آفاقُ الطاقة في الكويت

مع تقدُّم دولة الكويت نحوَ تحقيق أهداف الطاقة المستدامة، وتحديدِها محورَ الطاقة كأولوية وطنية، تُجدِّد مؤسسة الكويت للتقدم العلمي التزامَها بتعزيز البحث العلمي في هذا القطاع، ومن خلال التمويل الاستراتيجي للأبحاث في مجال الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة والسياسات العامة.

ومن بين الشباب الذين يقودون مثل هذه الأبحاث يقود هذه المبادرةَ يوسف العبد الله، الباحثُ العلمي في برنامج الطاقة المتجددة بمعهد الكويت للأبحاث العلمية. إذ تتعمق أبحاثُه في الطاقة وأنظمتها، إلى جانب إحصاءات الطاقة، ويُشرف على فريق من الباحثين والباحثين المشاركين في مشاريعَ مثلِ مشروع آفاق الطاقة في الكويت، بالإضافة إلى مشاريع أخرى في مجال الطاقة وأنظمة الطاقة. ويقدم عملُه الأخير رؤًى قيمةً حول آفاق الطاقة في الكويت، مع التركيز على الدور الذي لا غنى عنه للبحث العلمي في تطوير هذا القطاع الحيوي.


إذ تطمح الكويت إلى تحقيق هدف الطاقة المستدامة بتلبية %15 من الطلب المتوقع على الكهرباء في العام 2030 من خلال مصادر الطاقة المتجددة. غيرَ أن هذه المبادرةَ تتجاوز مجردَ توليد الطاقة؛ فجزءٌ من الخطة يقوم أيضًا على تطوير سياسات كفاءة الطاقة. ويشير العبدالله إلى ذلك قائلًا: «في أبحاثنا هذه نسعى إلى تحديد السياسات التي تُلبي احتياجات الطاقة لمختلف الخدمات/القطاعات مع سياسات تقليل استخدام الطاقة أيضًا».

ومع ذلك هناك تحديات كبيرة تعترض الطريقَ إلى الأمام. يقول العبدالله: «يُعَد توافر البيانات عائقًا رئيسًا. فالبيانات في الكويت تأتي من جهات متباينة ومن مختلف أصحاب المصلحة، مما يؤدي إلى مشهد مجزَّأ»، مُضيفًا: «إن إنشاء وحدة مركزية لإدارة عملية الحصول على البيانات ذات الصلة بالطاقة أمر ضروري». إن معالجة مثلِ هذه العقبات أمرٌ بالغ الأهميةِ لضمان بقاء الجهود البحثية مستنيرةً ومتوافقة مع خطط الكويت التنموية.

وتسعى الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية (GSSCPD) إلى معالجة هذه العوائق، وتعزيزِ المبادرات البحثية التي تنسجم مع الاستراتيجيات الوطنية لتعزيز مستقبل الطاقة في الكويت. إضافةً إلى ذلك تُقدم الأمانة العامة كثيرًا من الدعم في صياغة أدوات اتخاذ القرار، لإجراء تقييم شامل للوضع الحالي للطاقة في البلاد.

وعلى الرغم من التزام الكويت بالاستدامة، فإن نظام الدعم الحالي، ومع أنه مفيد للأسر، قد يؤدي إلى تفاقُم أعباء الانبعاثات عالميًّا. ومن ثم يتعين على الكويت أن تُظهر التزامَها المستمر بتعهداتها تجاه الاستدامة، وتحقيق التوازن المعقد بين الأولويات الوطنية والالتزامات الدولية.

يقول يوسف: «في الكويت ستشكلُ الأهداف والمستهدفات الواضحة والسياسات الداعمة مشهدَ الطاقة المستقبلي. وفي معهد الكويت للأبحاث العلمية نساهمُ في معالجة هذه التحديات من خلال إجراء الأبحاث التي تُطلِع صُناعَ القرار والجمهور على ممارسات الطاقة المستدامة بوجه عام».

وفي منطقةٍ تُشكِّل فيها ديناميكيات الطاقة المشاهدَ الجيوسياسية، تقف الكويت موقفًا رائدًا؛ إذ يوضح يوسف أنه «لم تقم أيٌّ من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى بمحاولة مماثلة. فنحن الأوائلُ في تطوير توقُّعات آفاق الطاقة الوطنية الشاملة في المنطقة، وتمكين الكفاءات الوطنية بالمهارات اللازمة للتعامل مع تعقيدات التنبؤ بمستقبل الطاقة».

وأشار العبدالله إلى حرص المعهد على تعزيز التعاونِ مع جهات بحثية عالمية، لدفع التقدم والابتكار في أبحاث الطاقة. ومن بين هذه الشراكات الجديرة بالذكر التعاونُ مع معهد أكسفورد لدراسات الطاقة(Oxford Institute for Energy Studies)، حيث كان لمنال الشهابي – وهي خبيرة اقتصادية تطبيقية متخصصة في الطاقة والاقتصاد والمناخ والاستدامة – دورٌ محوريٌّ في إعداد تقرير آفاق الطاقة في الكويت. بالإضافة إلى ذلك فإن التعاون مع تشارلي هيبس Charlie Heeps، مدير برنامج نمذجة الطاقة في معهد ستوكهولم للبيئة (Stockholm Environment Institute)، المشهور بعمله في منصة تحليل الانبعاثات المنخفضة (LEAP)، وكذلك مع الوكالة الدولية للطاقة (IEA)، قد ساهم في إثراء تقرير آفاق الطاقة في الكويت برؤًى جوهرية. وتؤكد مثلُ هذه التعاونات التزامَ المعهد بالتعاون العلمي الدولي وسعيَه إلى إجراء أبحاث متطورة في قطاع الطاقة.

كشف تقرير آفاق الطاقة في الكويت عن فرص وتحديات كبيرة في مجال تنمية الطاقة المستدامة. ويكمن أحد الآفاق الرئيسة في مجال الطاقة المتجددة، حيث تتمتع الكويت بإمكانات كبيرة. وتشير الدراسات إلى أن نظام الطاقة في الكويت يمكن أن يستوعب – حاليًا – بسهولة ما يصل إلى %60 من مصادر الطاقة المتجددة، مع توقُّع قدرة أكبر في المستقبل. ويتواصل تعزيزُ هذا المسار من خلال التقنيات الناشئة، مثل أنظمةِ الشبكة الذكية وآليات التحكُّم المتقدمة، والتي تَعِد بمواصلة تعزيز التكامل المتجدد.

إضافةً إلى ذلك تبرز كفاءةُ الطاقة كوسيلة حاسمة لخفض الطلب الإجمالي على الطاقة. وتقدِّم مبادراتٌ مثل الورقة البيضاء حول تبريد المناطق، التي أعدتها مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، حلولاً عملية للحد من استهلاك الكهرباء. ومع ذلك من المهم أن ندرك أن الطلب على الطاقة يشمل أكثر من مجرد الكهرباء؛ ويمتد إلى المنتجات النفطية، وخاصة في مجال النقل. ولمعالجة هذه المشكلة يوصي تقريرُ آفاق الطاقة في الكويت بإعطاء الأولوية لتدابير الكفاءة في قطاعات مثل النقل، حيث تُمثل حلولُ النقل الجماعي المسار الأكثر وعدًا. ويقول يوسف: «إن إعادة النظر في خيارات مثل شبكة المترو وأنظمة الترام، يمكن أن تخفف بقدر كبير من الطلب على الطاقة من قِبل وسائل النقل، مما يساهم في تقدم الكويت نحو تحقيق أهدافها للطاقة المستدامة».
وكان لفريق تقرير آفاق الطاقة في الكويت دورٌ فعال في تعزيز التوعية العامة من خلال تنظيمِ الفعاليات والندوات لنشر نتائج التقرير. إذ يدركون الحاجة إلى مزيد من التحسين في هذا المجال، ويخططون لإقامة مزيد من الفعاليات في المستقبل.

ويؤكد العبدالله على أهمية دعم مؤسسة الكويت للتقدم العلمي لمساعٍ مثل تقرير آفاق الطاقة في الكويت 2023، مشددًا على الدور المحوري للأبحاث في تشكيل هذا الاتجاه. ويقدم هذا التقرير وجهات نظر حيويةً حول مسار الطاقة في البلاد. وتضع مثلُ هذه الدراسات الأساس لاتخاذ قرارات مستنيرة وللاستشراف الاستراتيجي. ومن خلال رعاية الباحثين الوطنيين واستضافة الخبرات الدولية، تُقدم مؤسسة الكويت للتقدم العلمي للكويت خدمة لا تُقدَّر بثمن، مما يتيحُ اكتشاف حلولٍ للمشكلات المعقدة التي تواجه الوطن.

في قطاع الطاقة تقف الكويت على مفترق طرق، وهو منعطف يتقاطع فيه البحث العلمي مع التطلعات الوطنية. ومع وجود باحثين متحمسين مثل يوسف العبدالله يقودون التغيير، فإن الكويت مستعدة للتنقل في هذا المشهد بثقة وعزم.

بقلم: ماجد المنيفي Majed Al Munefi

Exit mobile version