فن

أفلام الفضاء والخيال العلمي

منى حسين

لم يكن المخرج الفرنسي (جورج ميليه) يدرك أن الفيلم الذي أخرجه عام 1902 بعنوان (رحلة إلى القمر) سيفتح الباب واسعاً أمام سلسلة من أفلام الخيال العلمي تسلط الضوء على تلك الرؤى والأفكار التي تحمل تصورات خاصة وحالمة عن المستقبل الذي سيحياه العالم بعد سنوات وعقود.
وحقق (ميليه) بذلك الفيلم الصامت – الذي يعد أول فيلم عرفه الفن السابع من أفلام الخيال العلمي – ما يمكن تسميته «فتحاً فنياً» في مجال السينما، حينما أطل على عالم الفضاء الواسع وعلى كائناته الغريبة ومركباته العجيبة، مستندا إلى رواية رائد الخيال العلمي في الأدب في نهاية القرن التاسع عشر جول فيرن (من الأرض إلى القمر) وقصة هربرت جورج ويلز (رجال القمر الأوائل).

وبعد نحو 110 سنوات من إنتاج ذلك الفيلم – الذي استمرت مدته 16 دقيقة فقط – تشهد الأفلام المعتمدة على الخيال العلمي إقبالاً لافتاً، وبصورة خاصة الأفلام التي تتطرق إلى موضوعات عن الفضاء، كما تشهد تقنيات الإخراج والإنتاج تطورات مذهلة بفضل استفادتها من القفزات الكبيرة التي يشهدها العلم في جميع مجالاته.
ويتضمن فيلم (رحلة إلى القمر) بعض العناصر التي وَسَمت أفلام الخيال العلمي اللاحقة بطابعها، وبصورة خاصة بناء الحكايات وفق منطق الصراع والحروب، لأن الفيلم يروي حكاية مجموعة من العلماء الذين استقلوا مركبة فضائية وهبطوا على سطح القمر، ودخلوا في معارك مع سكانه، ووقعوا في الأسر، ثم تمكنوا من الهرب وعادوا سالمين إلى الأرض.
وتلك المركبة اخترقت عين القمر وسببت له الأذى، كما يرجع الفضل إلى فيلم (رحلة إلى القمر) في جعل موضوع غزو الفضاء والعالم الخارجي مادة أساسية لأفلام الخيال العلمي.

تاريخ من الأفلام
وبعد ذلك الفيلم تتابعت سلسلة أفلام الفضاء والخيال العلمي، وتطورت تقنياتها، وتوسعت مجالاتها، فظهر عدد قليل من الأفلام في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، وأثارت مشاعر الجمهور في جميع أنحاء العالم، وأطلق عليها حينذاك مصطلح السينما المستقبلية ( futuristic cinema). ومن الأفلام المتميزة التي ظهرت في تلك الفترة فيلم (الشيء) عام 1936.
ثم شهدت أفلام الفضاء تطورات متسارعة في بداية الخمسينيات من القرن العشرين، فأخرج (روبرت وايس) فيلمه الرائع (يوم وقفت الأرض ولا تزال) عام 1951، الذي يتضمن هبوط مركبة فضائية أمام البيت الأبيض في واشنطن حاملة تحذيراً من (هيئة الحفاظ على سلام المَجرة) مفاده أنهم سيوقفون حركة الأرض ويدمرونها إذا لم تتوقف الحرب النووية الدائرة في الأرض.
ثم اتجه تفكير المخرجين في تلك الفترة إلى استعمال الصواريخ المجنحة التي تهبط على مدرج عادي تماماً كما المكوك الفضائي. ويعود أول ظهور لمكوك فضائي في السينما إلى عام 1953 في فيلم (القاعدة القمرية) حيث استعملت صواريخ ذات أجنحة لنقل الرواد ومعداتهم إلى محطة مدارية، استعداداً لإطلاقهم إلى القمر.
ثم ظهر فيلم (20 مليون ميل عن الأرض) عام 1957، و فيلم (آلة الزمن) 1961. وفيلم (جاؤوا من وراء الفضاء) عام 1967 الذي استعملت فيه المخلوقات الغريبة مكوكاً فضائياً لنقلها من الأرض إلى القمر وبالعكس. وفيلم (كوكب القردة) الذي حقق نجاحاً فنياً وتجارياً كبيراً، وتحول إثر ذلك إلى سلسلة سينمائية تضمنت أربعة أفلام أخرى، كما انبثق عنه مسلسلان تلفزيونيان في الولايات المتحدة. وهو فيلم يستند إلى رواية للمؤلف الفرنسي (بيير يوليه) صدرت عام 1963، ويؤكد مضمون رسالة الرواية المناهضة للحرب والأسلحة النووية والتعصب.
وفي عام 1968 أخرج «ستانلي كوبريك» فيلمه الشهير (أوديسا الفضاء:2001) الذي تميز بوصفه أفضل فيلم علمي خيالي أُنتج في الستينيات، إذ تميز بتأملاته الفلسفية وقوة تصوره لعالم الغد التكنولوجي. واستخدم في الفيلم نماذج صممها أبو الصواريخ فرنر فون براون.
ورسم المخرج (كوبريك) بذلك الفيلم طريقاً تبعته فيه كبريات الشركات السينمائية، واختط نهجاً سار وفقه عدد كبير من المخرجين الذين تبعوه، كما راح بعضهم يقلده في استعمال مركبات فضائية واقعية.
وكان (كوبريك) يتحرَّى في عمله – الذي صَنَّفه معهد الفيلم الأمريكي كأفضل فيلم خيال علمي في تاريخ السينما – كل الأسئلة حول البشريَّة منذ بدء الخليقة وحياة القرود على الأرض، حتى وصول الإنسان إلى الفَضَاء، وعن الأمور التي يمكن أن يجدها هُناك، وإلى أي حد من المعرفة وصلنا، لكن كوبريك كان
دقيقاً في إجابته عندما قال: (لا شيء).

حرب النجوم
في العقد التالي (السبعينيات) غابت فكرة المكوك الفضائي عن السينما، وبرزت على الشاشة الصغيرة في مسلسلات شهيرة مثل (ثندر بردز) الذي يقوم أبطاله بحماية الأرض بواسطة خمس مركبات فضائية إحداها مكوك فضائي ضخم.
وفي ذلك العقد أيضاً ظهرت السلسلة الشهيرة (حرب النجوم) وبالتحديد في عام 1977 للمخرج اللامع (جورج لوكاس) الذي أعاد البريق إلى أفلام الخيال العلمي، وذَهَبَ به إلى أقصى مَدى عَبر تلك السلسلة التي تتطرق إلى الصراع الكَوني الدائر في مجرةٍ أخرى، حيث يتم استلهام المبادئ البسيطة حول الخير والشّر ليتم من خلالها خلق عالم مُختلف عن كُل ما قُدّم في السينما مِن قبل.
وكل من تابع الجزء الثالث من (حرب النجوم) لاحظ الدور الكبير الذي باتت تؤديه التقنيات المعتمدة على الحواسيب باعتبارها صارت العنصر الرئيسي في الإنتاج السينمائي الجماهيري العالمي. وهذه التقنيات أتاحت للإنتاج الفيلمي، وبخاصة في مجال المؤثرات البصرية، حلولاً كانت تعجز عن تصورها مخيلات السينمائيين في عصر ما قبل الحاسوب، وهو ما يؤكد حقيقة أن السينما قامت بفضل العلم ونشأت وتطورت بفضل التقنيات، أي الإنجازات التي حققها العقل البشري.
وفي السبعينيات أيضاً ظهر المخرج اللامع (ستيفن سبيلبرغ) الذي أخرج عام 1975 فيلم (الفك المفترس)؛ ذلك الفيلم الذي غيَّر قواعد السينما التجارية عندما حَقَّق ما يقارب نصف مليار دولار، دافعا المُنتجين إلى تَبنّي المواهب الشابة والموافقة على ضخ أموال كبيرة لتنفيذ أفكارهم مهما بدت مَجنونة. وكان مشروع (سبيلبرغ) السينمائي يمثل رؤية مُغايرة لكل أفلام الخيال العلمي التي أتت قبله؛ فعند المخرجين الآخرين كان «الآخر» دائماً هو «العَدو» الذي أتى إما لإبادتِك أو احتلالَك. أما (سبيلبرغ)، فقد نظر للمسألة بشكل معاكس: ماذا لو كان «الآخر» يُريد اكتشافك ومصادقتك؟ ما هو حجم التطوُّر الحضاري الذي قد يحدث في حال تواصلنا مع «الآخرين»؟ وفي وقتٍ كان العالم يَتجه فيه نحو دعاوى السلام، كان جمهور السينما أكثر مَيلاً للاكتشافِ ورغبة في الدّهشة. ونَجح (سبيلبرغ) في الوصول إلى النجومية بفيلمه العلمي (لقاءات قريبة من النوع الثالث) الذي أخرجه عام 1977، وتحدث فيه عن طبق طائر هبط في منطقة من الأرض وأجرى لقاء مباشراً مع سكانها، قبل أن يتجاوز ذلك لما هو أبعد في الفيلم الشهير (إي.تي) الذي يتطرق فيه إلى مخلوق هبط من الفضاء إلى الأرض ليعلم الناس الحب والتسامح والسلام، على الرغم من منظره البشع. وتناول (سبيلبرغ) في الفيلمين فكرتين متقاربتين عن التصالح والتقبُّل وعدم الخوف من الآخر.

أفلام متميزة
وظهرت بعد ذلك أفلام مهمة عن الفضاء منها (أبولو 13) عام 1995، و(هجوم المريخ) عام 1996، و (العنصر الخامس) عام 1997، و(يوم الاستقلال) عام 1998، و(التصادم المدمر ) عام 1998، و(أرماجدون) عام 1998 الذي يتحدث عن نيزك يهدد بتدمير الارض، ويتم اكتشافه بعد أن تصيب أجزاء منه مكوك الفضاء وتقضي عن طاقمه وهم في مدار حول الارض إضافة إلى إصابة عدة مدن في العالم.
ومن الأفلام أيضاً (البقر في الفضاء) عام 2000 و(مهمة إلى المريخ) عام 2000، و(الكوكب الأحمر) عام 2000 ، و(يوم بعد غد) عام 2004 الذي يصور الشكل الذي سيواجهه الإنسان إذا ما استمر في تسببه في انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري.. ومن أحدث أفلام الفضاء فيلم (بروميثيوس) للمخرج (ريدلي سكوت) الذي أنتج عام 2012. وتقع أحداث الفيلم في أواخر القرن الحادي والعشرين، وتركز على طاقم سفينة الفضاء التي تسمى (بروميثيوس) الذين يقومون بتتبع خريطة نجوم اكتشفت بين القطع الأثرية لعدة حضارات قديمة على الأرض، لكنهم يكتشفون مفاجآت غريبة. >

belowarticlecontent
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى