الطب وصحة

مريض الخرف دليل عملي للرعاية والتمكين

د. عبدالله بدران

ثمة مشكلات عديدة يواجهها كبار السن في المجتمعات المتقدمة والنامية تتطلب متابعة حثيثة واهتماما خاصا ورعاية مكثفة، فضلا عن تعاون بين جهات عدة، للتغلب عليها، والقضاء على مسبباتها، أو الحد من استفحالها وانتشارها، أو لوقف تداعياتها. ولعل من أهم هذه المشكلات ما يعانيه أبناء تلك الشريحة العمرية من أمراض مزمنة بسبب التقدم في السن، تستلزم من المحيطين بهم رعاية مستمرة ووعيا معرفيا بطرق التعامل معهم وتمكينهم من الحياة بصورة مناسبة، وتوفير المعيشة الكريمة لهم.

ومن تلك الأمراض التي تصيب كبار السن مرض الخرف الذي تُصاحبه أعراض تزداد سوءاً بمرور الزمن ، فيما تمثل كل حالة مرضية حالة منفردة يصعب تعميمها على الجميع والتكهن بمسارها. وهذا المرض يبدأ عادة بالنسيان وتدهور القدرات المعرفية، ثم يظهر في صورة فقدان القدرة على التذكر بصورة متكررة مع تغير السمات الشخصية بشكل ملحوظ، ثم يظهر المرض في صورة إصابة المريض باضطرابات سلوكية ولغوية، لا يلحظها المريض عادة ، لكنها تسبب عبئاً كبيراً على المحيطين به.
ويحدث الخرف بسبب مجموعة من الأمراض والإصابات التي تُلحق الأذى بالدماغ في المقام الأول، مثل مرض ألزهايمر (يعرف بين العامة بالخرف المبكر)، أو السكتة الدماغية. ومن الأشكال الرئيسية الأخرى الخرف الوعائي، والخرف الناجم عن تنكس الفص الجبهي من الدماغ. وللخرف آثار اجتماعية واقتصادية كبيرة مؤثرة من حيث التكاليف الطبية والاجتماعية وتكاليف الرعاية غير الرسمية، وهذا ما يستدعي الحد من تطور هذا المرض بتقديم طرق العلاج المناسبة.

دليل عملي
وللتعامل مع مرضى الخرف، و توجيه المحيطين بمرضاه وإرشادهم حول التعامل معهم، نشر المركز العربي لتأليف وترجمة العلوم الصحية (أكملز) – مقره الكويت – كتابا بعنوان (الدليل العملي لرعاية مريض الخرف)، قدم له كل من الأمين العام للمركز الدكتور عبد الرحمن العوضي والأمين العام المساعد الدكتور يعقوب الشراح بمعلومات عامة عن الخرف وأولويات الصحة العامة المتعلقة به.
وتضمن الدليل تسعة فصول تناولت مفهوم المرض وكيفية التعامل مع المرضى، ومشاعر المرضى والراعين لهم، والبيئة المناسبة للرعاية وكيفية التمكين المناسب لهم.
ويستند العمل في الدليل إلى التوجه الحالي المتبع من قبل الباحثين والمهتمين بتوفير الرعاية الصحية والحياتية لمرضى الخرف الذي من شأنه التركيز على الجانب الإنساني للمريض، وتعزيز الأسلوب المعتمد على الشخص، وليس صحة المريض فقط. ويستهدف إبراز واقع العمل في مجال الرعاية الصحية لمرضى الخرف، ومدى إمكانية إدراج النظريات الحديثة والمبادئ الفلسفية التي تدعم الجانب الإنساني للمريض وجعل آدمية الفرد محور العلاج، عوضاً عن التركيز على الجانب الصحي فقط وكيفية دمجها في الممارسات العملية الحالية للمعنيين برعاية مريض الخرف، وفق ما ذكره معدا الدليل غاري موريس وجاك موريس.
ويسعى الدليل إلى التعريف بالبيئة المحيطة بالمريض والصعوبات أو المحددات التي قد تواجهه. والابتعاد عن طرح نظريات جامدة وطرائق مثالية لا تصلح للتطبيق في الواقع العملي، معززاً فكرة أن الحل الأمثل هو (الحل الأنسب) كسبيل لحل المشكلات متماشياً مع ما يعكسه واقع المريض.

العلاقة بين المريض والقيمين
يركز الدليل على نوعية العلاقة بين مريض الخرف والعاملين في مجال الرعاية الصحية الخاصة به وكيفية المحافظة على جودتها ودوامها. وبناءً على ذلك تم وضع العديد من الممارسات والنشاطات التي تشكل تحدياً لبعض ورشات تمكين المريض ولاسيما ما يندرج تحت مفهوم الترابط والتشارك. ويتجلى ذلك بمدى إمكانية الربط بين الأطراف الثلاثة المهمة في دائرة الرعاية الصحية: الذات (القارئ)، والشخص المصاب بالخرف، وبيئة الرعاية المحيطة. وتعتمد العلاقة بين المسؤول عن تقديم الرعاية ومريض الخرف على تفاعل مستمر بين الطرفين، وجودة هذه العلاقة تعتمد على منظور كلا الطرفين لطبيعة التأثر القائم، ويحدد المختص ذلك وفقاً لدرجة رضا المريض ومدى استجابته. وبحسب من يرعاه ومدى تفهمه لمرض الخرف وما يطرأ عليه من أعراض، كذلك بالنسبة للفرد الذي يعاني الخرف فهذا يعني له مدى إحساسه بالخدمة المقدمة له ومدى تفهم مقدم الخدمة لحاجاته.
ويتميز الدليل باحتوائه على العديد على الأسئلة والنشاطات والتمارين السلوكية التي تستهدف تعزيز كل فكرة ونظرية مطروحة في مجال رعاية مرضى الخرف. ويقول المعدان : إن التمارين المطروحة تركز على الطرق والمنهجيات التعليمية التي تم تجربتها خلال غرف الدراسة والعيادات النفسية، بحيث من الممكن استخدامها لأعراض تعليمية بحتة أو من خلال البرامج التدريبية لطواقم رعاية المسنين. ومن ذلك المصادر والهيكليات الأساسية والطرق المتبعة، والتدريبات والتمارين السلوكية لتعزيز التوجهات والأساليب والمناهج المختلفة في رعاية المسنين، ولاسيما مرضى الخرف.

رحلة عبر المرض
يرى الدليل أن المرحلة الأولية بعد التشخيص بمرض الخرف تمثل صدمة شديدة للمريض، إلا أنها سرعان ما تصبح مرحلة للتأمل والتفكير العميق بما سيؤول إليه الوضع لاحقاً، وما التجهيزات ونوع الحياة المناسبة له والخطط المستقبلية. في حين يعتبرها بعض الأشخاص مرحلة للشروع برحلة أو مغامرة نحو المجهول.
يعتبر الانتحار من أخطر الآثار الجانبية لمرض الخرف بين المسنين، حيث يعتبر الخرف من عوامل الاختطار لحدوث الانتحار بين المسنين، وبخاصة في المراحل الأولية من المرض، حين يكون المريض مازال متمتعاً بالبصيرة والقدرة على التخطيط والتنفيذ. ويقل هذا الخطر في المراحل المتقدمة، حين تتلاشى معظم القدرات الذهنية والمقدرة على التخطيط والعمل وفقاً لما هو مخطط له، أو مع وجود مكثف لأفراد العائلة أو المشرفين في دار الرعاية.
وبناء على ذلك يجب ألا نفترض مبدأ التكيف مع المرض لمعظم المرضى، كما يجب توفير جميع سبل التواصل بين الطرفين (مهنيو الرعاية والمرضى)، وأن نسمع لمكنوناتهم وما يعصف بداخلهم، ومن ثم اختيار وتنفيذ ما يناسب رعايتهم ودعمهم.

جودة الرعاية
يركز الدليل على الأثر المهم لإيجاد مساحة شخصية للمريض تعمل على رفع مستوى الرفاهية والكرامة له والشعور بجودة العيش، فمن المؤكد وجود اختلافات جذرية بين مريض يعيش في منزله (مساحته) ومريض يعيش في دار للرعاية (مساحتنا). وتختلف وفقا لذلك طرق العلاج والسلوك، وحتى مستوى تدهور الحالة الصحية. ومن المهم أيضا معرفة كيفية تلبية حاجات المريض الكلية ضمن بيئة معينة، ويتضمن ذلك طبيعة التواصل الاجتماعي المطروح، أو إجمالي المساحة الحياتية المخصصة.
ومن المهم لرعاية مريض الخرف استخدام أسلوب يرتكز على الشخص، مع الأخذ بعين الاعتبار ذات الشخص كمفهوم موحد بين جوهره وجسده المريض ككل، فالمريض عبارة عن خبرات وتجارب فردية سابقة. ينظر هذا الأسلوب إلى المريض بصورة فردية تميزه عن غيره. مصوراً ذلك برغبة مريض الخرف في إبقاء مساحة للرعاية شخصية لا يدخل إليها أحد سواه ومن موكل برعايته. يتصف هذا الأسلوب بإبقاء الممارس والمختص في حالة تيقظ ورصد لشخصية المريض مهما كانت الأقنعة التي يلبسها، والعمل على تلبية حاجات المريض الحقيقية، وليس بناءً على افتراضات بأن هذا هو النشاط أو العمل الأنسب للمريض.
ويشجع الدليل على عملية الاندماج / الارتباط بين المريض والمعالج عن طريق تطوير سبل التواصل لديهم، وأن يدرك المختص أن الأسلوب المتبع في الرعاية غير معصوم عن الخطأ، ويجب التغيير إن حدثت آثار سلبية. وتوجد دائما صعوبات في تطبيق المنهجيات والأساليب كحالة المريض الصحية والبيئة المحيطة. وتتطلب عملية الارتباط أو الاندماج أحيانا استخدام أساليب خاصة من شأنها مساعدة المريض ودعمه، مثل التعاطف (التقمص العاطفي) والمصداقية.

belowarticlecontent
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى