د. عصام محمد عبدالعليم
الخلايا الجذعية نمط غير متمايز من الخلايا التي لديها مقدرة على تكوين خلية بالغة من أي عضو من أعضاء الجسم، لذا يمكن اعتبارها منتجة لما يمكن تسميته بـ «قطع غيار للجسم». وتنشأ الخلايا الجذعية عن ثلاثة مصادر أساسية، هي: الخلايا الجذعية الجنينية، والخلايا الجذعية البالغة أو الجسمية، وحديثاً تم اكتشاف خلايا شبيهة بالخلايا الجذعية الجنينية؛ تسمى بالخلايا الجذعية المحفزة المتعددة القدرات.
تم اكتشاف الخلايا الجذعية الجنينية Embryonic stem cells عام 1998. وهي خلايا تؤخذ من المرحلة الأولى لتطور الجنين، ويتم عزلها من كتلة الخلايا الداخلية في المرحلة التوتية (البلاستوسيست) بعد 8-5 أيام بعد الإخصاب. ويتم الحصول عليها من مراكز التلقيح الصناعي عن طريق أخذ الأجنة الزائدة وغير المستخدمة بعد أسبوع من الإخصاب في المختبر.
وهذه الخلايا تتميز بقدرتها الانقسامية اللامحدودة؛ لأنَّ لديها مقدرة على الانقسام إلى ملايين عدة من الخلايا المتطابقة، لذا يتم تنميتها في المختبرات وتخزينها بكميات كبيرة لاستخدامها في تجارب مختلفة.
ويتميز هذا النوع من الخلايا بمقدرته على التحور لأي نوع من أنواع خلايا الجسم بكفاءة تفوق جميع أنواع الخلايا الجذعية. وهذا يرجع لأنَّ مصدر هذه الخلايا هو خلايا من الجنين كان من المفترض أن تعطي جميع خلايا الجسم.
وتتلخص مشكلة استخدام الخلايا الجذعية الجنينية في العلاجات في نقطتين أساسيتين؛ الأولى: أنه قبل نقلها للمريض يجب تحويلها لنوع الخلايا الذي يحتاج إليه المريض (مثل خلايا عصبية، خلايا قلبية، أو خلايا عضلية..)، وأهمية هذه الخطوة تتمثل في أن هذا النوع من الخلايا الجذعية إذا نقل إلى المريض من دون تحويل كامل لنوع الخلايا المطلوبة، سيؤدي إلى احتمال تكوين سرطانات داخل جسم المريض بسبب قدرة هذه الخلايا على الانقسام السريع والتحور إلى أنواع مختلفة من الخلايا.
النقطة الثانية: هي أنَّه عندما تنقل الخلايا المتحورة لإحلالها محل الخلايا المدمرة فإن الجسم قد يرفضها؛ لأن الجهاز المناعي للمريض يعتبرها غريبة عنه بسبب مصدرها المختلف.
الخلايا الجذعية المحفزة المتعددة القدرات
حديثاً تم اكتشاف نوع جديد من الخلايا الجذعية يسمى الخلايا الجذعية المحفزة المتعددة القدرات Induced pluripotent stem cells؛ وهذا النوع يتم الحصول عليه من أي خلية جسمية عادية للمريض نفسه (مثل خلايا الجلد أو الدم أو الدهون). ويتم تعريض هذه الخلايا الجسمية مختبريا لتقنية تسمى «إعادة البرمجة».
وهذه التقنية يتم عن طريقها تحويل الخلايا الجسمية العادية المأخوذة من المريض إلى خلايا تشبه الخلايا الجذعية الجنينية في كل شيء، حتى في قدرتها الهائلة على التحول لأي نوع من أنواع خلايا الجسم بالكفاءة نفسها.
وفي عملية إعادة البرمجة يتم في المختبرات إدخال أربعة أو ثلاثة جينات إلى داخل الخلايا الجسمية العادية، وتعرف هذه الجينات بأنها مسؤولة عن القدرات الهائلة للخلايا الجذعية الجنينية. فعندما تدخل هذه الجينات إلى الخلايا الجسمية تغير التركيب الجيني للخلايا الجسمية، وتحولها إلى خلايا تشبه الخلايا الجذعية الجنينية.
واكتشف الخلايا المحفزة فريق من العلماء اليابانيين برئاسة العالم الياباني (شينيا ياماناكا) عام 2006، وتم تطبيقها على خلايا الإنسان في عام 2007 . وقد حاز هذا العالم جائزة نوبل في الطب عام 2012 عن اكتشافه؛ لأنَّه غير كثيراً من اتجاهات أبحاث الخلايا الجذعية في العالم.
وتتمثل فائدة اكتشاف هذا النوع من الخلايا الجذعية في أنه ينتج خلايا جذعية لها نفس قدرات الخلايا الجذعية الجنينية، ولكن يكون مصدرها المريض نفسه. ويمكن تحويل هذه الخلايا إلى أي نوع من خلايا أعضاء الجسم التي يحتاج إليها المريض حسب طبيعة المرض (مثل خلايا عصبية، قلبية، عضلية، كبدية..) وعند نقلها إلى العضو المصاب لا يرفضها الجسم؛ لأنَّ مصدرها الرئيسي هو المريض نفسه، لذا يمكن عمل خلايا جذعية مخصصة لكلِّ مريض تستخدم في علاجه هو فقط. ويمكن أيضا استخدامها مختبريا لفهم أسباب بعض الأمراض المُستعصية غير المعروفة.
العلاج بالخلايا الجذعية
في الوقت الحالي لا يمكن الادعاء بأنَّ الخلايا الجذعية قادرة على علاج جميع الأمراض المستعصية؛ لكن هناك أمراضاً يتم معالجتها بالخلايا الجذعية البالغة، وهي آمنة ومسموح بها، لكنها ما زالت محدودة ومقتصرة على الأمراض ذات العلاقة بأمراض الدم والمناعة ومشكلات النخاع العظمي وترقيع الجلد.
ونظراً لأن مجالي الخلايا الجذعية الجنينية والخلايا الجذعية المحفزة المتعددة القدرات ما زالا حديثي العهد، فلا يوجد أي علاج صرَّح باستخدامه لهذين النوعين. لكنَّ هناك نتائج مبشرة من التجارب على الحيوانات، وبعضها دخل طور التجارب على الإنسان.
ففي عام 2010 وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على السماح باستخدام الخلايا الجذعية الجنينية لإجراء تجارب سريرية على مرضى الضمور البقعي في شبكية العين Retinal macular degeneration ومرض إصابة الحبل الشوكي Spinal cord injury. ونشرت نتائج أولية لعلاج الشبكية في عام 2012 في إحدى الدوريات العلمية، حيث وجد أن استخدام الخلايا الجذعية الجنينية لعلاج مرضى مصابين بالعمى الكامل أدى إلى علاج جزئي للشبكية، وبدأ المرضى يبصرون.
ووافقت (FDA) حديثاً على استخدام الخلايا الجذعية الجنينية لإجراء تجارب سريرية على مرضى قصر النظر، لكن حتى الآن لم يتم التصريح باستخدامها رسمياً لعلاج هذه الحالات.
وعلى الرغم من قصر تاريخ الخلايا الجذعية المحفزة المتعددة القدرات، فإن وزارة الصحة اليابانية قررت عام 2013 السماح ببدء إجراء تجارب سريرية على مرضى الضمور البقعي في شبكية العين، وهذه أول محاولة لاستخدام هذا النوع من الخلايا الجذعية لعلاج المرضى. أما الأمراض الأخرى فما زالت تحت التجارب على الحيوانات ولم يسمح باستخدامها حتى يتم التأكد التام من سلامتها.
وفي السنوات القليلة المقبلة يتوقع حصول تقدم مذهل في هذا العلم، مما سيؤدي إلى فهم غموض بعض الأمراض، وهو يساعد على علاجها. ويتوقع الباحثون حدوث المزيد من النجاحات في علاج المرضى عن طريق نقل الخلايا المنتجة من الخلايا الجذعية.