محمد ثابت
إعلامي وكاتب وقاص (تركيا)
على الرغم من التطورات الكبيرة التي شهدها عالم النقل والمواصلات، والتقنيات الحديثة المستخدمة فيه، لا تزال الدراجات تمثل وسيلة نقل أساسية في دول ومجتمعات كثيرة، وأداة محببة للهواة محبي ممارسة رياضة الدراجات. وتشهد الدراجات العادية والنارية تطورات تقنية كثيرة لتناسب استخدامها من قبل كبار السن، وفي المسارات المتنوعة المخصصة لها في بعض الدول، في حين تجدها بعض المجتمعات ذات مستوى الدخل المنخفض وسيلة نقل لاغنى عنها في ضوء عدم القدرة المادية على استخدام السيارات أو القطارات أو الحافلات العامة.
ويرى بعض المؤرخين أن أول مصمم للدراجات الهوائية التقليدية هو الإيطالي ليوناردو دافنشي، لكن آخرين يذهبون إلى أن الفرنسي سيفراك هو مخترعها، في حين يذكر معظم المؤرخين أنه الألماني كارل درايس. أما الأكثر استقرارًا في الحقائق العلمية فهو أن تاريخ اختراع الدراجة وبداية تطورها إلى دراجة نارية وغيرها يعود إلى نحو 200 عام، وأنها كانت تمثل نقلة كبرى في التنقل واجتياز المسافات الكبيرة دون تكلفة مادية عالية مقارنة بما كان قبل اختراعها، إذ كان الأمر يتطلب وجود حصان أو ما شابه يجر عربة مجهزة لحمل البشر أو البضائع.
ومنذ ذلك الحين والدراجة تحظى بشعبية كبرى في العالم لاسيما لسهولة استخدامها في المناطق التي يوجد فيها سيارات قليلة أو مقارنة بأسعار السيارات نفسها. وتعد مبيعات الدراجات الأكثر في العالم؛ إذ تباع بنسبة 3/1 مقارنة بالسيارات وقيل الضعف.
مسيرة تاريخية
ربما تعود فكرة أول دراجة في التاريخ إلى عام 1816، عندما اخترع الألماني كارل دراي فون سوربرون دراجة خاصة بالأطفال أطلق عليها “دراجة التوازن”. وكانت درجة التوازن الفعلية بها ضئيلة جدا، ولم يكن لها دواسة أو سلسلة. وفي العام التالي طور كارل درايس الدراجة مستخدمًا مبدأ دمج العجلتين ليبدأ به مرحلة النقل الذاتي الآلي في المواصلات العالمية، ولتعرف الدراجة وقتها بـمسمى “فلوسيبيد”. وتطلب تطوير الدراجة الانتظار 44 عامًا، أي حتى 1861، ليشهد العالم الدراجة ذات الدواستين المعروفتين على يد الفرنسي بيير ميشو وابنه.
على أن انتظار البشرية لمحاولات ظهور بدايات الدراجات النارية لم يطل ـ مقارنة بمجرد اختراع الدواستين ـ ففي عام 1885 تمكن المهندس الألماني غوتليب ديلمر من تثبيت محرك مكبسي رباعي الشوط فوق هيكل دراجة خشبية. واستمرت محاولات تطوير الدراجة النارية، فاخترع الألماني ولهيم مايباخ مساعد ديلمر “المفحِّم البخاخ”، في حين نجح ديلمر في تزويد الدراجة بمحرك يعمل بالوقود ومكون من أسطوانة واحدة لتكون أول مركبة تعمل بالوقود عالميًا.
لكن النجاح الحقيقي في تصنيع الدراجة النارية تأخر حتى 1894، عندما اخترع الألماني هايلديراند آندوولغمور دراجة من محرك ذي أسطوانتين متوازيتين، تبعه الفرنسيان أوجين وميشيل ورنر بنموذج لدراجة نارية صغيرة عام 1897.
وبعدها بعامين قدم البريطاني سيمز للمرة الأولى الدراجة النارية الحربية. وفي عام 1902 ظهرت الدراجة النارية الخفيفة على يد جورج غوتييه، ولاحقًا طور جوزيف أرمان دييه الدراجة ممهدًا لاختراع نسختها الخاصة بالثلوج عام 1959.
تطورات القرن العشرين
مع بداية القرن العشرين، شهدت الدراجات تطورات كبرى في المواد المصنوعة منها، مما أدى إلى تحسين سرعتها وجودتها، لاسيما بعد أن حصل ويليام رايلي على براءة اختراع لمعدات المحور الداخلي ذات السرعتين عام 1896، لتصبح التروس سمة من سمات الدراجات البريطانية الفاخرة. وفي عام 1913، بدأت بعض الشركات بصناعة التروس المحورية ثلاثية السرعات. وفي العشرينات من القرن الماضي، ومع ظهور السيارات في الولايات المتحدة ازداد إقبال الفقراء على الدراجات، وأخذت تشهد انتشارا كبيرا.
وخلال الحرب العالمية الثانية اكتشف الجنود الأمريكيون دراجات خفيفة الوزن كانت في أوروبا ليتطور سوقها لاسيما للبالغين في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، في حين ظهرت الدراجات الجبلية عام 1970، ثم اخترعت الدراجات الخاصة بالأراضي الزراعية وذات العجلات الثلاث للمعوقين.
وفي عام 2000، اخترعت الدراجة الكهربائية. وفي العام التالي اخترعت دراجة الطاقة الشمسية. وأدت الحاجة لإنتاج دراجات نارية موثوقة إلى تنظيم سباقات خاصة بها عام 1907، فكانت السباقات مضمارًا لإثبات قوة ومتانة التصميمات تكنولوجيًا وكفاءة ما تنتجه الشركات العالمية، بداية من الدراجات ثنائية الشوط والمحركات فائقة الشحن مرورا بتلك ذات الحواف المتعددة، وانتهاء بإنتاج الدراجات رباعية الشوط التي تبرد بالهواء. وتحرص الشركات المصنعة على تنوع الدراجات التي تنتجها لتناسب الطرق الممهدة وغير الممهدة كالطينية والجبلية والوعرة.
الحفاظ على البيئة
مع ازدياد التوجه العالمي نحو الحفاظ على البيئة، وصون مواردها الطبيعية من التلوث، استجابت الشركات المصنعة للدراجات النارية لهذا التوجه، فسارعت إلى تعديل منتجاتها لتواكب المعايير العالمية الخاصة بنسبة الانبعاثات الغازية وأنواعها.
ومنذ عام 1980، يشهد العالم محاولات عديدة لتنظيم انبعاثات العادم من الدراجات النارية، بدءا من تنظيم وكالة حماية البيئة الأمريكية الهيدروكروبونات المنبعثة من الدراجات الجديدة محددة نسبة قدرها أقل من خمسة غرامات لكل كيلومتر تقطعه الدراجات الجديدة على الطرق السريعة، فيما شددت ولاية كاليفورنيا والاتحاد الأوروبي القيود على تلك الغازات وبخاصة الهيدروكروبونات، إضافة إلى أكاسيد النتريك وأول أكسيد الكربون.
وفي 2004، خفض الاتحاد الأوروبي من نسبة العوادم الواجب انبعاثها من الدراجات النارية الجديدة حتى غرام واحد من الهيدروكروبونات، و0.3 من أكاسيد النتريك، و5.5 غرام من أول أكسيد الكربون لكل كيلومتر. وفي الآونة الأخيرة قررت الشركات المصنعة للدراجات تركيب محولات محفزة وأنظمة حقن وقود أكثر تعقيدًا لتلبية “لوائح الهواء النظيف”.
الدراجات الكهربائية
يعود ظهور الدراجات الكهربائية بشكلها الحديث إلى نحو 15 عامًا، وهي لا تختلف عن الدراجات الهوائية العادية إلا في وجود محرك كهربائي يعزز الحركة وليس مسؤولا عنها كلية، إضافة إلى وجود بطارية تمد المحرك بالطاقة، ويمكن شحنها من أي منفذ كهربائي معتاد، مع وجود وحدة توازن بين استخدام الكهرباء والطاقة لتحريك الدراجة، وتوافر شاشة كهربائية أو مؤشر لمستوى شحن الدراجة بحسب نوع الدراجة وتطورها.
ويمكن استخدام الدراجة كهوائية في الوقت الذي يختاره سائقها، لكن وجود الوحدة الكهربائية فيها يعزز من عمل الدواسات ويجعلها سهلة حتى كأن سائقها يسير على أرض مستوية فيما هو يصعد تلًا على سبيل المثال. وتبلغ سرعة الدراجة الكهربائية نحو 30 كلم في الساعة، وتعد أكثر راحة من العادية، كما أنها أكثر انتشارًا في الدول النامية لانخفاض سعرها مقارنة بالسيارة. وفي نوفمبر 2020، كشفت الصين عن وجود نحو 300 مليون دراجة كهربائية فيها، مع مبيعات سنوية تقدر بأكثر من 30 مليون وحدة في السنوات الأخيرة.
تطورات الدراجات النارية
منذ سنوات قليلة عرضت شركة “ياماها” اليابانية لصناعة الدراجات النارية دراجة يقودها روبوت أو إنسان آلي شبيه بالبشر، مؤكدة أن تطور هذه الصناعة قد يؤدي إلى إيجاد بديل للسيارات التي لا تحتاج لسائق أو “ذاتية القيادة”. وهذا الروبوت يتحكم في السرعة بشكل آلي، ويستطيع استخدام المكابح (الفرامل) في الوقت المناسب.
وسمَّت الشركة الاختراع “موتوبوت فير 1″، وهو قادر على تحديد موقعه ومساره بحسب النظام الدولي الخاص بتحديد المواقع دون تدخل بشري، وهو يسير بسرعة 120 كلم في الساعة. وفيما يخص العلاقة بين السعادة والدراجات النارية فإن إحصاءات عالمية تتحدث عن أن قيادة الدراجة أو النسخة النارية منها تسهم في تعديل مزاج السائق وتحقيق سعادته.
وتسعى دول عدة منها هولندا والدنمارك واليابان إلى الترويج للتنقل بالدراجات للتسوق والمتعة في كثير من أنحاء البلاد، فيما تشجع الولايات المتحدة التنقل بها كبديل للسيارات وتخصص مسارات خاصة بها في كثير من أنحاء مدنها.
ومن صور مستجدات الدراجات النارية ما تقوم اليابان به وبعض الدول المتقدمة الأخرى في سبيل التوصل إلى نسخة منها قابلة للطيران. ويرى خبراء في هذا المجال أنه كما كانت الدراجات الكهربائية حلمًا مستبعدًا منذ 10 سنوات فحسب، فقد تكون الدراجات الطائرة حلمًا اليوم لكنه سيتجسد كواقع ملموس خلال السنوات المقبلة، ويدعم جزئيًا آمال وأحلام هؤلاء الخبراء واقعيًا تقلص المساحات المسموح فيها بسير السيارات في مناطق حضرية في معظم دول العالم، وذلك حرصًا على تقليل نسب تلوث الهواء وأيضًا الحوادث المرورية.
وضمن إطار المنظومة التكنولوجية المستقبلية للدراجات تسعى شركات عدة إلى تطوير منتجاتها من مثل شركة “بي أم دبليو” التي تسعى منذ عام 2017 إلى تطوير دراجتها النارية “موتوراد فيجن نكست 100” فائقة التقنية التي تُصمم لعالم مستقبلي مترابط رقميًا. ويشير واقع تصميمها إلى أنها ستبدو أقرب إلى مركبات فيلم “ترون”، بيد أن حقيقتها تخبر أنها ستكون دراجة نارية مستوحاة من طراز كلاسيكي؛ فهيكلها المثلث الأسود مستوحى من الطراز “آر 32″، وهو أول طراز للشركة من الدراجات النارية وقد أنتجته عام 1932، لكن الطراز الجديد سيكون أكثر تقدمًا، ومن خصائص تلك الدراجات تصحيح نفسها عندما تتعرض لبوادر الانقلاب على أحد جانبيها، فهي غير معرضة لفقدان الاتزان حتى وهي واقفة لا تتحرك، ومن ثم فإن خطر سقوط راكبها غير موجود على الإطلاق بل يمكن له الاستغناء عن الخوذة لعدم وجود أهمية لها. وتزود الشركة السائق بقناع خاص يعمل كرفيق رقمي يدله على المنحنيات الخطرة من الطريق، بمصاحبة رموز تدله على زاوية الرؤية المثالية، وحتى إن لم ينظر إلى الأمام فستدله اللوحة على زاوية الرؤية المثالية. والبذلة المخصصة لركوب الدراجة النارية ستكون مناسبة لتصميمها مع انتفاخ الجزء المخصص للعنق لمزيد من حماية السائق.
مستقبل السكوتر الكهربائي
في عالم السكوتر الكهربائي المستقبلي تسعى بعض الشركات إلى تطوير نماذج لتعمل بمحركات وقود أو كهربائية، لاسيما مع زيادة الطلب عليها في ضوء الازدحام في طرقات المدن وشوارعها.
ومن السهل معرفة سبب زيادة رواج هذه الآلات؛ إذ يعيش الناس ويعملون في المدن بأعداد أكبر من أي وقت مضى، مما يعني أنهم بحاجة إلى دراجات وسيارات صغيرة يسهل المناورة بها للتجول في المدن، حيث تمثل حركة المرور مشكلة حقيقية.
وهناك عمومًا نوعان من السكوتر الكهربائي: الأول “إي سكوتر”، والثاني سكوترات القدم الصغيرة ذات السوق الكبيرة في لندن وباريس وسيدني وبرلين بناء على طرح شركة “أوبر” لها. إن تطور استخدام السكوتر يحتاج للتغلب على تحديات عديدة، أهمها أمان راكبيها والمحيطين بهم، في ضوء سهولة وسرعة تنقلها على الطرقات، لاسيما في المدن المزدحمة.