تكنولوجيا

البيانات الضخمة والجيل الخامس

ثورة هائلة في عالم الاتصالات

تسنيم حلوبي
باحثة في جامعة ماكغيل (كندا)

منذ أن انطلقت ثورة الاتصالات الرقمية من الجيل الثاني (2G) في التسعينات، وعالم الاتصالات يشهد تطورا مذهلا ومتسارعا. فبعد أن أتاح ذلك الجيل تبادل الاتصال الصوتي وخدمات الرسائل القصيرة، شهدنا الجيل الثالث (3G) الذي امتدت فيه خدمات الاتصالات لتشمل شبكة الإنترنت والوسائط المتعددة ومؤتمرات الفيديو، وصولا إلى الجيل الرابع (4G) المعروف بالتطور طويل الأمد Long-Term Evolution، الذي زاد من سرعة الاتصال متيحاً بذلك تطورا لافتا في خدمات الإنترنت وجودتها.
إن تطور أجيال الاتصالات يرتبط بصورة رئيسية بزيادة سرعة تبادل البيانات وتنوعها وسعتها، لذا فإن هذا التطور يواكب بصورة مباشرة تطور مجال البيانات الضخمة؛ لأن الحجم المعني للبيانات الضخمة يتزايد باستمرار من بضعة تيرابايت terabytes إلى العديد من الزيتّابايت zettabytes مع تطور مجال الاتصالات.

معايير الجيل الخامس
بدأ ظهور الجيل الخامس (5G) من الاتصالات العام الماضي، مستندا في معاييره إلى أمرين أساسيين: تقصير وقت الاستجابة، وزيادة السعة تحت مفهوم الاتصال بأي وقت وأي مكان سواءً بين الأشخاص أو الآلات أو الأجهزة، وهذا بدوره يؤثر في مجال تحليل البيانات الضخمة. وتشمل الجوانب المهمة للجيل الخامس استخدام الخلايا الصغيرة المكثفة والاعتماد على الحوسبة الحافّة edge computing، التي تتعامل بدورها مع الزيادة الهائلة في كمية البيانات الضخمة الناتجة عن تزايد وجود الأجهزة المحمولة وتمرير تلك البيانات عبر الشبكة. إن ازدياد الأجهزة المحتوية على مغذيات ووظائف لبيانات معقدة سيتطلب طرقًا جديدة لإدارة واستخدام مرافق شبكة الاتصالات.
والحوسبة الحافة تُعنى باتخاذ قرارات آنيّة بالقرب من مصدر البيانات الضخمة. ويتم ذلك عن طريق وضع الذكاء الحسابي بالقرب من الفرد ومصادر البيانات المختلفة. وعلى خلاف الشبكات السابقة التي ارتكزت على المركزية في السحابة، فإن شبكة الجيل الخامس تركز على التنويع في التعامل مع أكبر قدر ممكن من المعالجة على حافة الشبكة network edge.
وستتيح الحوسبة الحافّة متعددة الوصول Multi-access Edge Computing (MEC) تجميع المعلومات، بحيث يتم توفيرها من مجموعة واسعة من السجلات logs والتفاعلات، ومن ثم إرسال ملخص إلى عقدة أساسية core node بهدف إجراء المزيد من المعالجة للبيانات الضخمة.
وإدارة التعقيد الهائل لهذه الشبكات ستتطلب استراتيجية تحليلية واستراتيجية قائمة على الذكاء الاصطناعي لتشغيل الشبكة نفسها. وسيتم تقسيم الشبكات إلى عقد أصغر تعمل كأجهزة حوسبة حافّة وشرائح شبكية network slices، وتلك الشرائح ستمتلك خصائص مختلفة وفقًا لمهمتها. فكل شريحة افتراضية ستتطلب إدارة وتنسيقا لضمان عمل الشبكة والأجهزة المتصلة بصورة موثوقة دون انقطاع. وهنا يأتي دور التحكم الذاتي والذكاء الاصطناعي اللذين يتيحان تركيزا أكبر على حلول تحليل البيانات الضخمة. ومع تحسن قدرات الشبكة، ستزداد موجة البيانات الضخمة وتوفر إمكانات للتحليل الآني في الأجهزة الجديدة.

ضمان الأمن والخصوصية
تشمل البنية التحتية لشبكة الجيل الخامس جوانب تتعلق بالأمن والخصوصية، حيث سينشىء ملايين الأفراد حول العالم آلاف التيرابايتات من البيانات مما سيزيد من صعوبة تأمين كل هذه البيانات وحمايتها من الاستغلال.
إضافة إلى ذلك، فإن شبكة الجيل الخامس تدخل في بيئة تحفها المخاوف الخاصة بشأن الاستخدام المتزايد لأجهزة الاستشعار والتحكم الذاتي وزيادة قوة وقدرة إنترنت الأشياء. وهنا تكمن مخاوف بشأن المصالح الوطنية والملكية الفكرية للشركات والمراقبة الحكومية والخصوصية. وهذا يتيح لشبكة الجيل الخامس إحداث ثورة في مجالات عدة تؤدي إلى تغيير الطريقة التي يعيش بها الأشخاص ويؤدون أعمالهم.
وتواكب شبكة الجيل الخامس التطورات الخاصلة في أجهزة التحكم الذاتي، التي يحتضنها الذكاء الاصطناعي وتدعمها البيانات الضخمة، مما يتيح قدرا أكبر لتعزيز تقنيات عدة، مثل السيارات ذاتية التحكم، والروبوتات، والعمليات الصناعية industry 4.0 المتمثلة في المنازل والمدن والمستشفيات الذكية، وغيرها.

تحديات البيانات الضخمة
تتمثل التحسينات التي تجلبها البيانات الضخمة والحوسبة السحابية للجيل الخامس بمرونة وفعالية إدارة البيانات، فالحوسبة السحابية تحتاج إلى اتصال ثابت بالخادم السحابي، الذي يشترط بدوره متطلبات عالية لبوابة نقل البيانات الضخمة لكي توفر مسارات ذكية.
والتحديات التي يواجهها مجال البيانات الضخمة والحوسبة السحابية في بنية الجيل الخامس للاتصالات يمكن تلخيصها بالنقاط الآتية:
محدودية موارد الشبكة: على الرغم من أن موارد الشبكة يجب مشاركتها بين المستخدمين وموفري خدمات الشبكة بشكل متكافئ نظريا، فإنه بسبب اختلاف معايير الاتصال بالشبكة حول العالم قد يواجه المستخدمون من موفري الخدمة المختلفين صعوبات عدة حين تتغير الشبكة من مكان إلى آخر.
أمان السحابة: تُعالج مسألة أمان السحابة والخصوصية بشكل كامل في الجيل الخامس للاتصالات. وإضافة إلى إعادة البحث في تقنيات مكافحة القرصنة، يجب على الحكومات وضع لوائح بشأن الأمن السحابي واتخاذ الإجراءات المناسبة ضد الجرائم السيبرانية. على سبيل المثال، أنشأ الاتحاد الأوروبي وكالة مختصة، هي الوكالة الأوروبية للشبكات وأمان المعلومات (ENISA)، لدعم بيئة الشبكة وتوفير توصيات أمنية. لذا يجب تشجيع المبادرات العالمية لحماية أمان السحابة ضد المهاجمين، لأنه غالبا ما يكون لكل شخص في أي مكان مشاركات في الشبكة.
استهلاك منخفض للطاقة: ترتبط البيانات الضخمة ارتباطا وثيقا بإنترنت الأشياء، ومعظم أجهزة إنترنت الأشياء ستكون مزودة بمستشعرات مستقلة وجهاز استقبال وإرسال. تعتمد هذه الأجهزة على البطاريات التي بنفادها يتوقف الجهاز عن العمل. لذا فإن استهلاك الطاقة بهذه الأجهزة يجب أن يبقى في الحد الأدنى لإطالة عمرها. وإحدى الطرائق المثيرة للاهتمام لزيادة عمر الأجهزة هي جمع عدة أشكال من الطاقة المتاحة في البيئة لتشغيل الأجهزة واستخدامها.
التوافقية وتوحيد المعايير: نظرًا لأن الإنترنت ملكية عامة يتقاسمها المستخدمون في جميع أنحاء العالم، فإن من المتوقع لشبكات الجيل الخامس اعتماد الحوسبة السحابية المتنقلة لتسهيل التعاون بين البلدان المختلفة دون حدود تقيدها. في الولايات المتحدة، استطلع المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا (NIST) برنامج الحوسبة السحابية من أجل تنظيم ممارسات الحوسبة السحابية، التي يمكن أن تدعم التوافقية وقابلية النقل ومتطلبات الأمن. ونشر الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) العديد من التوصيات والتقارير لتوحيد النظام البيئي في الحوسبة السحابية.

تطبيقات واعدة
إن التغييرات الحاصلة في هيكلة الشبكات التحتية وبنيتها أمر لا مفر منه، وإن تنفيذ إمكانات الجيل الخامس الكاملة سيحدث على مدار عدة سنوات مقبلة؛ لأنه لم يتم تحديد المعايير بشكل كامل، ولا يزال يتعين إجراء التجارب في بعض المناطق. والمعدات المتاحة حاليا لا تزال غير مهيأة لاستخدام مواصفات الجيل الخامس.
تركز التطبيقات الحالية للجيل الخامس على السرعة وعرض النطاق الترددي bandwidth، لكن هذه تعتبر البداية فقط. وسيختلف تأثير ثورة الجيل الخامس على الصناعات باختلاف مالكيها، حيث ستستخدم بعض الشركات الميزات الجديدة بمجرد ظهورها في حين ربما يتخذ آخرون نهجا محسوبا وطويل الأمد.
وبالنسبة لأولئك الذين يريدون التنفيذ قريب المدى، فقد حان وقت مراجعة متطلبات قاعدة البيانات لتحمل التدفق الهائل للبيانات الآنية. ويجب أيضا تطوير استراتيجيات لضمان فعالية حلول الحوسبة الحافّة، التي تتطلب توجيها من تحليل البيانات الضخمة لفهم الوظائف المتعددة والأدوات الافتراضية والفيزيائية. لذا فإن تخطيط الشبكة وتحسينها أمران ضروريان، وسنشهد قريبا دمجا لأنظمة دعم الأعمال مع تحليل البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي.

belowarticlecontent
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى