د.طارق البكري
النشر الإلكتروني لا يقتصر على حاسة البصر فقط، فالقراءة بالعين ليست وحدها سبيل الناشرين إلكترونياً، ودليل ذلك انتشار الكتب المسموعة (audiobooks) بصورة منقطعة النظير على وسائط التواصل المختلفة، ومنها الوسائط السمعية، إضافة إلى اليوتيوب وغيره من الوسائط الإلكترونية.
وربما يحظى النشر السمعي في المستقبل بمزيد من الاهتمام، ولاسيما مع انشغال الناس، وعزوف عدد كبير منهم عن القراءة التقليدية، سواء عن طريق الكتاب الورقي أو الإلكتروني، ما دامت القراءة تتم عن طريق العين.
وتتمتع الكتب المسموعة بتقنيات عالية الجودة يمكن أن تسهل عملية الفهم، ويمكن سماعها في أي مكان، أو عند ممارسة الرياضة، أو قيادة السيارة، أو حتى عند القيام بالأعمال التي لا تتطلب تركيزاً فائقاً، إضافة إلى إمكانية السماع في أي وقت، مثل فترة تناول الغداء، أو الاستراحة، أو في الفترة التي تسبق النوم، حيث يمكن للقارئ بهذه الطريقة أن يستلقي على سريره، ويستمع إليها، دون بذل أي جهد، ودون إزعاج الآخرين.
ولا يخفى ما للسماع من فوائد علمية وثقافية وترفيهية، وتشير مصادر تاريخية إلى أن معظم مدونات الثقافات القديمة كانت تنتقل عبر السماع والرواية، حتى إن التراث الشعري العربي القديم انتقل بمجمله عبر السماع قبل مرحلة التدوين.
ولتحقيق كثير من الأغراض التي ترتبط بالنشر السمعي، تم إنشاء مواقع كثيرة على الإنترنت هدفها توفير كتب صوتية مسموعة، بهدف المساهمة في نشر الثقافة، والنهوض العلمي والأدبي والثقافي دون بذل مجهود كبير، إذ يمكن بكل بساطة ربط أجهزة الهاتف النقال مثلاً أو أي جهاز اتصال بأي موقع من هذه المواقع للاستماع إلى الكتاب الذي يرغب المستمع في سماعه من أن يبذل مجهودا في القراءة التي تتعب العين، وتحتاج إلى توفير مساحة خاصة لها، وإلى حضور ذهني تام.
القراءة بالأذن
ويمكن للقارئ بواسطة الأذن أن يستمع حاليا إلى كتابه المفضل بصوت جميل في كثير من المواقع، من دون تكلفة مالية، علماً أن بعض المواقع تفرض رسوماً بسيطة ربما لا تبلغ سعر كتاب واحد صغير الحجم، وفي ذلك تشجيع كبير على القراءة السمعية، كما يمكن للقارئ السمعي الاشتراك في كثير من المنتديات والمواقع ذات الصلة بسهولة ودون أي تكلفة مالية، والمساهمة بصوته عبر وضع أي كتاب قديم أو جديد، أو حتى من تأليفه.
كما يمكن نقل الموضوعات على المنتديات المختلفة، وتحميل الكتاب المسموع في الهاتف النقال أو الحاسوب أو وضعه على قرص مدمج أو شريط تسجيلي، ثم سماع الكتاب حتى دون الاتصال بشبكة الإنترنت.
وصار بإمكان المشتركين في مواقع التواصل الاجتماعي الانضمام إلى مثل هذه الصفحات. وهذه المواقع باتت اليوم كثيرة جداً ولا يمكن إحصاؤها بسهولة.
ما هو الكتاب المسموع؟
الكتاب المسموع ببساطة هو كل تسجيل صوتي لكتاب يمكن الاستماع إليه عبر الوسائل التقنية المتاحة مهما كان شكلها. ويتضمن كل أنواع الكتب العربية والأجنبية، مع الإشارة إلى أن السماع منتشر أيضاً عبر تسجيل المحاضرات والخطب المختلفة، ولكن النشر هنا مقصود به الكتاب تحديداً، مما يسهل على الإنسان الاطلاع على الكتب بأيسر طريقة ممكنة، ويساعده على التوسع الفكري وصقل شخصيته عبر حاسة السمع. وهو أيضاً يوفر الوقت والمال على كثير من القراء.
والسمع أولى الحواس التي تنمو للإنسان، وعن طريقها يتعلم اللغة أول ما يتعلمها قبل أن يتشكل العالم المرئي بالنسبة له. وهذه الحاسة تعد مدخلاً معرفياً جاداً إذا توافرت لها مادة جيدة. وقد أصبح توافر أرشيف بعض القنوات الإذاعية والفضائية مخزناً ضخماً على الإنترنت، غير أن هذا المخزون يظل قليلاً في المجالات الثقافية المنظمة، ويقصد بذلك الكتب المختلفة كما هي في الكتب الأصلية دون اختصار أو تصرف.
وكثير من المواقع العربية باتت تعتمد هذا النمط من الكتب، منها على سبيل المثال موقع (الوراق) الشهير، كما أنَّ هناك موقعاً تحت عنوان (الكتاب المسموع). www.audiobookar.com وهناك مدونات كثيرة متخصصة بذلك، ومنها مدونة (الكتاب العربي المسموع) www. arabicaudiobook.blogspot.com التي ذكر في صفحتها الأولى أنها «إحدى مدونات نهضة العرب، وهي تهتم بالكتاب العربي المسموع». فضلاً عن أن بعض المواقع المتخصصة نشرت مثل هذا النوع من الكتب، مثل موقع (الراي نيوز) www.alranews.com وموقع (الكتب للجميع) www.books4all.netحيث نجد عدداً كبيراً من الكتب المهمة.
وتدهشنا فعلاً كمية الكتب المسموعة بشكل عالي الجودة والدقة مع حسن التعبير واللغة الجميلة ومخارج الحروف المتقنة. ويقول أحد هذه المواقع إن %70 من رواده مهتمون بهذا النوع من الكتب. فيما نجد العديد من المواقع الفكرية والفلسفية والإخبارية التي باتت تعتمد على الكتاب المسموع.
مشروعات رائدة
ومن المشروعات الرائدة في هذا المجال مشروع المجمع الثقافي في أبو ظبي بعنوان (الكتاب المسموع)، حيث سجلت عشرات من الكتب والدواوين في البداية على أشرطة كاسيت. وهناك موقع (الوراق) المتخصص بهذا النوع من النشر.
وهناك أيضاً شركات تخصصت في الكتاب المسموع منها مثلاً شركة مسموع www. masmoo3.comالتي تعتبر نفسها أول شركة عربية متخصصة في إنتاج الكتب الصوتية الرقمية العربية. وهي تهدف إلى تقديم كتب صوتية رقمية على الإنترنت والهاتف النقال من أجل الوصول إليها بسهولة ويسر. وتسعى شركة (مسموع) بذلك إلى توفير المعرفة على مستوى جيد، وجعل الاستماع إلى الكتب تجربة مفيدة وممتعة.
الكتب الصوتية
وتشكل الكتب الصوتية امتداداً لطرق نشر المعرفة التقليدية، وتستهدف شريحة أوسع من المتلقين معظمهم ليسوا من قراء الكتب النصية المطبوعة أو الإلكترونية. لذا فإنَّ التفكير في إنتاج ونشر الكتب الصوتية تفكير إيجابي لكل صاحب كتاب أو نص مطبوع يريد له الرواج والنجاح دون أن يخسر من قيمته المعنوية وأهمية نسخته المطبوعة لمحبي القراءة.
وتتطلع المواقع ذات العلاقة إلى بناء مكتبات صوتية رقمية فريدة ومتميزة خلال الأعوام المقبلة، لتوفير مئات الألوف من الكتب الصوتية باللغة العربية. وتقول بعض تلك المواقع إنها «ستعمل على جعل الاستماع إلى المحتوى الصوتي تجربة مثيرة ومفيدة للناطقين باللغة العربية، وستقدم لهم فرصة للاطلاع على المعرفة والترفيه الموجودين في الكتب المطبوعة التي لا يقرؤونها أو لا يجدون فرصة لقراءتها».
النشر الرقمي الصوتي
ولزيادة رقعة انتشار الكتب الصوتية الرقمية، ولحمايتها من إعادة النسخ والقرصنة، تقوم بعض المواقع بالنشر عبر وسائل الاتصالات الرقمية والإنترنت عن طريق تطبيقات الهواتف النقالة المتصلة بالمستودعات الرقمية لشركات صناعة أجهزة وأنظمة الهواتف النقالة، مثل(Nokia , Android, Apple) وعن طريق المواقع العالمية لنشر الكتب الصوتية والشركات المشغلة لشبكات الإنترنت.
وتسعى المواقع العربية المتميزة إلى بناء كادر مهني محترف يتميز بتنوعه وجدارته، ليضم مجموعة من القراء والرواة، يخضعون لاختبارات صوتية أدائية دقيقة ومتميزة، ويتمتعــــون بمواهب صوتية جميلة وأداء محترف. كما تسعى إلى تطــــوير أداء القراء والرواة من خلال دورات تدريبـــــية، وورش عمل متخصصة في القراءة التعبيرية، والأداء التقمصي والروائي.
وتضم تلك المواقع أيضاً عدداً من المتخصصين باللغة العربية، للعمل على تدقيق النصوص وتشكيلها، لإخراج مادة صحيحة قدر المستطاع، خالية من الأخطاء. كما تضم كوادر هندسة صوتية تعمل على صناعة مادة صوتية مميزة ونظيفة وممتعة، لتكون أكثر سلاسة وانسياباً في الآذان العربية.
ولا شك أن تجربة الكتاب المسموع تجربة ثرية ورائدة، وتعتبر منافسة للكتاب التقليدي، سواء الورقي أو عبر شاشة الحاسوب أو أي شاشة أخرى، نظرا لما يوفره هذا الكتاب من سهولة في الاستخدام وبساطة في التلقي.