ريتشارد تالكوت
إذا كانت رؤية سديم الجبار وحشد نجوم الثريا عبر منظار فلكي تطلق رعشة في جسدك، فلربما لأنك تشعر حينها بمتعة الاتصال بالكون. وقد نقّب علماء الفلك في مجرة درب التبانة ضمن مسافة تقرب من ستة آلاف و500 سنة ضوئية من الأرض، ولم يجدوا أجساماً أخرى غير الجبار والثريا تفوقهما شبهاً بالمرحلتين الأولى والثانية من مراحل تطور النظام الشمسي اللتين تمتدان حتى 100 مليون سنة بعد ولادته. ورسم تسارع وتيرة الاكتشافات العلمية والأرصاد الحديثة صورة جديدة لنشوء الشمس وكواكبها في سديم ممتلئ بالنجوم التي انفجر أحدها على مسافة سنة ضوئية واحدة من شمسنا الفتية. وباختصار، لقد ولدت شمسنا في حاضنة نجمية مثل سديم الجبار، وترعرعت ضمن حشد نجمي مثل عنقود الثريا.
تتشكل جميع النجوم من غبار وغازات تنتشر عبر الفضاء بصورة سحب وسدم. بدأت قصة الشمس في إحدى هذه السدم بالتحام ذرات الغاز بعضها ببعض لتشكل جزيئات ضمن سحب جزيئية كبيرة. يبدأ تشكل النجم مع بدء عملية انكماش هذه السحابة بفعل موجة صدم قوية قادمة من انفجار نجمي، أو رياح شمسية قوية من نجم قريب. ومهما يكن السبب، فإن السحب ستتكثف إلى درجة تبدأ معها قوة الجذب الثقالي بالتغلب على الضغط الداخلي لحركة الغاز.
ولمدة ربما تزيد على مليون سنة، تتواصل عملية الانهيار الثقالي إلى أن تنتهي السحابة الأولية إلى آلاف الكتل المفردة، مآل كل منها أن يصير نجماً.
وعلى الرغم من ضياع آثار الحادثة التي أطلقت عملية انهيار السحابة الجزيئية الأم، فإننا استطعنا تحديد عدد كبير من خصائصها والحشد النجمي الوليد، وحوادث أخرى رافقتها.
شمسٌ مميزة
تبدو الشمس كنجم غير عادي، لكن دون أن يكون نادراً أيضاً؛ فهي تتمتع بصفات مهمة تميزها عن نجوم أخرى: أولاً؛ غياب القرين النجمي، وهي حالة يتمتع بها فقط ثلث النجوم الشبيهة بالشمس. وثانياً؛ هناك الحجم الكبير نسبياً للشمس. وثالثاً؛ تلك النسبة المرتفعة من العناصر المعدنية الثقيلة فيها.
وسوى ذلك، فهي تحتضن نظاماً منضبطاً من الكواكب يتكون من أربعة كواكب غازية كبيرة في أطرافه الخارجية، وأربعة صخرية صغيرة في أطرافه الداخلية، وهذه بنية لم نجد بعد نظاماً يماثلها. ومع صفات كهذه، سنرى أن احتمال نشوء نجم شبيه بالشمس يبلغ نحو 0.2 %، وهو أمر ربما يبدو رقماً ضئيلاً.
لكن إذا تذكرنا أن مجرة درب التبانة تحوي نحو 200 مليار نجم فسندرك أن الشمس تشارك 400 مليون نجم آخر تقريباً في المجرة هذه الخصائص.
حياةٌ في حشد وفير
تضم منطقة الجوار الشمسي التي تمتد إلى مسافة 6500 سنة ضوئية تقريباً حولها كثيراً من مناطق ولادة النجوم التي تتمتع بإمكانية بناء شموس كثيرة، وحفنة فقط من السحب الصغيرة المنعزلة القادرة على صنع نجم مفرد.
يدعو علماء الفلك السحابة المنهارة ثقالياً التي صارت نظامنا الشمسي باسم (السديم الشمسي). ومع بدء هذا السديم بالانكماش، كان عليه أن يدوّم بسرعة أعلى كي يحفظ زخمه الزاوّي. ونتيجة لذلك، تمددت سحابة الغاز والغبار بصورة قرص بدائي أحاط بالشمس الوليدة. وفي آخر الأمر، أدت الاصطدامات العديدة بين عناصر القرص إلى تكوّن كواكب وأجسام أخرى في عملية تواصلت 10 ملايين سنة تقريباً. وفي هذه الحقبة، مضت الشمس في تطورها، وامتازت بنشاط سطحي عنيف ورياح شمسية قوية.
وتطور الجزء الداخلي من القرص إلى 8 كواكب رئيسية دارت جميعها في المستوى ذاته تقريباً ضمن مدارات شبه دائرية، وهو انتظام لا يرى في معظم منظومات الكواكب خارج النظام الشمسي. يمتد هذا الوسط الهادئ نسبياً إلى مسافة 30 وحدة فلكية تقريباً حيث كوكب نبتون. لكن الصورة تبدو أكثر اضطراباً خارج مدار نبتون في منطقة تعرف باسم حزام كويبر Kuiper Belt وتمتد من مسافة 30 إلى 50 وحدة فلكية. يقدّر عدد أجسام هذا الحزام بمئة ألف تقريباً – أحدها هو الكوكب القزم بلوتو تدور في مدارات أكثر شذوذاً وأكثر ميلاً على مستوى مدارات كواكب النظام الرئيسية.
التمعن في عنقود الولادة
توحي المدارات المنتظمة للكواكب ضمن مسافة 30 وحدة فلكية بعدم تعرض النظام الشمسي إلى مواجهة قريبة مع نجم آخر منذ زمن تشكل كواكبه العملاقة. بينت نماذج المحاكاة الحاسوبية أن مسافة الأمان هي 225 وحدة فلكية؛ وباقتراب نجم ما إلى مسافة دونها، فستضطرب مدارات الكواكب العملاقة. وقد وجد العلماء في تباعد المسافات هذا أن نظامنا الشمسي كان قد تشكل ضمن حشد نجمي لا يزيد عدد أعضائه على عشرة آلاف نجم.
ويشير غياب الأجسام الكبيرة خارج مدار نبتون إلى احتمال حدوث مواجهات قريبة في حقبة السديم الشمسي. وإذا غامر نجم آخر بالدخول إلى مسافة تقل عن 90 وحدة فلكية قبل تشكل الكواكب العملاقة، فسينتزع بعضاً من مادة السديم الشمسي ضمن مسافة 30 وحدة فلكية، وبذلك كانت فرص نظامنا الشمسي في البقاء جيدة.
ويعتقد بعض علماء الفلك أن وجود سدنا Sedna ذلك الجسم الغريب في أعماق نظامنا الشمسي يحد من عديد السنوات الأولى أيضاً للشمس. يمضي هذا الكوكب القزم في مدار بالغ الشذوذ ينجزه في مدة 12 ألف سنة، ويرتحل فيه من نقطة حضيض قدرها 75 وحدة فلكية إلى نقطة أوج قدرها ألف وحدة فلكية.
وأظهرت الدراسات أن مواجهة بين الشمس ونجم آخر يمكن لها أن تغير مدار Sedna المنتظم السابق. ومن أجل حدوث لقاء كهذا، سيكون على النظام الشمسي أن يوجد ضمن عنقود نجمي يضم ألف نجم على الأقل طوال 100 مليون سنة تقريباً. وهذه مواجهة لا بد أنها أدت إلى تبادل في كثير من توابع الشمس والنجوم الأخرى في الحشد.
إن ولادة الشمس ضمن حشد نجمي كبير تعني أيضاً التشارك في الفضاء مع نجوم هائلة الحجم تصدر أشعة فوق بنفسجية بالغة الشدة. وفي حشد نجمي معقد يضم نحو 10 آلاف نجم أو أكثر يمكن لهذه الأشعة القوية أن ترفع حرارة السديم بما يكفي لبدء تبخر الغاز عند أطرافه الخارجية ومنع تشكل الكواكب البعيدة. وهكذا فإن وجود الكواكب العملاقة يشير إلى وجود عناقيد نجمية أصغر حجماً في بيئة أقل عدائية في مراحل النظام الشمسي الأولى.
انفجارٌ سمعه الكون
قدمت النجوم الجسيمة التي وجدت في العنقود النجمي، حيث ولدت الشمس، عرضاً نارياً مازالت أصداؤه تتردد. تظهر الأحجار النيزكية، التي ترجع زمناً إلى بداية النظام الشمسي، وجوداً لعدة نظائر isotopes، ربما تشكلت بفعل تحلل عناصر إشعاعية قصيرة العمر. وربما كان أفضل مثال لها هو عنصر النيكل- 60، الذي يدعى بالناتج الابن لعنصر الحديد- 60.
وللعنصر الأخير هذا نصف عمر يبلغ 1.5 مليون سنة فقط، لذا فإن وجود ابنه في الأحجار النيزكية يعني أن الحديد كان يجب الحصول عليه من مصدر قريب في أيام النظام الشمسي الأولى. تصنع النجوم العملاقة عنصر الحديد- 60 في نهاية عمرها القصير ثم تقذفه خارجاً عندما تنفجر بصورة مستعرات فائقة (سوبرنوفا).
وتوحي الوفرة الكبيرة لعنصر الحديد وعناصر إشعاعية أخرى في الأحجار النيزكية أن انفجار المستعرات الفائقة قد أتلف نجماً بدأ حياته بكتلة تقرب من 25 كتلة شمسية. وكان لابد لانفجار المستعرات الفائقة أن يكون قريباً بما يكفي من السديم الشمسي لإعطائه النظائر المشاهدة فيه، وبعيداً بما يكفي لعدم نزع مادة القرص ضمن مسافة 30 وحدة فلكية من الشمس. وأيضاً، فالانفجار يجب أن يكون مناسباً تماماً من حيث التوقيت.
إن نجماً له 25 كتلة شمسية يحيا مدة 7.5 مليون سنة تقريباً قبل انفجاره كـمستعر فائق. ومع أن هذا يتناسب ومدة حياة السديم الشمسي البالغة 10 ملايين سنة، فإن النجم الجسيم لم يمض كامل حياته في جوار الشمس لأن إشعاعه فوق البنفسجي سيجرد السديم من أطرافه الخارجية. ويرجح العلماء أن النجم الجسيم مكث قرب مركز الحشد النجمي في حين كان النظام الشمسي الفتي يدور في مسار متطاول جاء به قريباً مع لحظة انفجار النجم تماماً.
وبعد انفجار المستعر الفائق بعدة ملايين من السنين، أتمت الكواكب العملاقة عملية تشكلها. وبدأت الشمس تدمج الهدروجين وتحوله إلى هليوم في نواتها لتغدو بذلك نجماً حقيقياً. لكن حياتها في العنقود النجمي ربما دامت وقتاً أطول بكثير. وإذا كان المدار الغريب لـ Sedna قد نتج في إثر مواجهة نجمية، فسيكون نظامنا الشمسي قد أمضى نحو 100 مليون سنة ضمن ذلك الحشد النجمي المقيد ثقالياً، والذي تبدد في وقت لاحق، لتخط الشمس وكواكبها فصلاً جديداً من حياتها حول مركز المجرة. أمَّا الآن، فيستطيع الناس على أحد كواكب الشمس أن يديموا نظرهم في المشهد الرائع لحشد نجوم الثريا وسديم الجبار، ويتأملوا أوجه شبههما مع حاضنتنا النجمية الأولى.