الطب وصحة

الـمـدارس الـصـديـقـة لـطـفـل الـدســلـكـســيـا

- التعسُّر القرائي ليس له علاقة بالتخلف العقلي؛ إذ إن ذكاء المُتعسِّر يكون عاديـًا، بل ربما مُرتفعـًا جدًا، و هو غالبـًا ما يكون موهوبــًا أو مُبدعـًا في مجال أو أكثر

فاطمة بقشيش
كاتبة علمية واختصاصية في التربية وعلم النفس، (مصر)

مع تزايد نِسبة المُتعسرين قرائيــًا في معظم أنحاء العالم، ومُغادرة كثير منهم المدارس لعدم وجود منظومة تعليمية قادرة على استيعابهم وإدماجهم إدماجــًا حقيقيــًا مع أقرانهم، ازداد الاهتمام بهذا الموضوع الذي اصطلح عليه عُلماء التربية والاجتماع بالدسلكسيا Dyslexia. وأظهرت نتائج أبحاث حديثة أن أطفال الدسلكسيا يُشكلون نِسبة كبيرة من ظاهرة “التسرُّب المدرسي”، ومن ثم فإنهم يشكلون عبئا كبيرا على الأسر والمجتمعات، ويمثلون مشكلة اجتماعية واقتصادية ينبغي متابعتها باهتمام بالغ لإيجاد الحلول المناسبة لها.

مـعـايـيـر الـمـدارس الـصـديـقـة

كان عالم التربية البريطاني نيل مكاي  Neil McKay أوَّل من أشار إلى أهميَّة أن تكون المدرسة صديقة لطفل الدسلكسيا. وفي عام 1997 ظهرت في لندن أوَّل تجربة فِعليَّة لمدرسة من هذا النوع، ولم تكن مدرسة بمواصفات إنشائية خاصة، وإنما مدرسة عادية عُدلت مُمارساتها وسياساتها لتوائم احتياجات المُتعسِّرين قرائيــًا تلبية لعاملين أساسين، هُما:

ــ تبيَّن أن عدد أطفال الدسلكسيا، مُقارنة بالأطفال العاديين، يُعد كبيرًا نسبيـًا؛ فهو يتجاوز 7 % في المرحلة الابتدائية في معظم دِول العالم، وهذا يعني أن بناء مدراس مُتخصصة لهذه الفئة أمر مُكلِّف وليس عمليــًا.

ــ إن المدرسة الصديقة لطفل الدسلكسيا تسعى إلى تطبيق مبدأ”الدمج”، أي دمج هذه الفئة المُتعسِّرة قرائيــًا ضِمن مراحل التعليم العام، داخل الفصل العادي.

 ولكي تكون المدرسة صديقة حقــًا لطفل الدسلكسيا لامناص من إجراء مُراجعة شاملة للسياسات الكُلِّية لها، لاسيما فيما يتعلَّق بعمليات التدريس والتعلُّم والمُراقبة والتشخيص، ومُحاولة الدمج قدر الإمكان، مع ضرورة التواصل مع أولياء الأمور، ومُعاملتهم كشُركاء في العمليَّة التعليمية. وفي إطار ما حققته التجربة البريطانية في إنشاء المدارس الصديقة لطفل الدسلكسيا، وما خلصت إليه نتائج أبحاث ودراسات حديثة فإنه لكي تُصنَّف المدرسة صديقة لطفل الدسلكسيا يجب أن تلتزم بأربعة معايير أساسية، هي:

  أوَّلاً – على مُستوى الإدارة والقيادة المدرسية:

  ــ أن تحتوي خِطة تطوير المدرسة على أهداف واضحة مُعزِزة لصداقة هذه الفئة، على أن توضَّح في هذه الخِطَّة، طُرق المُراقبة والتقويم وِفق نهج تربوي ونفسي سليم.

  ــ أن تشتمِل الخِطَّة على إرشادات واضحة، تُلبِّي احتياجات هذه الفئة ضِمن وثائق المدرسة وسياساتها.

  ــ على العاملين في المدرسة تعزيز المُمارسات التي من شأنها إعانة هذه الفئة وعدم إحباطها.

  ــ تشجيع أولياء الأمور، ومجلس الآباء، على المُشاركة في العمليَّة التعليميَّة، والتدريب المُستمر.

  ثانيــًا – على مُستوى التعليم والتعلُّم:

  ــ إدراك مدى الصعوبات التي يواجهها طفل الدسلكسيا في الوقت المُناسب، والتعرُّف على مكامن القوَّة لديه، ومن ثم التوجُّه نحو أنماط التعليم الصحيحة التي تتناسب مع شخصيته وتترك أثرًا إيجابيــًا لديه.

  ــ إعداد اختبارات دورية للكشف عن مدى التقدُّم الذي تحقق، وتصميم أداة يُمكِن من خِلالها إدراك مُستوى القراءة والتهجئة وِفق الضرورة.

  ــ تكون برامج التعلّم مُلائمة ومُتضمِّنة تدخُّلاً علاجيـًا، مع ضرورة التثبُّت من وجود أدلَّة واضحة على وضع تحدِّيات تعليمية مُلائمة لأطفال المدرسة.

  ــ يُفضَّل أن يكون عمل الأطفال ضِمن مجموعات مُختلِفة (جماعات ذات قُدرات قرائية مُتفاوتة)، مع الأخذ في الاعتبار القُدرات المعرفيَّة لهم، في أي نظام تعليمي.

  ــ

  ثالثــًا – على مُستوى المنهج وبيئة التعلم:

  ــ توزيع جلوس الأطفال في الصف على نحو جيِّد، بمُراعاة مصادر الإضاءة الطبيعية والصناعية، وموقع مصادر التعلَّم.

  ــ استخدام تكنولوجيا الحاسوب لدعم التعلُّم، حيث يُمكِن تعديل توجُّه الشاشة، وحجم الخط عند الحاجة.

  ــ توفير مجموعة مُناسبة من المصادر التي تدعم نشاط طفل الدسلكسيا، مِثل الحُروف المُمغنطة والألعاب التعليميَّة، التي تُنمِّي مهارات القراءة والكتابة.

  ــ توفير بيئة تعليمية خالية من التوتُّر، واتخاذ تدابير فعَّالة لمنع المُضايقات.

  رابعــًا – على مُستوى الشراكة والتواصل مع أولياء الأمور:

  ــ استحداث قنوات اتصال فعَّالة مع أولياء الأمور لكي يكونوا على دراية بماهية الدسلكسيا، وأسس التدريس، ودعم المدارس الصديقة لأطفالهم.

ــ تعزيز الشراكة بين المدرسة وأولياء الأمور، بما يُسِهم في جعل عمليَّة التعلُّم أكثر فاعلية، ومُستمرَّة ما بين المدرسة والمنزل.

  ــ تشجيع أولياء الأمور على إظهار مصادر قلقهم وقت حدوثها، ومن ثم مُشاركتهم في تبديد هذه المخاوف على أرض الواقع.

  ــ تشجيع أطفالهم على أداء الواجبات المدرسية في إطار خِطَّة عمل تلتزم بوقت مُعيَّن يُفضَّل الالتزام بها وتقييم نتائجها، ومن ثم إمكانية التعديل فيها، بحسب مدى ما تحقق فِعليــًا.

دلــيــل الــمُــعــلِّــمــيــن

إن المسؤولية الكبرى في جعل المدرسة صديقة لطفل الدسلكسيا تقع على عاتق المُعلِّمين؛ لأنهم الأقرب إليه والأكثر تأثيرًا في توجُّهاته وتراكُم خبراته القرائية والكتابية. ويجب تدريب المُعلِّمين لكي يتعاملوا بشكل صحيح مع هذا الطفل الذي هو في أشد الاحتياج لمن يفهمه ويدعمه ويأخذ بيده. ويمكن للمعلم أن يضع استراتيجية تعليم وتعلُّم مُتعددة الحواس عند تعامله مع طفل الدسلكسيا، إذ أظهرت نتائج دراسات كثيرة أن التعلُّم مُتعدد الحواس (سمعي – بصري – حركي/حسِّي) هو أكثر الطرق فاعلية في تدريس الأطفال الذين يواجهون تعسُّرًا قرائيـًا، فهو يُساعدهم على استخدام أكثر من حاسة.

  ومما يُنصَح به المُعلِّمون الذين يواجهون مُشكلة الدسلكسيا لدى تلاميذهم:

  ــ الاستعانة ببعض مصادر التعلُّم المُصممة للأطفال ذوي العُسر القرائي.

  ــ ترك فُرصة للأطفال لتطوير بطاقات الكلمات، أو كُرَّاسات المُفردات الخاصة بهم، حتى يتمكَّنوا من التدريب بشكل ذاتي، على الكلمات الجديدة الصعبة.

  ــ التحدث معهم دائمــًا عن الحروف والكلمات والقصص التي تثري المُفردات، لمُضاعفة اهتمامهم بالكلمة والكتاب.

  ــ استخدام التقنيات المُعينة على التدريس، مثل الحاسوب، لتسهيل المُعالجة الفرديَّة في العمل.

  • اكتشاف أنماط التعلُّم الفرديَّة المُختلفة لكُل طفل، وتشجيعه على استخدام نقاط قوَّته، مع العمل على تحسين نقاط الضعف، من خِلال فهم واستخدام أساليب التعلُّم المُعينة على ذلك.

  ــ إعطاء الطفل فُرصة لمُمارسة المهارة الواحدة عِدة مرَّات، حتى يصل إلى مُستوى الإتقان.

إن التوجُّه نحو مدرسة صديقة لطفل الدسلكسيا هو توجه مُثمر في تطوير المنظومة التعليمية، وقُدرتها على استيعاب ودمج هذه الفئة في مرحلة التعليم الأساسي، ويُساعد على الحد من ظاهرة “التسرُّب المدرسي”. ولكي تتحقق نتائج جيِّدة على صعيد دمج هؤلاء الأطفال، لا مناص من تعديل المُمارسات والسياسات التعليمية في المدارس بما يُلبِّي احتياجاتهم في القراءة والكتابة، التي تُمثل نقاط الضعف لديهم، وتشجيعهم على تنمية مواهبهم وقُدراتهم المميَّزة في المجالات الأُخرى.

الـتـعـريـف والأســبـاب

استخدم العالم الفرنسي رودولف بيرلين Rudolf Berlin مُصطلح الدسلكسيا للمرة الأولى عام 1872. وهو مأخوذ من كلمة يونانية قديمة ذات مقطعين، الأوَّل DYS، ويعني”صعوبة”، والثاني LEXIA، ويعني الكلمة المقروءة. وعلى الرغم من ذيوع هذا المُصطلَح فإن عُلماء آخرين استخدموا بدلا منه مُصطلَح “العمى الكلامي”، أو “العمى الكلامي الخلقي”.

 والتعسُّر القرائي ليس له علاقة بالتخلف العقلي؛ إذ إن ذكاء المُتعسِّر يكون عاديـًا، بل وربما يكون مُرتفعـًا جدًا. والطالب المتعسر في القراءة، غالبـًا ما يكون موهوبــًا أو مُبدعـًا في مجال أو أكثر، كأن يكون رسَّامـًا، أو حِرفيــًا ماهرًا، أو مُخترعــًا. ومن ثم يُطلَق على الدسلكسيا في كثير من الأحيان “الإعاقة المُتخفِّية”Hidden Handicap .

وثمة مظاهر تبدو واضحة على طِفل الدسلكسيا، يُمكِن للمُعلِّم التعرُّف عليه من خِلالها، أبرزها:

ــ يخلط بين الحروف المُتشابهة في الشكل، مِثل (ب ــ ت ــ ث).

ــ يخلط بين الحروف ذات المخارج المُتشابهة، مِثل (ت ــ ط).

ــ يحذف بعض الحروف، ويُضيف أُخرى، كأن يقول”والد”، بدلا من”ولد”.

ــ قد يقلب مواضع الحروف في الكلمة، تقديمــًا أو تأخيرًا.

ــ قد يحذف مقطعا كاملا من الكلمة، كأن يقرأ “المنزل”، بدلاً من “المنازل”.

ــ يُعيد قراءة بعض الكلمات أكثر من مرَّة من دون مُبرر.

ــ يرتبك عند الانتقال من نهاية السطر إلى بداية السطر الذي يليه أثناء القراءة.

 إضافة إلى ذلك، ثمة مظاهر أُخرى مُصاحبة، منها: رداءة الخط، والخروج عن السطر عند الكتابة، وعدم تناسق الحُروف شكلاً وحجمـًا، والخلط بين اليمين والشمال.

  وأظهرت أبحاث وتجارب أجراها باحثون على مدار العقود الماضية وجود نمطين للدسلكسيا: الأوَّل “النمط اللغوي السمعي”، الذي يتَّسم بعدم القُدرة على التمييز بين الوحدات الصوتية للكلام، وعجز لاحق لتعلُّم العلاقات بين شكل الحرف وصوته في الكلمة. والثاني هو “النمط البصري المكاني”، حيث يبدو على الطفل الذي يُعاني الدسلكسيا البصرية، أنه يتمتَّع بتطوُّر لغوي طبيعي غير أنه غير قادر على تعلُّم المُتطلَّبات الأساسية المكانية لاكتساب مهارات القراءة.

  ويرى العُلماء أن التشخيص الجيِّد لحالة الدسلكسيا، وفي وقت مُبكِر، أساس العلاج الجيِّد، وأن أخطر ما يُزيد من مُعاناة طفل الدسلكسيا اتباع أساليب تربويَّة خاطئة في تدريس القراءة، لا تُراعي الفروق الفرديَّة بين الأطفال، والتغيير المُفاجئ للمُعلِّم، والكثافة العددية في الصفوف.

belowarticlecontent
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى