبين الشَّمِّــيـين. كل ذلك بألوان زاهية مع بعض الرسوم المذهبة أي المطلية بماء الذهب.
- هو أول كتاب يضع جدولاَ أنيقًا لستٍّ وثلاثين آلةً جراحية، وقد كتب اسم الآلة في أعلى الرسمة وطريقة استعمالها في أسفلها.
- هو أول كتاب يضع جداول منظمة وأنيقة لأمراض الأجفان والعين وآلية الإبصار.
- هو أول كتاب يفرد فصلاَ خاصاَ عن المكاييل والأوزان والمقاييس المستعملة في الطبِّ آنذاك .
- هو أول كتاب يُــفرد فصلًا خاصاَ عن الفصد فاق ما ذكره ابن سينا بشكل كبير.