أبحاث ممولة

استكشاف العلاقة بين الجينات والسكري ودرجة الإصابة بكوفيد19-

فهد الملا وزملاؤه يبحثون في الأسباب التي تجعل بعض حالات عدوى كوفيد19-أكثر حدة من سواها

من السمات المِحيرة لمرض كوفيد19- هي التباين في درجة المرض التي تتراوح من العدوى الصامتة التي لا ترافقها أعراض لدى بعض المرضى إلى التسبب بالوفاة لدى آخرين، إضافة إلى ’كوفيد الطويل’ Long COVID الذي تستمر أعراضه مدة طويلة لدى بعض المرضى. هذا التباين ليس مفاجئًا عند نشوء مرض جديد ينتشر بسرعة بين مجموعة متنوعة من السكان، لكن فهم ما يجعله مرضا شديدًا هو أمر لا غنى عنه من أجل معرفة الكيفية التي يمكن وفقها التعامل مع الوباء والتخفيف من شدته.
على الرغم من أنه من المرجح أن تكون عدوى كوفيد19- شديدة لدى كبار السن والذكور والذين يعانون من مشكلات صحية باطنية، فإن هذه العوامل وحدها لا تفسر التباين الهائل في درجة الإصابة. افترض فريق دولي من العلماء أن الإصابة بعدوى كوفيد19- مُهدِّدة للحياة قد ترتبط بطفرات خلقية Inborn mutations في جينات المناعة لدى بعض المرضى. ولاختبار هذه الفرضية، شكلوا كونسورتيوما دوليًا يطبق عليه الجهد الجيني البشري لكوفيد COVID Human Genetic Effort.
جذبت هذه الفكرة بطبيعتها اهتمام فهد الملا، الباحث في علم الجينوم من معهد دسمان للسكري، الذي رأى على الدوام ارتباطًا واضحًا بين الأمراض والجزيئات التي لا تقوم بوظيفتها كما ينبغي والمسارات الجزيئية في الأمراض. عندما سمع هو وزملاؤه عن الكونسورتيوم، تحمسوا للانضمام إليه. ويقول: “إن النجاح الحقيقي لا يتحقق إلا من خلال التعاون”. كان الكونسورتيوم بدوره حريصًا على الاستفادة من خبراتهم.
على مدى السنوات القليلة الماضية، بذل الملا جهدًا كبيرًا لتحسين حالة البيانات الجينومية لسكان الكويت. لمعرفة أي من ملايين الاختلافات الجينية في كل جينوم بشري قد يكون مرتبطًا بحالة مرضية معينة – مثل القابلية للإصابة بأعراض كوفيد19- الشديدة – يستخدم العلماء التحليلات الإحصائية التي تكتشف الارتباطات بين التنويعات Variants النادرة والحالة التي يدرسونها. لكن، لكي ينجح هذا المسعى، يجب أن تعكس البيانات المرجعية تنوع العينات البشرية. إذ تأتي معظم البيانات الجينومية من أشخاص ذوي أصول أوروبية، لكن التنويعات النادرة لديهم قد تكون شائعة في أماكن أخرى.
من خلال سلسلة جينومات الكويتيين، شارك الملا في الجهد العالمي لإصلاح هذا الخلل. وباستخدام مزيج من المصفوفات الدقيقة والتسلسل الجيني عالي الإنتاجية، جمع بيانات جينومية من كويتيين أصحاء وكويتيين يعانون حالاتٍ صحية مزمنة، وقُرنت تسلسلات الجينوم بتواريخ طبية مُصنَّفة بدقة. باستخدام هذه الأدوات، عاين جينوميات السرطان والسكري لدى سكان الكويت، واختبر إلى أي مدى يمكن أن تطبق على المستوى المحلي نتائجُ دراسات أجريت في مناطق أخرى.
ويقول: “نحن بحاجة إلى دراسة التباين في مجموعات سكانية مختلفة. … وبحاجة إلى دراسة طرق تطبيق الطب الجينومي وفهمها ليس فقط على سكان الولايات المتحدة أو العرب أو الصينيين ولكن عليهم جميعا، ولكي ننجح في ذلك نحتاج إلى قاعدة بيانات تتضمن كل الاختلافات”. والتنوع في البيانات الجينومية مهمٌ بشكل خاص عند البحث عن الاختلافات في الاستجابة للأمراض المنتشرة عالميًا مثل كوفيد19-.
حلل الكونسورتيوم بيانات 659 مريضًا مصابين بأعراض كوفيد19- المهددة للحياة، بمن فيهم أشخاص من آسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط. أراد الباحثون اختبار ما إذا كان الالتهاب الرئوي المهدد للحياة كأحد أعراض كوفيد19- مرتبطًا بطفرات في ثلاثة جينات مناعية معروفة بأنها مرتبطة بالالتهاب الرئوي المهدد للحياة الناجم عن الإصابة بالإنفلونزا. كما تحروا عشرة مواضع Loci أخرى مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بالجينات الأساسية الثلاثة وسبق أن رُبطت بعدوى فيروسية أخرى.
بمقارنة هذه الجينومات بجينومات 534 شخصًا مصابًا بأعراض كوفيد19- الخفيفة أو ممن لا تظهر عليهم أعراض، حدد الفريق 118 متغيرًا جينيًا كانت أكثر شيوعًا لدى المرضى الذين يعانون أعراض كوفيد19- الشديدة. أظهرت التجارب أن معظم التنويعات لم يكن لها تأثير مهم على وظيفة الجين، لكن 24 منها كان لها تأثير ضار. انتشرت هذه التنويعات
في ثمانية من ثلاثة عشر موضعًا شملها الاختبار، مما دفع الباحثين إلى استنتاج مفاده أن عيوبًا في هذه الجينات تجعل الشخص أكثر عرضة للإصابة بأعراض كوفيد19- الخطيرة إذا أصيب بالعدوى.
بعد ذلك، اختبر الفريق خلايا من المرضى ممن لديهم هذه الأنماط الجينية لمعرفة الكيفية التي يتفاعلون وفقها مع العدوى بفيروس سارس-كوف-2 SARS-CoV-2، وهو الفيروس المسبب لكوفيد19-. كان لدى هؤلاء المرضى طفرة في أحد الجينات الأساسية هي الطفرة IRF7، وكما هو متوقع، كان لدى خلاياهم التائية T-cells مستويات منخفضة من التعبير عن هذا الجين. لدى تعريضها لفيروس سارس-كوف-2 تفشل هذه الخلايا في إنتاج الإنترفيرون، وهو نوع من جزيئات الإشارة التي تُطلق استجابة للعدوى الفيروسية لتنشيط جهاز المناعة، كما كانت مستويات عدوى الخلايا الطافرة أعلى مما هي في الخلايا السليمة. ويمكن تصحيح هذه العيوب عن طريق تعديل الخلايا جينيًا للتعبير عن النسخة الطبيعية للجين.
وجد الباحثون نتائج مماثلة في الخلايا التي بها طفرة في جين آخر هو الجين INAR1. وبينما ترتبط الطفرة IRF7 بكل من الإنترفيرون من النوع الأول والنوع الثالث، فإن التغييرات في الجين INAR1 تؤثر فقط في الإنترفيرون من النوع الأول. قاس الباحثون مستويات الإنترفيرون من النوع الأول في دم مرضاهم ووجدوا أن عشرة منهم لديهم مستويات منخفضة جدًا منه خلال المرحلة الحادة من الإصابة بكوفيد19-. وتشير كل هذه النتائج إلى دور مهم للإنترفيرون من النوع الأول في الاستجابة لكوفيد19-.
هذا ويقول الملا: “ما أدركناه هو أن العديد من حالات كوفيد19- الشديدة – الأشخاص الذين يُتوفون من جراء المرض – تحدث بسبب تغير في جينات الإنترفيرون التي تنتج إنترفيرون غير فعال”. وأحد الاستنتاجات المترتبة على ذلك هو أن إعطاء الإنترفيرون من النوع الأول قد يكون أداة علاجية مهمة في بعض مرضى كوفيد19-.
يهتم الملا أيضًا بالعوامل الأخرى إلى جانب العوامل الجينية التي تؤدي إلى نتائج كوفيد19-. فبالتعاون مع حمد علي، زميله في معهد دسمان للسكري، يتحرى الملا الصلة بين مستويات الغلوكوز في الدم للصائم وخطورة كوفيد19-. مرضى السكر أكثر عرضة للإصابة بالعدوى ومضاعفاته عموما، ويُربط مرض السكري بزيادة خطر الإصابة بأعراض كوفيد19- الشديدة.
حتى الآن، تنظر تحليلات الارتباط بين الاثنين إلى نسبة الغلوكوز في الدم إما على أساس فئات منفصلة (مثل أن يكون مرتفعًا أو منخفضًا على أساس عتبة معينة) أو كمتغير خطي Linear variable. كلا النهجين ينتجان تقديرات تقريبية قد تحجب معلومات مهمة. يعرض النهج الأول تغييرًا جذريًا عندما تتجاوز مستويات الغلوكوز الحد الأدنى، في حين يعامل النهج الثاني جميع التغييرات في مستويات الغلوكوز في الدم بشكل متساوٍ.
بإسقاط منحنى يتغير بسلاسة على العلاقة بين مستويات الغلوكوز في الدم ودخول المريض وحدة العناية المركزة من جراء إصابته بكوفيد19-، تلتقط الدراسة الجديدة الفروق الدقيقة التي لم ترصدها الطرق التحليلية السابقة. فقد أظهرت أنه حتى الزيادة الطفيفة في المعدل الطبيعي لنسبة غلوكوز دم الصائم ارتبطت بزيادة كبيرة في خطر دخول مرضى كوفيد19- وحدة العناية المركزة. قال علي: “لا يمكن التغاضي عن هذا الاختلاف إكلينيكيًا، وهو يؤكد على الحاجة إلى مراقبة مستويات الغلوكوز بصرامة عند إدخال المريض” قسم العناية المركزة.
افترض الباحثون أن الآلية التي تربط مستويات الغلوكوز بشدة الإصابة بكوفيد19- قد تتغير مع زيادة مستويات الغلوكوز، وتتحول من استقلاب الطاقة الذي يؤثر في تكاثر الفيروس عند مستويات منخفضة من الغلوكوز إلى التهاب مزمن يعطل الاستجابة المناعية عند المستويات الأعلى. بناءً على هذه التحليلات، أطلق الملا وعلي، مع محمد أبو فرحة وثامر العيسى، تجربة إكلينيكية لدواء بيوغليتازون Pioglitazone المستخدم لزيادة حساسية الإنسولين كعلاج لمرض كوفيد -19 المعتدل أو الشديد.
ويقول الملا الذي يتوق لرؤية مزيد من الأشخاص يشاركون في التجربة إن النتائج حتى الآن واعدة جدًا. وأضاف: “هذا تقدم هائل في معركتنا ضد كوفيد19-. نحن ننقذ حياة الناس”.

belowarticlecontent
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى