السكتة الدماغية هي حالة طبية مميتة ينقطع فيها إمداد الدماغ بالدم من جراء إصابة خطيرة في الأوعية الدموية، وهي حالة طبية طارئة تحتاج إلى العلاج في أسرع وقت ممكن للحد- قدر الإمكان- من الأضرار التي قد تلحق بالمريض.
قال المطيري: “السكتة الدماغية هي أحد أكثر أسباب الوفاة والعجز شيوعاً في العالم. يصاب نحو 16 مليون شخص سنوياً بالسكتات الدماغية، ويموت منهم ستة ملايين في حين يصاب ستةُ ملايين آخرون بعجز دائم. تفيد بيانات لمنظمة الصحة العالمية نُشرت في العام 2018 بأن الوفيات الناجمة عن السكتة الدماغية في الكويت بلغت 8.82 % من إجمالي الوفيات”.
في ضوء هـذه الإحصائيات أراد المطـيري أن يجمع فريقاً لصنـع جهاز تصوير قادر على الكشف عن هذه المخاطر الطبية في مراحلها الأولى من دون تعريض المريض لأي إشعاع ضار. نال المطيري درجة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية من جامعة جنوب فلــوريـدا University of South Florida في أوائل العام 1993، وحصل على منحة دراسية كاملة في العام نفسه من جامعة الكويت لإكمال دراساته العليا، فحصل على الماجستير والدكتوراه في الهندسة الكهربائية من جامعة فلوريدا University of Florida، مع التركيز على الاتصالات اللاسلكية.
تتميز مسيرته المهنية بتحقيق عديد من الإنجازات، أحدثها ما قدمه من خدمات لجامعته، جامعة الكويت، حيث شغل منصب نائب العميد للشؤون الأكاديمية في كلية الهندسة والبترول، ثم عميد القبول والتسجيل. وهو عضو بارز في معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات Institute of Electrical and Electronics Engineers الذي يُعَد جمعية مرموقة للمحترفين مقرها في نيوجيرسي بالولايات المتحدة الأمريكية، كما عمل محرراً ومُراجِعاً لعديد من الدوريات المتخصصة.
وأمام الحقائق المؤلمة المتمثلة في السكتات الدماغية ونقص المعدات الطبية، تمثلت رؤية المطيري في ضرورة إنشاء نظام تصوير محمول يعمل بالموجات الصغرية (الميكروية) يكون سريعاً نسبياً ومجدياً من حيث التكلفة، مقارنة بفحوص التصوير التقليدية الشائعة حالياً. ونظراً إلى أن جوهر المشروع يعتمد علـــى التصويـر بالموجات الصغرية، فقــد ضــم فريقه أفراداً مؤهلين اختيروا بعناية بنـــاءً على خـبرتهم الـبحثية ومنشـوراتـهم ذات الصلــة في مجال التصويـــر بالأشعة الصغرية. لكن الطريق إلى تحقيق هذا المشروع لم يكن سهلاً.
قال المطيري: “كان لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي دور رئيس في تحسين مقترح البحث من خلال عملية مراجعة صارمة”، مستذكرا التحديات الأولى التي واجهوها. كان الطريق لا يزال طويلاً أمام الفريق.
إن التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) والأشعة السينية والتصوير المقطعي المحوسب (CT) هي من بين الإجراءات الشائعة التي تُجرَى في إطار علاج السكتات الدماغية. لكن مع الأسف، فإنها قد تُعرِّض المرضى لمخاطر مختلفة فيما يواجهون بالفعل حالة طبية طارئة. قال المطيري: “إن العيوب الرئيسة للفحص بالأشعة المقطعية والتصوير بالأشعة السينية هي خطورة الإشعاعات نفسها”.
تتضمن قائمة مختصرةٌ من المخاطر المحتملة التي قد تؤدي إليها هذه الإجراءات التشخيصية النشاطَ الإشعاعي المؤين والسرطانَ، إلى جانب احتمال كبير لإعطاء تقرير سلبي زائف. يمكن للتصوير بالرنين المغناطيسي أن يكشف عن وجود مرض داخل جسم الإنسان، لكن الإجراء أغلى من الوسائل الأخرى وأقل فاعلية في حالات السكتات الدماغية. الموجات فوق الصوتية هي إجراء آخر شائع الاستخدام، وبينما تعمل بنحو أفضل مع أمراض معينة، فإنها غير قادرة على إعطاء صورة مثالية للمنطقة الممسوحة. ومن ثم، من أجل الحالات الطبية الطارئة مثل السكتة الدماغية، يحتاج الأمر إلى نظام تشخيص سريع وآمن ودقيق.
قال المطيري: “هناك طلب كبير من أجل حل المشكلات المذكورة آنفاً من خلال تطوير تقنية مدمجة ومتحركة يمكن استخدامها على المريض في الوقت الفعلي، إما في غرفة النوم أو في غرفة الطوارئ لمتابعة السكتة الدماغية. ونظراً إلى السمات الجذابة للإشعاعات غير المؤينة ولكونها أقل تكلفة ولا تسبب آثاراً جانبية، يمكن استخدام تقنية التصوير المقترحة في كثير من الأحيان للتعرف على السكتة الدماغية في رأس الإنسان في أي وقت، مما يجعلها تتفوق على أنظمة التصوير المستخدمة حالياً”.
يعمل نظام التصوير المقترح باستخدام نموذج أولي من الهوائيات ذات النطاق العريض توضع وفق نمط منتظم فوق رأس المريض. تتميز الإشارات المرسلة بواسطة هذه الهوائيات بحساسية أعلى للكشف عن المرض، وتُجمَع بواسطة جهاز إرسال واستقبال الموجات الصغرية، وهو متوافر تجارياً.
قـال المطيري: “تعتمد مراقبة السكتات الدماغية باستخدام نظام التصوير بالموجـات الصغرية علـى قياس الإشـارات المــيكروية التـي ينشرها رأس بشري مضــاء بالموجات الصغرية وتحليلها”.
يرسِل هوائي واحد في كل مرة الإشارات، في حين تستقبلها الهوائيات الأخرى. ثم تُحوَّل هذه الإشارات إلى بيانات رقمية تُعالج بعد ذلك وتُحلل لاكتشاف تجمُّع الدم المتكون في الدماغ من جراء السكتة الدماغية.
يخطط الفريق لإجراء عدة تجارب يضطلع خلالها، كما أوضح المطيري، “بمحاكاة عملية مراقبة السكتة الدماغية من بدايتها إلى الحالة المزمنة”. ستتابع عملية المراقبة هذه التجارب التي سيُستخدَم خلالها نظام التصوير عبر مراحل فسيولوجية مختلفة، وستُحدِّد نتيجتُها إمكانية النظر في إجراء تجارب إكلينيكية في سياقات واقعية. وحينما يُثبت النظام فاعليته في التجارب الإكلينيكية، سيكون عندئذٍ متاحاً للتطبيق في العيادات وسيارات الإسعاف لتوفير الرعاية والمتابعة للمرضى في مرحلة مبكرة.
ولأن المشروع لا يزال في مراحله الأولية، فإن أمام الباحثين طريقاً طويلاً قبل أن يتمكنوا من رؤية النتائج. لكن المطيري متفائل بتحقيق تقدُّم فيه، ويعرب في الوقت نفسه عن تقديره للتمويل الذي وفرته لهم مؤسسة الكويت للتقدم العلمي.
قال المطيري: “ستؤدي نتيجة المشروع إلى تسريع الطلب المتزايد على أنظمة التصوير، لعلاج معدل الوفيات المرتفع بسبب السكتة الدماغية. وفي ذلك دعم لأهداف مؤسسة الكويت للتقدم العلمي في تحفيز تقدم العلوم والتكنولوجيا والابتكار، وتشجيعها لفائدة المجتمع الكويتي والأبحاث والمشاريع في الكويت”. يأمل المطيري أن يسهم نجاح هذا المشروع في مساعدة من لا يستطيعون تحمُّل تكاليف العلاجات باهظة الثمن، ومن ثم المساعدة على تقليل عدد الوفيات الناجمة عن السكتة الدماغية في الكويت مع تعزيز النمو الاقتصادي للبلاد، وهو يأمل أن يلهم هذا المشروع مزيداً من الأبحاث في هذا المجال، وأن يوسع حدود القدرات التقنية المحلية.