د. نجلاء محمد سويف
صيدلانية وباحثة في التغذية العلاجية والطب البديل (مصر)
يوما بعد آخر يتحفنا الطب البديل بأنواع جديدة تسهم في تعزيز دوره إلى جانب الطب التقليدي الحديث الذي يعتمد في العلاج على الأدوية والعقاقير الكيميائية. ومن تلك الأنواع الكيروبراكتيك Chiropractic الذي يهتم بتشخيص ومعالجة الاضطرابات الميكانيكية للجهاز العضلي الهيكلي. وتعتمد فكرته على علاج الألم بطريقة يدوية دون اللجوء إلى استعمال الجراحة أو الأدوية.
ويعتمد الكيروبراكتيك على استخدام التحريك اليدوي للفقرات والمفاصل بصورةٍ دقيقة وآمنة بسرعةٍ معينة، واتجاه معين، لذا يعرّفه البعض بالعلاج بالطقطقة. وهذه الحركة اليدوية تستعيد الحركة الطبيعية للفقرات والمفاصل؛ إذ تعمل على تنشيط التوصيل العصبي للجسم وتحافظ على سلامة الجهاز العصبي الذي يسيطر على جميع وظائف الجسم. فالكيروبراكتيك يهتم بالعلاقة الميكانيكية بين العظام وبين الأعصاب والعضلات والأوعية الدموية، وتأثير هذه العلاقة في صحة الإنسان وتحقيق النشاط الفسيولوجي الأمثل لجسمه. واشتق مصطلح الكيروبراكتيك من الكلمة اليونانية كيروبراكتيكوس Cheirprakticos، وهي مكوّنة من مقطعين؛ المقطع الأول cheirويعني اليد، والمقطع الثاني practices ومعناه الاستخدام الماهر، فيصبح معنى الكلمة مكتملةً الاستخدام الماهر للأيدي أو الممارسة باليد.
مسيرة تاريخية
يرجع العلماء كل أنواع الطب البديل إلى قارة آسيا لاسيما الصين والهند، ويرجّح المؤرّخون أنّ أول منْ استخدم اليدين لتقليل آلام الجسم هم المصريون القدماء، ثم الصينيون، ثم اليونانيون القدماء، ثم العرب. وبدأ ظهور الكيروبراكتيك كعلاجٍ بديل عام1895م على يد الكندي الأمريكي دانيال ديفيد بالمر Daniel David Palmer (1845-1913)، الذي اهتم بهذا النوع من الطب البديل ووضع فيه نظريات كثيرة، وكان له فلسفة طبية خاصة مضمونها : “يجب أنْ تصحّح فقرات العمود الفقري من أجل أنْ يحقّق الناس مفهوم الصحة السليمة والمداومة عليها”.
وثمة صلة بين الكيروبراكتيك وعلاج العظام وتجبير الكسور الذي برع فيه الطبيب ابن سينا، وكان أوّل منْ قدّم شرحا تفصيليا عن كسور العظام وكيفيّة تجبيرها وهي طرائق لا تزال متّبعة حتى اليوم. وعرف الطب العربي تشخيص الكسور وعلاجها، واستخدام الجبائر والأربطة والضمادات.
الانتشار والمبدأ
في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي بدأ الكيروبراكتيك بالانتشار بصورةٍ كبيرة، وأصبح يدرّس في الولايات المتحدة الأمريكية، وأنشئت أول كلية له في ديفونبورت عام 1911، وعرفت باسم كلية بالمر نسبة إلى الدكتور بالمر مؤسّس الكيروبراكتيك. ثم توالى إنشاء الكليات التي تدرّس هذا العلم حتى بلغ عددها حاليا 17 كلية.
ولا يستطيع المتخصّص أنْ يحصل على درجة علمية في هذا التخصّص إلا بعد أنْ يدرس جميع أجزاء الجسم البشري والتخصصات الطبية المرتبطة به لكي يستطيع تشخيص الحالة والتعامل معها علاجيا. وهناك مستشفيات في الولايات المتحدة متخصصة في العلاج بالكيروبراكتيك. ثم انتشر هذا النوع في إنجلترا وفرنسا وأستراليا وكندا واليابان، وبدأ حديثا ينتشر في البلدان العربية.
وتكمن فكرة الكيروبراكتيك في دوره في تصحيح أي علاقة غير طبيعية بين أجزاء الجسم، وذلك يجعل الجسم أكثر استعدادا لاستخدام قدراته الذاتية لأداء وظائفه بطريقة سليمة، كما يجعله أكثر مقاومة للأمراض. ومن المعروف أنّ المرض عموما ينتج عند حدوث إثارة داخلية أو خارجية للجسم مثل الإثارة الميكانيكية أو الحرارية أو الكيميائية أو الفيروسية. وهذه الإثارة تجعل وظائف الجسم غير طبيعية وتجعل الجسم أقل قدرة على التكيّف مع الضغوط والمؤثّرات.
وهنا يكمن دور الكيروبراكتيك في استعادة التوصيل العصبي السليم بين المخ والحبل الشوكي وبين جميع أعضاء الجسم؛ إذ إنّ الجهاز العصبي هو الجهاز الرئيسي المتحكم في جميع أجزاء الجسم، لذا فإنّ التوصيل العصبي السليم يؤثر في جميع أعضاء الجسم من حيث أداء وظائفها بصورة سليمة، ومن ثم إلى تقليل الألم والضغط الواقع على الأعصاب ويزيد مجال الحركة، فتتحسن معه وظيفة العضلات والأعضاء.
تطبيقات علاجية
يعتبر الكيروبراكتيك حلا مناسبا للكثير من الأمراض والآلام العضلية والعصبية، ومنها الاضطرابات الوظيفية في العمود الفقري، والآلام الناتجة عن أمراض الغضروف العنقي، وآلام الفقرات الصدرية الحادة والمزمنة، وآلام الفقرات القطنية أسفل الظهر، وآلام الظهر والحوض والرجلين والعنق، والرأس والكتفين، وآلام المفاصل. كما أنّه يساعد على علاج الأشخاص الذين يتعرضون لحادث سير أو إجهادٍ شديد نتيجة لنشاطٍ رياضي أو عملٍ حاد، إضافة إلى مساعدته على علاج الصداع النصفي والدوخة، وفقدان الإحساس، وتنميل الأطراف.
ويسهم الكيروبراكتيك في تعزيز صحة المرأة؛ إذ يساعد على إدارة آلام الجهاز العضلي الهيكلي للمرأة أثناء الحمل وبعد الولادة، والتي تنتج عن التغيرات الهرمونية في جسمها؛ حيث تصبح منطقة الحوض مركزا للتغيّرات المتسارعة بسبب انتفاخ البطن بالجنين مما يؤدّي إلى حدوث ضغط على العضلات ويتسبب في بعض الآلام في المفاصل العجزية الحرقفية أسفل الظهر، كما يؤدي إلى ارتخاء أربطة الحوض. ويساعد الكيروبراكتيك على تخفيف هذه الآلام من خلال المحافظة على التوافق السليم وتوازن الحوض، وضبط العمود الفقري.
ويتمثل بروتوكول العلاج بالكيروبراكتيك بعددٍ من الخطوات أولاها مقابلة المريض لمعرفة أسباب المشكلة وتاريخ الإصابة وتطوّرها. بعدها يجرى الفحص السريري الدقيق لتشخيص الحالة وتقييم وضع العمود الفقري، ويكون فحص المريض في أربعة أوضاع هي الوقوف والجلوس والاستلقاء على الظهر والبطن، ثم تفحص العظام والأعصاب والأربطة والأنسجة والجهاز العظمي للجسم باستخدام الأشعة السينية من أجل تحديد موضع الألم والتأكد من درجة تحمّل المريض وقابليته لهذا النوع من العلاج. بعد ذلك تبدأ جلسات العلاج، ولا يعطى أي عقار أو دواء عدا بعض المكملات الغذائية أو الفيتامينات الطبيعية. وهو ما يجعل العلاج بالكيروبراكتيك آمنا، باعتبار أن للأدوية أحيانا أضرارا جانبية.
وثمة توجه عالمي نحو الحد من الإفراط في استخدام الأدوية مع ارتفاع تكلفتها، والاستفادة القصوى من الطب البديل، باعتباره أيسر وأسهل في استخداما وأكثر أمانا.