في غرفة بهيجة الألوان تضج بالحياة في مركز الشيخ عبدالله السالم الثقافي، طُلب إلى مجموعة من الأطفال رسم ما يظنونه مفقودا في شوارع الكويت. امتلأت اللوحات التي رسموها بالأشجار والأزهار والدراجات وممرات الدراجات والحيوانات، وهذه كلها أشياء يندر أن نراها في المشهد الحضري للكويت. لكن ما العنصر الرئيس في جميع تلك الرسوم تقريبًا؟ نادرا ما يتلاقى الناس من دون سابق تخطيط في الأماكن العامة، وهم يسيرون فيها، أو يمارسون رياضة الجري.
قالت شريفة الشلفان، المهندسة المعمارية والمُعلِّمة: “لقد فتح الأمر عيوننا عن أمور غفلنا عنها؛ ما هذه إلا احتياجات أساسية أخبرنا الأطفال بحدسهم أننا نفتقدها”.
طوّرت الشلفان، بالاشتراك مع ألكسندرا غوميز Alexandra Gomes الزميلة الباحثة في كلية لندن للاقتصاد LSE ، وأسيل الرقم الأستاذة المشاركة في الهندسة المعمارية، وتانوشري أغاروال Tanushree Agarwal مستشارة التجديد الحضري في لندن، لعبة كويت-سكيْبس Kuwaitscapes، وهي عبارة عن لعبة بطاقات للتوعية بأهمية التخطيط الحضري السليم، وذلك من ضمن مخرجات مشروع بحثي، من أبحاث برنامج كلية لندن للاقتصاد – الكويت LSE Kuwait الذي تموله مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، بعنوان “الفضاء العام في الكويت: من سلوك المستخدم إلى رسم السياسات”.
تشجع كويت-سكيْبس التفكير المُحفَّز والخطاب الفاعل في التفكير حول الأماكن العامة في الكويت من خلال لعبة بطاقات ممتعة تتيح للأطفال والكبار – على حد سواء – فهم التحديات التي تواجه الأحياء السكنية والأماكن العامة في الكويت والفرص التي تنطوي عليها.
تطلب مشروع البحث أولاً تحديد الأنماط الحضرية في الكويت، وأبرزها الزحف العمراني، المتمثل في تطوير المشاريع العقارية مثل المباني السكنية والتجارية والطرق على أراض غير مطوَّرة بالقرب من المدينة، مع مجرد القليل من التخطيط الحضري الشامل أو في غيابه تمامًا. يتمثل الشكل الآخر من أشكال الامتداد العمراني الذي ينطبق على الكويت في “القفز” العمراني الذي يشير إلى عدم وجود ارتباطات بين الأحياء والتقسيمات الفرعية التي تفصلها أراضٍ غير مشمولة بمشاريع التطوير.
عزز الامتداد العمراني في الكويت الاعتماد على السيارات إلى حد كبير، وفق غوميز التي توضح أن ذلك عائد إلى الزحف العمراني وبنيته واتساعه والمسافات التي تبعد التجمعات العمرانية عن المركز وعدم توافر وسائل نقل عام بديلة عدا الحافلات.
وقالت أسيل الرقم إن “الأمراض المزمنة، مثل السكري و[ارتفاع] الكوليسترول، كلها تظهر في مدينة تعتمد على السيارات… كما أننا نعاني تلوث الهواء بسبب التخطيط الحضري الذي يعتمد على السيارات”.
إضافة إلى أن هذا يؤدي -وفق الرقم- إلى ندرة استخدام الأماكن العامة على نحو إيجابي؛ فتهمل الشوارع والمتنزهات العامة لأنها لا تُستخدم في أكثر الأحيان، وهذا بدوره يؤدي إلى وجود نقص شديد في الأماكن المناسبة للمشي.
قالت الشلفان إن التأثير السلبي الأقل وضوحًا هو أن ذلك كله ينعكس على نوعية الحياة. وأوضحت أن مستوى المعيشة يرتفع عندما نستطيع شراء سيارة أو منزل جميل “ويمكن رفع مستوى معيشتك إلى مستويات عالية، لكن إذا لم نصلح الشارع أمام منزلك، فستتأثر نوعية حياتك من جراء ذلك”.
إضافة إلى ذلك، في مدينة تعتمد على السيارات الخاصة للتنقل، ينتهي بنا الأمر أيضًا بمشكلة الازدحام المروري. وتقول الشلفان: “إن الانتظار في طوابير السير المزدحمة ليس بالأمر الممتع. فهناك الكثير من التوتر والانزعاج، وتفقدين وقتًا ثمينًا كان من الممكن أن تستخدميه على نحو منتج”.
هذه الأمور تحتاج إلى إيلائها مزيدًا من الاهتمام لأن تحسين نوعية الحياة – في رأي الشلفان – أمر ينبغي للجهات الحكومية المعنية أخذه بعين الاعتبار.
قالت الرقم: “عندما تستخدمين الأماكن العامة والشوارع والمتنزهات، تبدئين بفهم حالتها. إنها في حاجة ماسة إلى الصيانة. وإذا كنت لا تستخدمين الفضاءات العامة فلن تطالبي بتحسينها”.
في معظم الأحيان، يُستبعد الأطفال والوافدون في الكويت من النقاش الدائر حول مثل هذه الامور. قالت الرقم: “هناك الكثير من الأشخاص الذين يحتاجون إلى الأماكن العامة، لكن أصواتهم لا تصل إلى صناع القرار”.
ثم هناك مشكلة أخرى تتمثل في عدم الشعور بالأمان لدى السير في الشوارع أو حتى ركوب الحافلات، وفق الشلفان التي قالت إن الحافلة بالكاد تتوقف عند كل موقف مخصص لها، وفي معظم الأحيان يتعين عليكِ أن تقفزي منها وهي تتحرك، والسائق يقود بسرعة للوصول إلى أكبر عدد ممكن من المحطات.
وقالت غوميز: “في إحدى المرات، كنا نجري عملا ميدانيا وكادت تدهسنا سيارتان في اليوم نفسه؛ لأننا اضطررنا للسير في الشارع بدلاً من الرصيف بسبب عدم وجود أرصفة في بعض الطرقات أو لأنها استُخدمت لركن السيارات… عند المنعطفات على وجه الخصوص تكون الرؤية غير جيدة. لماذا سيختار الناس المشي إذا كانوا سيعرضون حياتهم أو حياة أبنائهم للخطر؟”.
يعتقد كثيرون أن سبب عدم ممارسة المشي في الكويت هو ارتفاع درجة الحرارة، لكن ما أوضحه الباحثون من خلال الدراسة هو أنه حتى عندما يكون الطقس مقبولاً فإن معظم الناس لا يستخدمون الأماكن العامة.
قالت غوميز: “لا نقول إن الطقس لا يؤثر لأنه يؤثر في أوقات درجات الحرارة القصوى… لكن في معظم أيام السنة يكون المشي في الخارج مقبولا ومريحا، ونظرًا لعدم جاهزية الأماكن العامة، ينتهي الأمر بالأشخاص إلى عدم استخدامها”.
ومع ذلك، قالت الشلفان هناك الكثير مما يمكن عمله لمحاولة خفض درجات الحرارة القصوى.
وأضافت: “يمكن استخدام مواد لا تشع حرارة واللجوء إلى التظليل والترطيب وزراعة المزيد من الأشجار في المناطق الحضرية. فهناك دراسات أظهرت أنه يمكن خفض الحرارة بمقدار 15 درجة سيليزية بتطبيق بعض هذه التغييرات”.
من خلال تحليل نتائج الدراسة، اكتشف الفريق أنه يتعين عليهم النظر في التصميم الحضري والتخطيط الحضري والسلوك الفردي. وقال الباحثون إن تطبيق بعض التغييرات المقترحة سيؤدي إلى إدخال أنماط قابلية حركة Mobility patterns أكثر مراعاة للبيئة.
قالت الشلفان عن استخدام السيارات للذهاب إلى الأسواق المركزية أو الحدائق المجاورة: “إذا أنشأنا مدينة مريحة للمشاة وراكبي الدراجات، فلن يحتاج الناس إلى ركوب سياراتهم لأداء هذه الأنشطة”.
ربما يشكل ذلك منطلقًا لتغيير تصورات الناس عن الشوارع والأماكن العامة. قالت أغاروال: “بسبب اعتماد المجتمع على السيارات، صارت وسيلة لتحقيق غاية. لكن يمكن تغيير المجتمع ككل بمجرد أن نحدث تحولا طفيفا في التفكير”.
يأمل الباحثون أن تؤدي هذه الأمور إلى مزيد من التفاعلات التلقائية مع الناس، وتحسين الصحة العقلية والرفاهية، وممارسة مزيد من التمارين في الخارج، وذلك من بين جملة من الأنشطة الأخرى.
قالت غوميز: “لولا مركز الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد وبرنامج كلية لندن للاقتصاد – الكويت ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي التي أتاحت لنا فرصة التواصل هذه، لما تسنى لنا أن نكون هنا اليوم. البرامج التي تمولها مؤسسة الكويت للتقدم العلمي مهمة حقًا وقيّمة عندما يتعلق الأمر بالبحث العلمي. وتمثل هذه الأبحاث قيمة مضافة لتطوير سياسات قائمة على الأدلة العلمية في الكويت. أعتقد أن عملنا هذا شهادة ملموسة على ذلك التعاون”.
بقلم ريهام العوضي
تصوير: باندلي زوبيري