أحمد عبد الحميد
تظهر أدبيات إدارة الكوارث في القرن الحالي غياب مخزون معرفي ومناهج بحثية ومعايير منطقية وتقنيات متطورة يمكن استخدامها في المقارنات وقياس الأداء للكوارث وتحديد الفجوات المهارية والمعرفية، لاسيما في البلدان العربية التي تعاني تدنيا في مستوى النمو التكنولوجي وضعف نشاطات البحث العلمي والتطوير التقاني في مجال إدارة الكوارث.
معالجة مثالية
وترتكز المعالجة المثالية لإدارة الكوارث على كل من مجتمعي المعلومات والمعرفة ودور الآليات المتطورة، كالمقارنات التطويرية الإلكترونية للأداء بالأساليب الرقمية، بحيث تساعد هذه المقارنات أصحاب القرار في إدارة الكارثة على الفهم الدقيق للعلاقات بين الأسباب والنتائج، والتمييز بين الأهداف الاستراتيجية والأهداف الفرعية وقياس وتحليل الفجوة في الأداء بين النموذج المثالي والأداء المحلي للكارثة، وغير ذلك من أمور ذات صلة.
ووفقا للمتخصصين في مجال إدارة الكوارث، فإن آليات المعرفة في إدارة الكوارث تشمل مبادئ وأساليب متعددة ومتنوعة مبنية على البحث العلمي، كمبدأ التجربة والخطأ، ومبدأ ردود الفعل، ومبدأ المحاكاة والنمذجة. وتعتمد هذه الآليات على مقياس محدد للأداء بمعايير مبنية على منهج إلكتروني لاختبار أسلوب معالجة الكوارث وتحديد مجالات التحسينات والتطويرات.
ولتسليط الضوء على هذه الأسس والمفاهيم يأتي كتاب (تقنيات الذكاء الاصطناعي والجيومعلوماتية لإدارة وتخفيف خطر الكوارث) الذي ألفه الدكتور المهندس حسين عزيز صالح ونشرته منظمة المجتمع العلمي العربي، لتسليط الضوء على تصميم وتطوير وتطبيق وتحليل طرق بحث جديدة مبنية على طرق تحسين مبرمجة بلغة الحاسوب، وذلك لحل مسألة التصميم المثالي لشبكة المواقع العالمية (GPS) واستخدامها في التنبؤ بالكوارث.
بين الطرق التقليدية والحديثة
ويوضح المؤلف أن معظم المراكز البحثية والمؤسسات العلمية المختصة في مجال إدارة الكوارث الطبيعية تتعامل مع خطر الكوارث والتأثيرات الناجمة عنها باستخدام الطرق التقليدية غير المواكبة للتقدم العلمي والتكنولوجي، والتي تتطلب زمنا طويلا لمعالجة وتحليل البيانات الخاصة بهذه الكوارث. ويدعو إلى البحث عن طرق متطورة وأساليب عملية وسريعة لسد الفجوات الكثيرة في عدم فهم معرفة الطبيعة المتغيرة لهذه الكوارث.
ويرى أن الحل المثالي لمراقبة الكارثة وتخفيف خطرها يتمثل في تشكيل التصميم الفعال لمنظومة الإنذار المبكر التي تغطي المنطقة الجغرافية للكارثة من خلال أمور عدة منها: التأمين السريع للمعلومات الضرورية، وتسهيل عملية الاتصالات والحركة، وتوفير المراقبة الدقيقة للظروف المتغيرة المواكبة لهذه الكوارث وضبط تحولاتها وتأثيراتها. ومن ثم تستطيع الخوارزميات المبنية على مبادئ ومفاهيم الذكاء الصنعي إيجاد الحلول المثالية التي توفر الدراسة التحليلية العلمية والعملية لأسباب الكوارث وتحولاتها، قبلها وخلالها وبعد وقوعها، بغية فهم تأثيرها وأبعادها وكيفية التجاوب المناسب مع تأثيراتها الجسيمة.
ويوضح المؤلف أن شبكة (GPS) وغلوناس (GLONASS) هما نظامان عالميان للملاحة بالأقمار الصنعية، طورتهما واستخدمتهما الولايات المتحدة وروسيا على التوالي. وثمة تشابه كبير بين النظامين من حيث كوكبة الأقمار الصنعية (satellite constellation)، والمدارات الإهليلجية (orbits)، والشكل الإنشائي للإشارة (signal structure). وكلا النظامين يوفران الاستمرار في الحصول على الإحداثيات الثلاثة بدقة عالية للموقع، والسرعة والزمن للمستخدم على أي مكان من سطح الكرة الأرضية .
ويقول الدكتور صالح إن هذه الطرق التحسينية – المبنية على أفكار من الذكاء الصنعي- تعرف بأنها أحدث الأساليب المطوَّرة والقوية والقابلة للتطبيق على طيف واسع من المسائل المهمة والتي تحدث مجالات علمية متنوعة كالإحصاء، والهندسة، والبرمجة الرياضية، والبحث العملياتي.
خوارزميات الذكاء الصنعي
ويسلط الكتاب في بداياته الضوء على طريقة علمية تعد الأولى من نوعها في هذا المجال، وتعتمد على خوارزميات الذكاء الصنعي وهي: خوارزمية البحث المتقارب المحلي
(Local Descent Search (LDS) والتلدين التجريبي (Simulated Annealing (SA، والبحث المحظور (Tabu Search TS)، والخوارزميات الجينية (Genetic Algorithms)، وخوارزمية منظومة النمل (Ant Colony System).
تُعد هذه الخوارزميات الأكثر استخداما في إيجاد الحلول المثالية لمشكلات متعددة في مجالات متنوعة في الحياة العملية، كعلوم الإدارة والإحصاء والتخطيط والهندسة والمعلوماتية، إلخ. تتصف هذه الخوارزميات بقدرتها على ابتداع طرق ديناميكية ملائمة لطبيعة المسألة المراد دراستها، وتحديد الصيغة العملية لإيجاد الحل الأكثر مناسبة من بين مجموعة الحلول الممكنة، ومن ثم تحسين قيمة هذا الحل إلى أقصى حدود الإمكانات.
ويركز المؤلف على أهمية اعتماد منظومة البحث العلمي والتطوير التقاني في إدارة الكوارث ومواجهتها وتخفيف آثارها، لاسيما أن المشكلة الأبرز التي تواجه العالم حاليا هي كيفية التخفيف من تأثيرات الكوارث الطبيعية. إن تأثيرات هذه الكوارث الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والديموغرافية عميقة على الأفراد والمجتمعات المنكوبة، وعدم الإلمام بخصائص هذه الكوارث وأسبابها من الأمور التي تتسبب في تفاقم هذه التأثيرات السلبية واتساع رقعتها وأبعادها التدميرية.
نظامان عالميان
يتضمن الفصل الثاني شرحاً موجزاً لعملية المساحة باستخدام نظم الأقمار الصنعية المتمثلة بالنظام الأمريكي (GPS) والنظام الروسي غلوناس (GLONASS) وأقسام هذين النظامين، وشرح المفهوم العام لمبدأ المثالية ذات الحدود الصغرى (المحلية) والعظمى (الكبيرة) بالنسبة لمجال النظام (GPS) وصياغة شبكة هذا النظام كمسألة تحسين توافقية. أما الفصل الثالث فيتضمن تعريف وتصنيف الطرق التحسينية وتحليلها، والحاجة إليها، والإطار العام لطرق هذا النظام العالمي مع المفاهيم الأساسية لهذه الطرق. ويشرح استراتيجية الطرق التحسينية في اختيار مجموعة الحلول المجاورة وكيفية تجميع المعلومات خلال عمليات البحث.
ويتناول الفصل الرابع شرحا نظريا لمبدأ عمل طريقة التلدين التجريبي وتحليل وتصنيف مركباتها، والتحقق من صحة نتائج وعمل هذه الطريقة باستخدام شبكات ذات حلول مثالية ومحسوبة مسبقا باستخدام الطرق الدقيقة. أما الفصل الخامس فيتضمن شرحا نظريا مفصلا لمبدأ عمل واستراتيجية طريقة البحث المحظور وتحليل وتصنيف مركباتها، والتحقق من صحة نتائج وعمل هذه الطريقة باستخدام شبكات ذات حلول مثالية ومحسوبة مسبقا بالاستعانة بطرق دقيقة.
نموذجان عمليان
ويتطرق الفصلان السادس والسابع إلى الهيكلية ذاتها؛ فيعرض الفصل السادس تصميم شبكة (GPS) ذات الشكل المضلَّع المغلق (triangulation «areal») لجمهورية مالطا، مع العرض النظري والعملي لتلك الشبكة، والتفصيل التحليلي لمراحل تطبيق الطرق التحسينية المتناسبة مع الشروط الهندسية لهذه الشبكة. أما الفصل السابع فيتضمن تصميم شبكة (GPS) ذات الشكل المضلَّع المفتوح
(«traverse «linear) لجمهورية سيشيل، والعرض النظري والعملي لتلك الشبكة، إضافة إلى التفصيل التحليلي لمراحل تطبيق الطرق التحسينية المتناسبة مع الشروط الهندسية لها. ويستعرض الفصل أيضا التحليل النظري والعملي للنتائج الحاصلة والمقارنة بين فعَّالية عمل الطرق التقريبِّية المطبَّقة.
أما الفصلان الثامن والتاسع فيتناولان شرحا نظريا مفصلا لمبدأ عمل واستراتيجية الخوارزميات الجينية وخوارزمية منظومة النمل وتحليل وتصنيف مركباتهما، والتحقق من صحة نتائج وعمل هاتين الطريقتين مع عرض التطبيقات المهمة المبنية على البحث العلمي والتطوير التقاني لمنظومة الإنذار المبكر للكوارث باستخدام هذه الخوارزميات.