من الرياضيات إلى الريادة في أبحاث النمذجة البحرية
بقلم إيما ستينهاوس
من إنشاء خوارزميات يمكنها توقع ابيضاض المرجان إلى توفير بيانات تساعد على منع الفيضانات الساحلية، يبني إبراهيم حطيط إرثًا في العديد من المجالات المختلفة لعلوم البحار والأرض. ومع الكثير من العمل المتبقي على جدول أعماله، يبدو أن تأثيره في المضمار لن يتوقف في وقت قريب.
يقول حطيط عن فوزه بجائزة الكويت في مجال العلوم الأساسية (علوم الأرض) لعام 2020 التي تمنحها مؤسسة الكويت للتقدم العلمي (كيفاس) إنه”مصدر سعادة كبيرة وشرف أعتز به”. مُنحت له الجائزة تقديرًا لأبحاثه الرائدة في مجال المناخ والنمذجة البحرية إلى جانب ابتكار تقنيات جديدة مفيدة لاستخدامها في جميع أنحاء العالم.
فأستاذ علوم الأرض والهندسة في جامعة الملك عبد الله للعلوم التقنية في المملكة العربية السعودية هو في موقع مثالي لدراسة مجال اهتمامه الرئيسي، ألا وهو البحر الأحمر.
وُلِد حطيط في العاصمة اللبنانية بيروت عام 1974، وكان من الطبيعي أن يدرس الرياضيات لأن هذا العلم كما يقول “يسري في شرايين العائلة، كما أنني كنت دائمًا بارعًا في الرياضيات”. وعلى خطى العديد من أفراد أسرته، سافر إلى فرنسا حيث حصل في عام 2002 على درجة الدكتوراه في الرياضيات التطبيقية من جامعة جوزيف فورييه Université Joseph–Fourier في غرونوبل. ولكن، كيف انتهى المطاف بعالم رياضيات على الجبهة الأمامية لأبحاث النمذجة البحرية؟
خلال دراسة الماجستير في جامعة جوزيف فورييه كذلك، انبهر حطيط بنظام المحيط الذي درسه من أجل أطروحته. وعندما بدأ بدراسته لنيل شهادة الدكتوراه، أجرى أبحاثًا حول المحيطات باستخدام النمذجة المتقدمة، جنبًا إلى جنب مع بيانات مثل صور الأقمار الاصطناعية وقياسات المحيطات التي كانت ما زالت نسبيًا مجالًا جديدًا. ومع توفر مزيد من البيانات، بدا أن اهتمام حطيط بدراسة البيئة البحرية يزداد ويرسخ. بدأ بإنشاء أنظمة النمذجة البحرية المصممة خصيصًا لدراسة المناخ والبيئة ومساعدة العلماء والحكومة وقادة القطاع على تكوين فهم أفضل لمنطقة البحر الأحمر ودورها في المناخ العالمي. فأبحاثه مهمة حاليًا في المساعدة على اتخاذ القرارات المتعلقة بالتنمية وصنع السياسات البيئية والحماية من ارتفاع مستوى سطح البحر.
تتضمن النمذجة البحرية جمع البيانات بالاستشعار عن بعد، إضافة إلى البيانات المأخوذة من عينات داخل المنطقة نفسها واستخدامها لإنشاء نمذجة رياضية تحاكي مُعلِّمات محددة، بما في ذلك الملوحة وارتفاعات الموج وسرعات الرياح ودرجات حرارة سطح البحر بفضل أجهزة الحوسبة الفائقة. يمكن بعد ذلك استخدامها للتنبؤ بمناخ مناطق معينة ودوران المحيط فيها ولفهم الدوران العام للمحيط وتقلب المناخ وكذلك صحة محيطاتنا وإنتاجيتها. يمكن أيضًا استخدام النمذجات لرسم خريطة المسار الذي قد يسلكه تسرب نفطي أو الكيفية التي ينتشر وفقها التلوث عبر المحيط والغلاف الجوي. هذا يسمح لنا بحماية مواردنا الطبيعية والحفاظ عليها بشكل أفضل.
يواصل حطيط نشر أبحاثه الرائدة، وله في رصيده أكثر من 250 ورقة علمية منشورة في مجلات علمية تخضع لمراجعة الأقران. وينصب تركيزه الأساسي على المحيطات ودوامات المياه في البحر الأحمر والاستشعار عن بعد وتطوير تقنيات جديدة في مجال تمثيل البيانات المتعلقة بالتطبيقات البيئية.
تضمن عمله الأخير إنشاء نمذجة مناخية للبحر الأحمر تساعد على الكشف عن رؤى جديدة حول وظيفته وتوفير البيانات الضرورية لخطط التنمية المستدامة على طول شواطئه. طور حطيط وفريقه أولى عمليات إعادة التحليل الإقليمية عالية الدقة، مما ساعد على دفع الاكتشافات قدمًا، بما في ذلك على سبيل المثال الكيفية التي تشكل وفقها الرياح الموسمية الهندية الدورة المحيطية داخل البحر الأحمر. كما تُستخدم بياناته للمساعدة على تحديد موضع وتصميم الجدران البحرية للمساعدة على حماية التنمية على طول ساحل البحر الأحمر، ولا سيما مدينة الملك عبد الله الاقتصادية. كما شارك في أبحاث تساعدنا على تحسين فهمنا لاستجابة البحر الأحمر لتقلبات المناخ وتحديد دورة واضحة لدرجات حرارة سطح البحر تشير إلى أن درجات حرارة البحر الأحمر يجب أن تبدأ بالانخفاض خلال بضعة عقود قادمة. وهي أخبار جيدة لهذا النظام البيئي الهش الذي يعد واحدًا من أكثر المحيطات دفئًا.
وفيما يتعلق بالمستقبل، حدد حطيط هدفًا له تمثل في مواصلة دراسة منطقة البحر الأحمر وشبه الجزيرة العربية ولاسيما دورهما في المناخ العالمي. يقول: “أنا متحمس جدًا لتوسيع نظام النمذجة لدينا ليشمل أيضا الخليج العربي الذي سنستكشفه حاليا بمزيد من التفصيل”.
وعليه، سيُدفع نظام النمذجة الحالي إلى أبعد مما بلغه بهدف بناء ’توأم رقمي’ لبيئة شبه الجزيرة العربية. يقول عنه حطيط إنه “سيساعدنا على تكوين فهم أفضل لتغيراتها ولتأثير المناخ العالمي على منطقتنا”.
لا يوفر عمل حطيط بيانات ينهل منها المجتمع العلمي فحسب، بل هو أداة حيوية للحكومات وصناع القرار في المنطقة. وتوفر النتائج التي توصل إليها “معلومات نحن بأمس الحاجة إليها ليس فقط للحفاظ على المنطقة، ولكن أيضًا لتحسينها”.