د. عماد الدين حسن برعي
خبير ومشرف على قسم التقنيات النووية – الهيئة العربية للطاقة الذرية، (تونس)
يتوقع عدد من المحللين أن يشهد العالم خلال العقود القليلة المقبلة نهاية عصر النفط وبداية عصر جديد يعتمد أساساً على الخامات النووية مثل اليورانيوم والثوريوم، مما يعني ضرورة إدخال الطاقة الذرية السلمية ضمن مزيج الطاقة، وتوفير متطلبات التنمية المستدامة حتى 2030. بلغ عدد مفاعلات الطاقة النووية العاملة في العالم حتى الآن 451 مفاعلا، إضافة إلى 55 مفاعلا قيد الإنشاء.
وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة زيادة القدرة العالمية لتوليد الطاقة الكهربائية من 396غيغاواط لسنة 2018 لتصل إلى نحو 784غيغاواط بحلول سنة 2050، مما يعكس الضرورة الماسة للخامات النووية في المستقبل القريب والبعيد أيضاً.
أهمية اليورانيوم
يعتبر اليورانيوم من العناصر غير النادرة في الطبيعة؛ لأن نسبة وجوده تعادل تقريباً نسبة وجود معادن أخرى شائعة الاستخدام كالقصدير. ومنذ عام 2002 أصبح معظم إنتاج اليورانيوم في العالم، 99% منه، ينتج في 16 بلدا، في مقدمتها كازاخستان وكندا وأستراليا التي تنتج معاً نحو 50% من اليورانيوم عالمياً.
وهناك عدد محدود من الدول الأجنبية المتقدمة تكنولوجيا في هذا المجال، مثل الصين، تحتكر وتتحكم في معظم الصناعات الاقتصادية ذات المردود الاستثماري الكبير، في حين تعاني بعض الدول العربية مشكلة الإمكانات المحدودة لإنتاج وتصنيع النظائر المشعة والمركبات الصيدلانية المشعة المستخدمة في مجال تشخيص الأمراض وعلاجها، والتي تتطلب وجود مفاعلات نووية أو مسرعات أيونية، إضافة إلى عدم توفّر برامج ضمان الجودة.
جهود عربية
في المجالات الصناعية، تسعى الدول العربية إلى تطوير عمليات ضبط الجودة وضمان حسن التشغيل وسلامة المنشآت النووية وتحسين معدل الأداء والإنتاج في المنشآت الصناعية، مثل المنشآت النفطية والبتروكيميائية التي تعتمد على استخدام التقنيات النووية والإشعاعية في الاختبارات اللاإتلافية بشكل أساسي، والتي يمكن الكشف بها عن العيوب الموجودة في كل جزء من أجزاء المنتج، وتحديد طبيعة هذه العيوب وأسبابها خلال جميع مراحل الإنتاج وأثناء مرحلة الخدمة؛ تمهيداً لإيجاد الحلول المناسبة لإزالتها أو لتخفيض عددها دون إحداث أي تشويه أو تغيير في شكل تلك الأجزاء لغرض زيادة الإنتاجية وزيادة فترة الاستخدام و ضمان السلامة.
وفي هذا الشأن تسعى الدول العربية إلى وضع استراتيجية متكاملة وقابلة للتطبيق تتضمن الطرق التكنولوجية الحديثة لاستكشاف وإنتاج الخامات النووية بما يسهم في دعم الدول العربية للانضمام إلى مصاف الدول المتقدمة صناعيا.
صناعة التعدين
تمثل صناعة التعدين في الدول المتقدمة دعماً كبيراً للاقتصاد القومي؛ إذ توفر الخامات الأولية اللازمة للصناعات المحلية إضافة إلى توفيرها للعملات الصعبة. وتمتلك الدول العربية احتياطيات استراتيجية كبيرة من الخامات النووية مثل اليورانيوم والثوريوم إضافة إلى كنوز الرمال السوداء، وهي تعتبر المصدر الأساسي لكثير من المعادن والعناصر ذات الجدوى الاقتصادية الكبيرة، مثل التيتانيوم والزركونيوم والماغنيت فضلا عن المونازيت وهو (معدن مشع ومصدر إنتاج للعناصر الأرضية النادرة ومركباتها). والأراضي العربية غنية بالعديد من الخامات والرواسب المعدنية التي تتميز بتنوعها الكبير في الصحارى، غير أن هذه الخامات لم تستغل بالقدر الكافي بعد الذي يحقق أقصى عائد منها.
ومن أهم هذه الخامات وأكثرها في القيمة الاقتصادية خامات الحديد والذهب ومعادن الرمال السوداء والفوسفات والكولين والفحم والكوارتز. وتسعى الدول العربية إلى الاستفادة القصوى من جميع الخامات والمواد المعدنية الاقتصادية الموجودة فيها، والحد من تصديرها كمواد خام، والاستفادة منها اقتصاديا في كثير من الاستخدامات والتطبيقات السلمية للنظائر المشعة في مجالات الطب والصناعة والزراعة وغيرها، والتي قد تعود بالنفع الكبير على الدول العربية.
خامات اليورانيوم
تعتبر الخامات النووية التي تحتوي على اليورانيوم المصدر الرئيسي اللازم لدورة الوقود النووي. وعلى الرغم من المحاولات السابقة لاستكشاف الخامات النووية فإنه لم يتم إثبات وجودها في الكثير من الدول العربية بطريقة يمكن من خلالها استغلالها اقتصادياً. ومعظم التقديرات لتلك الاحتياطيات في البلاد العربية تكون تقريبية وغير مؤكدة. ونظراً للصعوبات البالغة في الحصول على اليورانيوم من الدول المنتجة، لذا لابد من التركيز على عمليات الاستكشاف وتقييم خامات اليورانيوم بطريقة مؤكدة، وتوفيرها للبدء بالبرامج النووية الوطنية والاستخدامات السلمية للطاقة الذرية.
ولقد اهتمت الهيئات والمنظمات الدولية المعنية بهذه المجالات، مثل الهيئة العربية للطاقة الذرية والوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعقد الندوات والاجتماعات والدورات التدريبية وورش العمل، لمعرفة التطورات الجديدة والمتطلبات الدولية في مجال جيولوجيا الخامات النووية واستكشافها وطرق الاستخلاص ومعالجة المعادن النووية، وكذلك المتطلبات البيئية لاستخلاص الخامات النووية وإخراج المواقع الجيولوجية للخدمة.
ونشرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية العديد من الوثائق المهمة حول توزع مستودعات اليورانيوم في العالم، ومنها وثيقة نشرت عام 2016 تضمنت تحليلا إحصائياً للبيانات وخريطة رقمية حول توزيع اليورانيوم في العالم. تضمَّن الإصدار الأول من الخريطة 582 مستودع يورانيوم في العالم، في حين تضمَّن أحدث إصدار 2831 مستودعاً.
اقتصاديات تعدين اليورانيوم
تشكل اقتصاديات تعدين اليورانيوم قضايا مهمة في مجال الاقتصاد؛ إذ بلغ سعر كيلو اليورانيوم 300 دولار أمريكي سنة 2007 ثم تدنى إلى 41 دولارا سنة 2016، مما دفع بعض الدول المنتجة إلى إعادة دراسة الجدوى الاقتصادية لتعدين الخامات النووية. تستغرق عمليات الاستكشاف فترات طويلة تتراوح بين 10 إلى 15 عاما حتى يمكن تحديد الاحتياطيات المؤكدة في المنجم. ونظراً لعدم توافق طبقات الأرض في كثير من مستودعات اليورانيوم، فقد سعت الشركات المنتجة للخامات النووية إلى تكامل البيانات الجيولوجية والجيوفيزيائية والجيوكميائية لتحديد بصمة المستودع بدقة وتأكيد المخزون الاستراتيجي والمخزون المؤكد للخامات النووية، مما يعزز النواحي الاقتصادية لعمليات التنقيب والاستخلاص.
وسعياً إلى تقليل التكلفة العالية والوقت الطويل المستغرق أثناء استكشاف الخامات النووية، فقد أرست الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأطر القانونية والبيئية اللازمة لمراحل الاستكشاف خلال بيئة اقتصادية ملائمة.
وعلى الصعيد الدولي، تتجه بعض الدول المصنعة للمفاعلات النووية إلى حل المشكلات المتراكمة الناتجة عن وجود كميات كبيرة من الوقود النووي المستنفد، سواء من خلال دورة الوقود النووي المغلقة أم المفتوحة. ومن هنا تسعى هذه الدول إلى تحديث استراتيجيتها بصورة متكاملة، بدءاً من عمليات الاستكشاف مروراً بابتكار الوسائل التكنولوجية الحديثة للتخلص الآمن من الوقود النووي المستنفد والنفايات المشعة بجميع مستوياتها. واستحدثت بعض الدول المصنعة للتكنولوجيات النووية أجيالا جديدة من مفاعلات الطاقة النووية تستخدم كميات أقل من اليورانيوم بما في ذلك المفاعلات الصغيرة والمتوسطة الحجم، مما يساهم في حل الكثير من المعوقات البيئية المتعلقة بالتخلص الآمن من الوقود النووي المستنفد والنفايات المشعة. وتميزت الدراسات الصينية باستكمال الدراسات البيئية والاقتصادية لأكبر المناجم العالمية، ضمانا لأمن الإمدادات المحلية لمفاعلات الطاقة والمفاعلات البيئية المزمع تشييدها في عام 2050.
وفي ضوء المتغيرات الدولية الحالية والمستقبلية لابد من تجميع الخبرات العربية وتسخيرها للمساهمة في تعظيم الخامات النووية في الدول العربية، وذلك بتحديد إمكانات الدول العربية وما تم إنجازه لوضع خطط وطنية. ويجب العمل على إيجاد حلول تكاملية وآليات للتعاون وتبادل المعرفة ونقل التكنولوجيا بين الدول العربية، علما أن هناك العديد من الخبراء العرب المتخصصين في مجال الاستكشاف والاستخلاص والتنقيب عن العناصر النووية والعناصر الأرضية النادرة باستخدام الطرق التكنولوجية الحديثة. ومن هذا المنطلق؛ كان واجبا على أبناء الدول العربية أن يجتهدوا ويسعوا في هذا المجال حتى تنتقل الدول العربية إلى مصاف الدول المتقدمة.