تكنولوجيا

البيانات الضخمة والرعاية الصحية

تقنيات بازغة لتسريع الشفاء وتحسين الجودة

د. حيدر المهري
اختصاصي علم البيانات والابتكار ومدير الأعمال الرقمية لدى شركة سيمنز الكويت

من جديد، أثبت علم البيانات والذكاء الاصطناعي مجدداً قوتهما وقدرتهما على حل مشكلات العالم الواقعي المعقدة والشائكة وغير المتوقعة. فمنذ بداية عام 2020، يواجه العالم بأسره أزمة غريبة وخطيرة ناجمة عن فيروس كورونا المستجد الذي انتشر في جميع الدول والمجتمعات، وألحق أضررا بالغة بكل الجهات الحكومية وجميع أنواع الشركات والقطاعات الاقتصادية في معظم أنحاء العالم. لقد تأثر كل شيء من جراء هذه الجائحة، من الحكومات والشركات الكبرى إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة، عدا الأسَر والأفراد.
ومع انتشار ذلك الفيروس، وامتداد خطره وسرعة تمدده، بدأ الباحثون والخبراء في مجال الذكاء الاصطناعي وعلم البيانات في مكافحته، جنباً إلى جنب مع الجهات المعنية في القطاعات الأخرى ممن يقفون في الخطوط الأمامية، مثل العاملين في المؤسسات الصحية وهيئات تطبيق القانون، من خلال استخدام التكنولوجيا لحل المشكلات المتعددة الناجمة عنه، وإيجاد حلول مناسبة للتخفيف من تداعياته وآثاره على نحو فعَّال.

خوارزميات ذكية
ساعدت خوارزميات الذكاء الاصطناعي مؤسسات الرعاية الطبية على تسريع الأبحاث الخاصة بفيروس كورونا المستجد ومسارات تطوير عقار ولقاح مضاد له. وطور باحثون من شركة ديبمايند DeepMind (وهي شركة بريطانية للذكاء الاصطناعي تملكها شركة غوغل Google) نمذجة جديدة للتعلم العميق Deep learning model للتنبؤ بالبنى البروتينية المرتبطة بجائحة كوفيد19-. وتعد نتائج الشركة خطوة مهمة جداً للعثور على علاج للمرض؛ نظراً لأن تحديد بنية بروتين الفيروس عن طريق التجربة قد يستغرق شهوراً عدة .
وتُستخدم خوارزميات تعلم الآلة Machine learning والتحسين (الأمثلة) Optimization في إدارة الموارد وتحسين الرعاية الصحية إلى المستويات الفضلى. وباستخدام علم البيانات والبيانات الضخمة يمكن لإدارة أي مستشفى اتخاذ القرار الأفضل بشأن الكيفية التي تتحقق من خلالها الاستفادة المثلى من موارد المستشفى، مثل توزيع الأسرَّة على المرضى في وحدة العناية المركزة وتحسين تجربة المرضى في أقسام الطوارئ. إضافة إلى ذلك، ساعدت خوارزميات تعلم الآلة الأطباء على تخصيص العلاجات وتحديد خطط المتابعة للمرضى المصابين بالفيروس.

تعزيز الإجرءات الصحية
فيما يخص علم البيانات أيضا، فلقد ساعدت تقنياته الجهات الحكومية على قياس الإجراءات الاحترازية مثل العزل الصحي والإغلاق، وضبطها ومراقبتها وتعزيزها خلال الأزمة. وعلى سبيل المثال، ابتكر الباحثون في إسبانيا نمذجات لتحليل حركة الأفراد أثناء الجائحة وقياس أثر الحركة أثناء فترة الإغلاق. تُستخدم هذه النتائج بعد ذلك لتتبع تطور الجائحة عن طريق تحليل عدد الأفراد المتعافين والمصابين وغير المصابين. ومن خلال الاستفادة من هذه النمذجات، يتوقع الباحثون معدل سرعة انتشار الجائحة. وساعد اعتماد نتائج هذه النمذجات على منع أو إبطاء انتشار الفيروس من خلال المراقبة وتتبع الأفراد الذين اختلط بهم المرضى.
من جانب آخر، يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتسريع تسلسل الجينوم، وإجراء تشخيصات أسرع، وإجراء تحليلات للماسح الضوئي، أو، من حين إلى آخر، التعامل مع الصيانة وروبوتات التسليم.
ومن الآن فصاعداً، ومع بدء خروج العديد من الأنظمة الصحية من تدابير العزل الصحي وتقييم آثارها المالية والاقتصادية في الأشهر القليلة الماضية، ستكون التحليلات المدفوعة بالذكاء الاصطناعي ضرورية لتحقيق فعالية التكاليف المخصصة لهذه الإجراءات، وغيرها من الإجراءات التي تتخذها الجهات الصحية.

علم البيانات والأعمال التجارية
تواجه الشركات في جميع أنحاء العالم الأمرَّين بسبب التداعيات الناجمة عن فيروس كورونا المستجد. ويحتاج المسؤولون التنفيذيون عن هذه الشركات إلى تحديد الأولويات الصحيحة للتعامل معها، مع الحفاظ على المرونة المناسبة، وتعديل قراراتهم بسرعة حسب التغييرات الجارية. ولقد حان الوقت لهم لاتخاذ أفضل القرارات بطريقة سريعة بشأن وضع الاستراتيجيات الجديدة ومراقبة التكاليف والحفاظ على السيولة من أجل اعتماد التغييرات الجارية الجديدة.
ولما كانت هذه الشركات تشهد أزمة عاصفة لايعرف حتى الآن موعد انتهائها، فمن المهم الآن، أكثر من أي وقت مضى، اتخاذ القرار الأفضل الذي يقلل من المخاطر. ووفقاً لاستطلاع شمل 300 من اختصاصيي التحليلات في مختلف أنحاء الولايات المتحدة أجرته وكالة بيرتش ووركس الأمريكية Burtch Works والمعهد الدولي للتحليلات International Institute for Analytics (اختصاراً: المعهد IIA)، ذكر %43 من المستجيبين أن التحليلات تأتي في مقدمة أنشطتهم لمساعدة مؤسساتهم على اتخاذ قرارات رئيسية استجابة لأزمة كوفيد19-.
واعتمدت الشركات على تحليلات البيانات والقرارات التي تعتمد على البيانات أثناء الجائحة وبعدها في اتجاهات عدة، أهمها:
تعطل سلسلة التوريد: ساعد علم البيانات على إعادة تشكيل أنشطة سلسلة التوريد التي تعطلت بالكامل بسبب نقص المواد الخام والمنتجات وكذلك التأخير في التسليم.
التأثير المالي للأزمة: ساعدت التحليلات الشركات على إيجاد مصادر التكلفة الإضافية، والتوصل إلى طرق عدة لخفض التكلفة في الأمور اللوجستية وكذلك في عمليات التشغيل وتحسينها.
تنظيم المهام والجدولة المناسبة بسبب نقص الموظفين، وذلك على سبيل المثال لوجود موظفين مصابين أو في الحجر الصحي لم يتمكنوا من الحضور إلى مقارعملهم.
الاستفادة من معالجة اللغات الطبيعية Natural Language Processing (اختصاراً: معالجة NLP) لتحليل وسائل التواصل الاجتماعي والمصادر الأخرى لمعلومات العملاء النصية، من أجل الاطلاع على مخاوف الأشخاص المتعلقة بكوفيد19-.
تحديد العملاء الأكثر تأثراً، ومن ثم أفضل طريقة لدعمهم من أجل زيادة معدل حركة العملاء أو الحفاظ عليها.
إنشاء سيناريوهات الأعمال والانتعاش على أساس التوقعات والتنبؤات بتأثير الأزمة على العمليات والمنتجات والخدمات والعرض والطلب.

دروس مستفادة
إذا كان صناع القرار في الجهات الحكومية والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني سيأخذون عبرة واحدة من أزمة فيروس كورونا (فيما يتعلق بإدارة الأزمات)، فيجدر أن تكون الاستخدام الصحيح للبيانات والذكاء الاصطناعي للتعامل مع أي أزمة غير متوقعة.
لذلك، من المهم جدًا لأي دولة اتخاذ الخطوات اللازمة لتشكيل علم البيانات ووضع استراتيجيات الذكاء الاصطناعي عبر مختلف القطاعات الحكومية والقطاعات الاقتصادية الأخرى فيها. ويجب أن نتذكر دائماً أن تلك الأزمة ربما لا تكون الأخيرة من هذا النوع، لذا علينا أن نكون مستعدين دائماً!

belowarticlecontent
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى