ليس لهذه البراكين الهائلة أي علاقة بالأخرى التي نعرفها، ومن منطلق الآثار التي خلفتها، فإن ثورانها مروّع، ولكن إن كان آخرها يعود إلى ما قبل التاريخ، فمن المستحيل معرفة متى سيحدث قادمُها.
تامبورا.. يشير هذا الاسم، ذو التوافقات الصوتية اللطيفة والغريبة، إلى أضخم كارثة بركانية في التاريخ. ففي 10 أبريل 1815، أي منذ نحو مئتي سنة، في جزيرة سمباوا الإندونيسية، هب ثوران بركاني غير مسبوق في ضخامته، وبعد عدة انفجارات، انفجر جبل تامبورا كلياً.
شاهد سكان الجزيرة الجبل يشتعل في ثلاثة أعمدة نارية عملاقة، فيما دوت انفجارات سمعت على مسافة أكثر من 2000 كم. وسقط وابل من الحجارة على مسافة عشرات الكيلومترات حول البركان، تلاه طوفان من الرماد وصل حتى مسافة 1300 كم. وتدحرجت سحب ملتهبة على سفوح الجبل لمسافة 20 كم بدءاً من القمة، فدمرت قرية تامبورا، وقتل أكثر من 60 ألف شخص، وأضحت السماء بلون الحبر الأسود على مسافة قطرها يتجاوز مئات الكيلومترات، وبقيت كذلك عدة أيام. أخيراً، صفا الجو وتمخض عن مشهد آسر: تغير شكل الجبل، واختفت قمته ببساطة! وحلت مكانها فوهة ضخمة بعرض 6 كم وعمق 600م، مرتفعة حتى 2850م بدلاً من الـ4300م التي كان عليها الارتفاع السابق للجبل.
وستغدو نتائج هذا الحدث كوكبية: دارت انبعاثات الكبريت (بلغت الغلاف الطبقي من الجو، على ارتفاع 15 كم) حول الكوكب كله، متلفةً توازنه المناخي. ونتيجة لثوران تامبورا على الأرجح، أخذ العام التالي 1816 اسم (سنة بلا صيف) في أوروبا وأمريكا الشمالية. تبين آنذاك أن درجات الحرارة في الواقع كانت أدنى جداً من الحدود الطبيعية، وكانت المحاصيل كارثية، أفضت إلى مجاعة كبيرة. وتغطت مدينة (كيبك) بطبقة من الثلج ثخانتها 30 سم في شهر يونيو. ويعتقد أيضاً أن السموات الحمراء التي رسمها الرسام البريطاني تورنر (1775 – 1851) في تلك الفترة تعود إلى ثوران تامبورا.
ثورانات أكثر تواضعاً
حتى لو كان حدوث أكثر من ثوران عملاق مخيفاً، فهي ليست الأكثر إثارة لقلق الاختصاصيين؛ ذلك أن براكين أخرى، موسومة باحتمال أكبر للدخول في ثوران، تهدد السكان. في المقام الأول، براكين اليابان وإندونيسيا، وهما منطقتان بركانيتان وكثيفتا السكان في الآن نفسه. يطل جبل «فوجي»، المعتبر ناشطاً حتى الآن، على 25 مليون نسمة في نصف قطر مقداره 100 كم.
لكن يمكن أن يأتي الخطر أيضاً من ثوران انبجاسي دون انفجارات، وهي أقل خطورة مبدئياً للسكان المحليين. ذلك أنه يمكن أن تنبعث من سيلاناتها الحممية البطيئة غازات سامة جداً.
وفي عام 1783 لم تقذف عقدة (لاكي) البركانية في إيسلندا في ثمانية أشهر سوى 14.7 كم مكعب من الصهارة، غير أنها أطلقت 122 مليون طن من ثاني أكسيد الكبريت! وهذا أعلى بمرتين مما قذفه تامبورا منه عام 1815. وانتشرت السحابة السامة في أوروبا كلها ملوثة الهواء ومجاري الماء والمراعي. وأدت إلى نفوق قسم من الماشية نتيجة أمراض تنفسية وخيمة وأتلفت المزروعات، إلا أن حدثاً من هذا العيار متصور تماماً في إيسلندا خلال العقود المقبلة.