العلوم الطبيعية

الكربون الأزرق وتغيــــر المنــــاخ

محمد المندعي

إن الانبعاثات المتزايدة من ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن التوسع الكبير في حرق أنواع الوقود الأحفوري وإزالة الغابات وحرقها وإزالة الغطاء النباتي الطبيعي, إضافة إلى تدهور الأنظمة البيئية الساحلية البحرية التي تكون بمنزلة مصارف للكربون الطبيعي هي التي تسبب التغيرات غير المسبوقة في المناخ؛ فقد ارتفع متوسط تركيز ثاني أكسيد الكربون إلى 398.78 جزء في المليون في ديسمبر 2014, وهو أعلى مستوى وصل إليه منذ 800 ألف سنة, وأكثر من %42 من تركيز CO2 قبل الثورة الصناعية, حيث ظلت مستويات CO2 ثابتة إلى حد ما عند مستوى 280 جزءاً في المليون تقريباً لمدة ألف سنة قبل عام 1800 للميلاد.

ومنذ ذلك الحين ومع التطور الحقيقي للتصنيع بدأت التركيزات الجوية لــCO2 في الارتفاع. وتشير تقديرات الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ إلى أنه بحلول عام 2050 يجب أن تنخفض انبعاثات CO2 العالمية بنسبة %85 عن المستويات التي كانت موجودة عام 2000؛ لمنع زيادة متوسط درجة الحرارة العالمية درجتين مئويتين, فالمعالجة كانت تعتمد على آلية تخفيض الانبعاثات فقط, والتي يمكن من خلالها تقليل تركيزات CO2.لكن النهج الأكثر حداثة يجمع بين خفض المصادر البشرية من CO2 (التخفيف) مع دعم امتصاصه وتخزينه من خلال الحفاظ على النظم البيئية الطبيعية، وخصوصاً الموائل البحرية الساحلية والتي تعرف بالكربون الأزرق Blue Carbon.

الكربون الأزرق
يعد الكربون الأزرق إحدى الأفكار الواعدة للحد من انبعاث CO2 في الغلاف الجوي, وهو عبارة عن الكربون الذي يمتص ويخزن من قبل الأنظمة البيئية الساحلية البحرية (المستنقعات المالحة المدجزرية Tidal Salt Marshe, وأشجار المانغروف Mangroves, ومروج الحشائش البحرية Seagrass Meadows), فهذه الأنظمة تؤدي دورين مهمين:
أولاً: عــــــــزل الكـــــربون Carbon Sequestration، وهي عملية استخلاص CO2 من الغلاف الجوي والذي يدخل في عملية التركيب الضوئي.
– ثانياً: تخزين الكربونCarbon Storage، وهو حجز أو حبس الكربون على المدى الطويل في المواد النباتية والرواسب عن طريق الأوراق والأغصان والجذور الميتة المحتوية على الكربون والتي تكون مدفونة في التربة, وهذا التخزين يمتد لآلاف السنين.
فهذه النظم فعالة جداً في امتصاص وتخزين الكربون بمعدلات أعلى بكثير لكل وحدة مساحة مساوية من الغابات الأرضية. و على الرغم من أن أشجار المانغروف ومروج الحشائش البحرية والمستنقعات المالحة المدجزرية تمثل مساحة أصغر بكثير من الغابات الأرضية فإن مساهمتها الإجمالية في تخزين الكربون أعلى من النظم البيئية الأرضية، فإجمالي دفن الكربون العالمي في أشجار المانغروف يراوح بين 34-31 تيراغرام كربون/سنة (تيرا غرام=1012غراماً), وما بين 87-5 تيراغرام كربون/سنة في المستنقعات المالحة المدجزرية, وما بين 112-48 تيراغرام كربون/سنة في الحشائش البحرية مقارنة بمعدلات دفن الكربون العالمي في الغابات الأرضية, فهو في الغابات المعتدلة 53 تيراغرام كربون/سنة, و78.5 تيراغرام كربون/سنة في الغابات الاستوائية, و49.3 تيراغرام كربون/سنة في غابات القطب الشمالي. والكربون يرسب تراكمياً ضمن الأنظمة البيئية الساحلية والبحرية، ويكون مخزناً سواء فوق الأرض في الكتلة الحيوية للنباتات (جذوع الأشجار, السيقان، الأوراق) أو أسفل الأرض في الكتلة الحيوية للنباتات (الجذور) وكذلك التربة.
ففي أنظمة أشجار المانغروف فإن ما بين %50 و%90 من الكربون الكلي المخزن يكون في التربة، وفي أنظمة المستنقعات المالحة المدجزرية والحشائش البحرية يكون %90 إلى 99% من الكربون الكلي المخزن موجودا في التربة, والباقي في الكتلة الحيوية, مثل النبات الخشبي. ويرسب الكربون على أعماق قد تبلغ ستة أمتار. كما أن هذه النظم لا تتشبع بالكربون سريعاً, خلافا للنظم الأرضية التي تتشبع بالكربون في وقت قصير.

سبب التخزين
1 – يرجع تخزين هذه الأنظمة كميات كبيرة من الكربون لسببين رئيسيين:
2 – هذه النباتات تنمو كثيراً كل سنة, وبالتالي تستخلص وتلتقط كميات كبيرة من CO2.
تربة هذه النباتات تكون لاهوائية (من دون أكسجين) لذلك يتحد الكربون مع التربة، ويكون تحلله بطيئاً جداً. فمعظم الأراضي الرطبة الساحلية عادة ما تكون فيها طبقة رقيقة في التربة هي المؤكسدة فوق الماء, ولكن بقية التربة تكون مغمورة تحت الماء, والأكسجين ينتشر ببطء شديد خلال الماء, ومن ثم فإن التربة الرطبة المشبعة بالماء في هذه الموائل الرطبة تميل إلى أن تكون قليلة أو عديمة الأكسجين.

أشجار المانغروف
هي نوع من الغابات الاستوائية توجد على حافات البحار والمحيطات وتغمر بالماء بشكل منتظم بواسطة مياه المد والجزر. وأشجار المانغروف هي من بين أكثر الغابات الغنية بالكربون في المناطق المدارية. وتشير التقديرات إلى أن مساحتها 152361كم مربع تقريباً, وقدرت دراسات حديثة متوسط معدل دفنها للكربون بنحو 226 غراماً في المتر المربع سنوياً.
وهذه المعدلات أكبر من متوسط المعدلات العالمية المرصودة في الغابات الأرضية والتي تقدر بـ(5.1-4 غرام كربون/متر مربع/سنة), فأشجار المانغروف تقدم منافع بما لا يقل عن 1.6 مليار دولار كل سنة من نظامها البيئي, والتي تشمل دعم المصايد من خلال توفير مناطق التكاثر المهمة للأسماك التجارية, وتصفية المياه من الملوثات, وحماية السواحل من الفيضانات والعواصف وتنمية المجتمعات الساحلية وحمايتها.
وفي ال50 سنة الأخيرة فإن ما بين 30و%50 من أشجار المانغروف فقدت عالمياً, وما زالت تفقد بمعدل 2 % سنوياً. والأسباب الرئيسية لتدمير أشجار المانغروف هي إزالتها لبناء برك تربية الأحياء المائية, وغيرها من أشكال التنمية الساحلية غير المستدامة. ويقدر الخبراء أن انبعاثات الكربون من تدهور أشجار المانغروف يمكن أن تبلغ %10 من إجمالي الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات على مستوى العالم على الرغم من أن أشجار المانغروف تمثل %0.7 فقط من مساحة الغابات الاستوائية.

belowarticlecontent
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى