د. موفق فاخوري
استشاري في أمراض الأطفال (سوريا)
تعد السمنة عند الأطفال أحد أهم الاضطرابات التغذوية التي شهدت انتشار كبيرا، مما جعلها في مقدمة المشكلات التي أضحت معالجتها على صعيد الصحة العامة أمرا ملحا وأساسيا. ويعد الطفل بدينا إذا كان مشعر الكتلة الجسدية BMI (الوزن بالكيلوغرام مقسوما على مربع الطول بالمتر) لديه أعلى أو يساوي الخط المئوي 95 على مخطط النمو المناسب للعمر والجنس، ويعد زائد الوزن إذا كان بين 85 و95، وهو معرض لخطر المَراضة المرتبطة بالسمنة. وتترافق السمنة مع خطر حدوث مضاعفات في الطفولة وزيادة المراضة والوفيات في حياة مابعد الطفولة. وقد شهد معدل انتشار السمنة ازديادا بنحو ثلاثة أضعاف خلال العقود الأربعة الماضية.
عوامل وراثية وغذائية ونفسية
تعد السمنة عند الأطفال من الأمراض متعددة العوامل، إذ تتداخل فيها العوامل الغذائية والوراثية والنفسية وغيرها، وهي تعكس التفاعلات المعقدة بين الخلفية الوراثية والمنبهات المحيطية والعمليات التطورية.
ومن أهم الأسباب الغذائية زيادة الوارد الغذائي مع نقص الاستقلاب الحروري، والميل إلى الإفراط في تناول النشويات والمواد السكرية والدسمة. ولقلة ممارسة الأنشطة الرياضية وقضاء الكثير من الوقت في الأنشطة الثابتة ( التلفاز وغيره) دور في عدم حرق الأطفال للكثير من السعرات الحرارية، لاسيما بعد أن أصبح الخمول وقلة الحركة من سمات الحياة العصرية.
وللأسباب الوراثية دور مهم في انتشار السمنة لدى الأطفال، فالطفل الذي يكون أحد والديه بدينا يزداد احتمال نسبة بدانته بنحو 40 %، وإذا كان كلا الوالدين بدينا تزداد النسبة لتصبح 80% . وأظهرت نتائج دراسات عدة أن لتفضيل الطفل تناول بعض أصناف الطعام، كالدهون مثلا، سببا وراثيا يتعلق ببعض الجينات. ويلاحظ أن البدانة عائلية في ما بين 55 إلى 60 % من بدانة الأطفال غير أن تأثير العامل الوراثي الفعلي بالجينات لايتجاوز 10 % من أصل المشكلة.
وتم تحديد مجموعة عيوب في الجينات لها صلة بالسمنة، مثل وجود خلل في جين الليبتين ومستقبلاته، ووجود طفرة في جين FTO على الكروموسومات 16، ووجود طفرات في جين مستقبلات الميلانوكورتين4. كما أن البدانة سمة من سمات العديد من المتلازمات الوراثية مثل برادر ويلي وباريت بيدل. ومازال العلماء يحاولون فهم الآلية الدقيقة التي من خلالها تسبب هذه التغييرات الجينية حدوث السمنة.
أسباب غدية وعصبية
وثمة أسباب غدية للسمنة عند الأطفال، مثل قصور الدرق، وفرط الغدة الكظرية، وخلل إفراز هرمونات الإحساس بالشبع، ونقص هرمون الليبتين أو مستقبلاته في مركز الشبع بالجهاز العصبي المركزي. أما الأسباب النفسية العصبية، فأهمها تناول الطعام بكميات كبيرة كرد فعل لدى المصابين ببعض الأمراض العصبية النفسية، والحالة النفسية للوالدين وبخاصة الأم وسلوكها الغذائي، كما أن بعض الأدوية قد تؤدي إلى سمنة تزول مع التوقف عن تناول الدواء.
أثر الاختلاطات
إضافة إلى ذلك قد تحدث السمنة لدى الأطفال جملة من الاختلاطات تؤثر في حالة الشخص البدنية والاجتماعية والعاطفية، منها ارتفاع التوتر الشرياني، وخلل شحوم الدم، والداء السكري من النوع الثاني، والمتلازمة الاستقلابية، إضافة إلى الحالة العصبية كالشقيقة، والعظمية كداء بلونت وداء المفاصل التنكسي، والرئوية كالربو وانقطاع النفس أثناء النوم، والنفسية كالاكتئاب وضعف الأداء المدرسي والتعرض للتنمر. وتقصر السمنة فترة الحياة من خلال المراضات المرافقة لها، وكلما كانت بداية السمنة أبكر كان تقصير الحياة أكثر.
ويجري الطبيب تأكيدا مخبريا للتعرف على أسباب السمنة عند الأطفال، وذلك لنفي قصور الدرق وفرط كورتيزول الدم، وإجراء بروفيل شحوم البلازما ومستويات الغلوكوز والأنسولين والخضاب الغلوكوزي، واللبتين. وإذا كان لدى المرضى سمنة شديدة ذات بداية مبكرة غير متناسبة مع القصة العائلية فقد يكون من الضروري التفكير بأحد العيوب الوراثية.
ويشمل الكشف الباكر للأطفال المعرضين للخطورة إظهار حدوث الارتداد الباكر للسمنة (إذ يظهر فحص منحنيات BMI أنه يصل إلى أدنى مستوى بعد فترة الرضاعة ثم يرتد)، وإذا حدثت هذه الردة باكرا لاسيما إذا كان BMI مرتفعا نسبة إلى العمر، فهناك زيادة خطورة معتبرة لتطور السمنة.
التدابير العلاجية
تتضمن التدابير العلاجية إحداث تغييرات في عادات التغذية لدى الأطفال، وتطوير برنامج تمارين منتظمة، وتعديل السلوك، مع الانتباه الدقيق من أجل المحافظة على نمو الطفل وتطوره.
ويجب الانطلاق في حمية الطفل من أسس عدة، أهمها أن تؤمن الحمية كل الحاجات الضرورية للنمو وعدم اللجوء إلى حميات صارمة أو غير متوازنة غذائيا، والتعرف إلى الأغذية التي يتناولها الطفل بقصد كشف الأخطاء الغذائية وإصلاحها، و أن يتضمن البرنامج الغذائي كمية طبيعية من الطاقة بالنسبة إلى العمر إذا كان عمره أقل من خمس سنوات حفاظا على النمو والحاجات الغذائية، وأن يتضمن %75 من حاجات الطفل الحرورية إذا كان عمره أكثر من خمس سنوات ويتناول كمية غذائية مناسبة لعمره، ومراعاة توزيع التغذية على وجبات اليوم، وأن تشكل البروتينات %20 من الوارد والدسم %30 والسكريات %50، والتركيز على الأغذية الغنية بالألياف الغذائية مثل الخضار والفواكه، والابتعاد عن المأكولات المستحدثة مثل الشوكولاتة، والتركيز على وجبة الإفطار التي يعد إهمالها شائعا عند المصابين بالسمنة، إضافة إلى التركيز على الرياضة لدورها في صرف الطاقة وتنسيق شكل الجسم وتقليل الوقت المنقضي أمام الأجهزة الإلكترونية.
وثمة أهمية بالغة للدعم النفسي للطفل أثناء الحمية بما يكفل استمراره عليها ويعطيه ثقة بالنفس وبما أنجزه أثناء العلاج. وليس للمعالجات الدوائية دور كبير في تدبير البدانة عند الأطفال، ولعل شيوعها بين البالغين ينبع من رغبة البدين في علاج المرض بالدواء أما عند الأطفال فلا دور أساسيا لها.
أما الجراحة فقد تكون خيارا للمراهقين الذين يصابون بالسمنة المفرطة ولم يتمكنوا من إنقاص الوزن من خلال تغييرات نمط الحياة، ومع ذلك فلها مضاعفات طويلة الأمد.