د. أبو بكر خالد سعد الله
قسم الرياضيات، المدرسة العليا للأساتذة،القبة، الجزائر العاصمة (الجزائر)
كان المهندس الأمريكي إدوارد مورفي Edward Murphy (1918-1990) ذو الأصول البنامية متخصصًا في سلامة أنظمة الطيران “الحرجة”، أي الأنظمة التي سيكون لأي خلل يصيبها عواقب وخيمة على تشغيل الطائرة. من الواضح أنه عندما تقع على عاتقك هذه المسؤولية لا يمكنك ترك أي شيء للمصادفة! وفي هذا السياق، أطلق هذا المهندس ذات يوم قولته الشهيرة، وهو يلوم أحد مساعديه : “إذا كان لدى هذا الرجل أدنى فرصة لارتكاب خطأ، فسيرتكبه”! تلك هي المقولة التي صارت تعرف بـ”قانون مورفي”.
أصل التسمية
اشتهر مورفي بـ”قانون” حمل اسمه، وله صيغ كثيرة، منها: “إذا كان لدى هذا الرجل أدنى فرصة لارتكاب خطأ، فسوف يرتكبه”؛ “إذا كان بالإمكان حدوث خطأ، فسيحدث”؛ “إذا كان هناك أكثر من طريقة للقيام بعمل ما، وكان بالإمكان أن تؤدي إحداها إلى كارثة، فسنجد من سيتبع الطريقة المؤدية إلى الكارثة”.
وتختلف المصادر حول تفاصيل تسمية “قانون مورفي” وصيغته الأولى. لكن ما هو مؤكد أن هذه التسمية ظهرت خلال الفترة 1947 – 1949 بالولايات المتحدة، أثناء تنفيذ مشروع “إم أكس981” (MX981) في قاعدة إدواردز التابعة للقوات الجوية الأمريكية التي كانت تسمى آنذاك قاعدة “موروك”.
كان الضابط والطبيب جون بول ستاب John Paul Stapp (1910-1999) مجازفًا، وقد عمل مدة طويلة في مشروع “إم أكس981” الذي كان يشترك فيه مورفي. وما يثبت تفاني الضابط ستاب في أداء مهامه أنه في عام 1946، بعد أشهر قليلة من نهاية الحرب العالمية الثانية، حلّقت طائرة عسكرية لأداء مهمّة عاجلة. وجُرّدت الطائرة من أسلحتها، وارتفعت في الأجواء إلى أن بلغت طبقة الستراتوسفير، وأمضت فيها عدة ساعات على ارتفاع يقارب 14 كيلومترا. كان طاقمها يرتجف من البرد القارص بسبب هذا الارتفاع، في حين كان يوجد في مؤخرتها ستاب يجري تجارب محفوفة بالمخاطر، غير مكترث بدرجات الحرارة المتدنّية.
كان ستاب في ذلك الموقع يدرس تأثير الطيران في الإنسان عندما يتجاوز ارتفاع الطائرة حدًا معينًا لتحديد مدة بقاء البشر أحياء عند مثل هذه الارتفاعات: هل يمكن لطاقم الطائرة في هذا الوضع أن يؤدي مهمته؟ كيف يمكن أن يحمي أفراد الطاقم أنفسهم من التجمّد؟ وهكذا تبيّن لستاب أن الحل يكمن في استنشاق الطيار للأكسجين النقي لمدة 30 دقيقة قبل الإقلاع!
وكان أحد الأهداف الرئيسية من المشروع “إم أكس981” اختبار مدى تقبّل البشر لآثار تخفيض السرعة بقوة كبيرة خلال مدة وجيزة، وذلك ليستفيد منه الطيارون العسكريون. وقد تمّ اختيار ستاب للاضطلاع بهذه المهمة. واستخدمت الاختبارات عربة دفع قوي وضعت على سكة حديدية، وزودت بسلسلة من المكابح الهيدروليكية لاستعمالها في نهاية المسافة.
استخدم الباحثون في البداية دُمية مثبّتة بمقعد العربة، لكن التجربة لم تنجح، فأخذ ستاب مكان الدُمية. وخلال هذه الاختبارات برزت أسئلة حول دقة الأجهزة المستخدمة في قياس آثار التباطؤ السريع التي يتعرض لها راكب العربة خلال التجربة. وهكذا، اقترح مورفي استخدام أدوات ضغط إلكترونية تُلصق بعدّة الراكب لقياس القوى التي تمارس عليه أثناء الكبح المفاجئ للعربة. وقبل بدء التجربة التي أجريت على قرد، قام مساعد مورفي بتوصيل الأسلاك لتنفيذ الخطة. وكان مورفي ورفاقه ينتظرون النتيجة بفارغ الصبر.
غير أن المستشعرات الإلكترونية لم تقدم أيّ إشارة! وتبيّن آنذاك أن مساعد مورفي أخطأ حينما ركّب المستشعرات بطريقة خاطئة. في تلك اللحظة، صرخ مورفي وأطلق عبارته الشهيرة، وهو محبط من جرّاء فشل التجربة بسبب سوء أداء مساعده: “إذا كان لدى هذا الرجل أي طريقة لارتكاب خطأ، فسيرتكبه”! وتذكر بعض الروايات أن ستاب ردّ عليه حينئذ بقوله: “هذا هو قانون مورفي”.
ويبدو أن مورفي وستاب يتحملان مسؤولية مشتركة عما حدث؛ فمورفي هو الذي يتابع موضوع السلامة وكان عليه توقع أي فشل. أما الضابط ستاب فكان عليه التريّث وعدم الاستعجال في إطلاق التجربة قبل التأكد من سلامة تشغيل المستشعرات.
إضفاء طابع رسمي
وبخصوص تحديد تاريخ ومناسبة تصريح مورفي، يبدو حسب المهندس جورج نيكولز George Nichols، الذي حضر هذه التجربة، أن إضفاء الطابع “الرسمي” المتداول على “قانون مورفي” حدث خلال مناقشة مع أعضاء الفريق الآخرين. واختُصر في العبارة “إذا كان يمكنه الحدوث، فسيحدث”. وصرّح أيضا بأنه سُمّيَ “قانون مورفي” للسخرية مما اعتبره نيكولز عنجهية مورفي.
غير أن روبرت مورفي، ابن إدوارد مورفي، يستبعد هذه الرواية، ويؤكد أن المعنى الذي قصده أبوه هو: “إذا كان هناك أكثر من طريقة لفعل أمر ما، وكان بالإمكان أن تؤدي إحداها إلى كارثة، فسنجد من يتبع الطريقة المؤدية إلى الكارثة”… وسانده في هذا التأويل آخرون.
وفي كل الأحوال، يلاحظ المتتبعون أن عبارة “قانون مورفي” ذاع صيتها إثر مؤتمر صحفي طُرح فيه السؤال التالي على ستاب: كيف كان من الممكن ألا يصاب أحد بجروح خطيرة أثناء الاختبارات؟ فأجاب أن ذلك كان ممكنًا لأنهم أخذوا بالاعتبار “قانون مورفي”! وهكذا، سرعان ما انتشر نصّ قانون مورفي في الدوائر التقنية المرتبطة بالفضاء والطيران وغيرها.
لم يكن مورفي يرغب في أن يكون قانونه قانونًا حتميًا قدريًا، فصرخته الأولى كانت تعكس مدى اهتمامه بمراعاة جميع الاحتمالات لتجنّب المتاعب والأخطاء.
اختلاف نصوص القانون
منذ ظهور نصّ وتسمية “قانون مورفي”، توالت عبارات مشابهة له، وتشعّبت، وحملت المئات منها التسمية نفسها. واستغلت مختلف تلك النصوص ونشرت في الكتب والملصقات، وما إلى ذلك. وبطبيعة الحال، لم يستفد مورفي من هذه المشروعات التجارية إذ اعتبر المستغلون قانونه ملكًا عامًا، على الرغم من أنهم جميعًا يمتلكون حقوق الطبع والنشر لهذه المؤلفات.
يمكن النظر إلى قانون مورفي من أربع زوايا:
1) المنظور الإحصائي: يشير قانون مورفي، مثلا، إلى أنه إذ شغَّل كثير من الناس أحد الأجهزة، وكانت هناك طريقة لارتكاب خطأ في التشغيل، فمن الناحية الإحصائية سنجد أشخاصا يرتكبون ذلك الخطأ. والساهرون على الخدمة ما بعد البيع لذلك الجهاز هم الذين يؤكدون صحة هذا التوجه الإحصائي!
2) المنظور المعرفي: هذا الجانب شبيه بمشكلة الارتباط الوهمي المعروف في علم النفس وعلم التواصل، والمتمثّل في كون الحدث السيئ أكثر تأثيرًا في الفرد من الحدث السعيد. ومن الأمثلة على ذلك أنه إذا فشلت عملية معينة أجريناها، فنحن نستحضر قانون مورفي. وأما إذا نجحت، فلا يخطر على بالنا أن قانون مورفي لم ينطبق هذه المرة.
3) المنظور الفكري: إذا ارتكب شخص خطأ، لا سيما إذا كان من المحتمل أن تنتج عنه عواقب وخيمة، فإنه يُصاب بحالة من التوتّر تؤدي في معظم الأحيان إلى ارتكاب المزيد من الأخطاء. وسينتقل المرء من وضع سيئ إلى وضع أسوأ.
4) المنظور الفكاهي: هذا الجانب هو الذي نال النصيب الأوفر من التعقيبات، وكأنه يؤكد على أن حتمية القدر تفرض علينا الفشل في كل تجربة بوسائل لا نعرفها ولا نتوقّعها.
وفي هذا السياق، ذهب بعضهم إلى القول إن تحويل نتيجة خاطئة إلى نتيجة صحيحة أمر بسيط، إذ يكفي أن نضيف إلى النتيجة الخاطئة عاملا متغيرًا -أطلق عليه مصطلح “عامل مورفي”- يتمّ اختياره بشكل مناسب. وبطبيعة الحال، فهذا العامل ليس ثابتا لأنه يختلف باختلاف التجارب! ويلاحظ المهتمون بهذا الموضوع أن ذلك ما يُمارس حقّا في البحث العلمي المتقدّم. فعلى سبيل المثل، يشير هؤلاء إلى أن ما يسمى بـ”الثابت الكوني” الذي أدخله آينشتاين تمّ تكييفه وفق هذا المبدأ حيث أُضيف حدّ إلى المعادلات للحصول على النتيجة المتوقّعة. وبعد ذلك جرى البحث عن حقيقة الدور الفيزيائي الذي يؤديه هذا الحدّ!
أما إذا أردنا جعل الأمور أسوأ مما هي عليه فيكفي، حسب بعضهم، إعادة تطبيق قانون مورفي في كل مرة، وهو ما يسمى بـ”انعكاسية” هذا القانون! فإذا سلّمنا بأنه قانون “انعكاسي” (أي ينطبق على نفسه) فليس هناك ما يضمن أن حدثًا معينًا سينتهي بشكل سيىء بمجرّد أن نتوقع ذلك، وهذا وفقًا لقانون مورفي. ويمضي المعقّبون في تحليل “قانون مورفي” فيرون أنه يسمح، مثلا، بتأكيد أن المطر سيبدأ في النزول بمجرد أن نشرع في غسل السيارة، بل إننا إذا رغبنا في أن ينزل المطر فما علينا سوى غسل السيارة! ومن طرائف تطبيق هذا المبدأ في المدرسة أو الجامعة أن اختبارك سيبدأ دائمًا متأخرًا بربع ساعة، إلا في اليوم الذي تصل فيه أنت متأخرًا بربع ساعة!
ومن مفارقات هذا القانون الذي يبقينا في حلقة مفرغة قولهم (وفق هذا القانون): “أي محاولة فاشلة لإثبات قانون مورفي هي برهان على صحة هذا القانون”؛ كما أن “البرهان على صحة قانون مورفي لا يعني أن القانون خاطئ”! وكما ذكرنا آنفا، فقد تلهّى الكثيرون بقانون مورفي فأتوا بنصوص بديلة له تبيّن تعقيداته.
مزحة أيرلندية
هناك قانون علمي آخر يمكن تشبيهه بقانون مورفي يُسمى قانون إميل هنريش لينتز Lenz (1804-1865) ومايكل فاراداي Faraday (1791-1867). يصف هذا القانون الظاهرة الفيزيائية التي تقف وراء حركة قضيب معدني في حلقة فينشأ عنها حقل مغناطيسي يجعل حركة القضيب تميل إلى الاتجاه المعاكس. من هذه الزاوية، يمكن النظر إلى تلك الظاهرة بأنها تُبرز حركةً تنشئ حركة أخرى معاكسة لها. أما قانون لينتز فيشير إلى الظواهر التي تنشأ لتقوم بعكس ما هو مرجو منها.
والطريف أن الكثير من البريطانيين يعتقدون أن قانون مورفي مزحة أيرلندية. ذلك أن
مورفي اسم أيرلندي، وكان الأيرلنديون مصدر نكت عند البريطانيين خلال فترة طويلة. وذلك ما جعل هؤلاء يتصورون بأن ما يشير إليه قانون مورفي يفيد أن الأيرلنديين مسؤولون عن حدوث أخطاء كثيرة لأنهم مهمِلون و/أو أغبياء وفقًا لما ترويه عنهم الأساطير البريطانية.
أما في باب العمل وتسيير شؤونه، فينصح المتتبعون بمراعاة قانون مورفي في كل الأحوال : إذا كنت تعمل ضمن مشروع، فامنح لنفسك دائمًا وقتًا إضافيا للتعامل مع أي طارئ. ومع ذلك، لا ينبغي أن تفرط في التشاؤم باعتبار هذا القانون مبدأ كونيًا يقول إن كل شيء سيسير على نحو خاطئ في لحظة من اللحظات. وبدلا من التشاؤم، يجب أن تتصرّف كما لو كان هذا القانون صحيحا: في اللحظة التي يحدث فيها خطأ ما، عليك أن تكون مستعدًا لتصويبه كما لو كنت توقعت حدوثه.
ومع كل ذلك، اختلفت الآراء حول قانون مورفي. فهذا عالم الأحياء البريطاني ريتشارد دوكينز Richard Dawkins يؤكد أن هذا القانون سخيف لأنه يفترض أن يكون للأشياء الجامدة رغبة خاصة، وأنها تتفاعل معنا وفقًا لهذه الرغبة. وفي هذا السياق، يلاحظ دوكينز أن ثمة أحداثًا يمكن أن تقع طوال الوقت ولا ننتبه إليها إلا عندما تصبح مصدر إزعاج. وكمثال على ذلك، يشير إلى ضوضاء الطائرات الموجود في السماء طوال الوقت، لكننا لا ننتبه إليه إلا عندما يزعجنا.
واختلف أستاذ الرياضيات البريطاني ديفيد هاند David Hand مع دوكينز إذ لاحظ أن قانون الأعداد الكبيرة يؤدي إلى التنبؤ بوقوع نوع الأحداث التي يتوقّعها قانون مورفي. من جهة أخرى، كانت هناك إشارات متواصلة إلى ارتباط قانون مورفي بقوانين الديناميكا الحرارية. وفي الكثير من الأحيان، يستشهد بقانون مورفي بوصفه شكلا من أشكال القانون الثاني للديناميكا الحرارية لأن كِلَيْهما يتنبّأ بالميْل إلى حالة مضطربة. غير أن هناك من زعم دراسة هذه الفكرة بعد صياغة قانون مورفي في معادلة رياضياتية، وخلص إلى نتيجة فندت صحته!
بماذا نختم كلامنا حول قصة هذا القانون الذي يبدو تافهًا ولا يحمل مغزى جديرا بالاهتمام؟ فهو مجرّد عبارة تلفّظ بها فرد كان في حالة غضب شديد، فسُميَّت قانونًا، وراح الناس يعقّبون عليها ويحللون مضمونها، ويكتبون عنها المؤلفات والبحوث بعدد لا يصدق: في اليوم الذي انتهينا من كتابة هذا المقال بحثنا عن عبارة Murphy’s Law”” (مع وضع علامة الاقتباس ” “) في محرك “غوغل” فظهرت على الشاشة 3340000 نتيجة تتضمن هذه العبارة (أي أكثر من 3 ملايين نتيجة). وعندما حذفنا علامة الاقتباس (“”) من عبارة البحث، فاق عدد النتائج الظاهرة على الشاشة 20 مليون نتيجة! وهذا باستخدام اللغة الإنجليزية دون غيرها. فلنتصور كمَّ هذه النتائج إذا ما جمعنا عددها في كل اللغات أو في أبرزها! ما سرّ التهافت على هذا القانون؟ لا ندري… لعل قانون مورفي جدير بتقديم الإجابة!
مسيرة حياة
تخرّج مورفي في الأكاديمية العسكرية عام 1940، وانخرط بعد ذلك في الجيش الأمريكي. وتدرّب على الطيران، وعمل خلال الحرب العالمية الثانية في جبهة العمليات العسكرية بالمحيط الهادي وبورما (ميانمار، حاليا) والهند والصين. وأصبح عام 1947 ضابطا يعمل في مجال البحث والتطوير بمعهد التكنولوجيا التابع لسلاح الجو الأمريكي. وبعد أن غادر مورفي الجيش، أصبح مهندسا في شركة صناعة الطيران هوغس إيركرافت Hughes Aircraft الأمريكية. وهناك مارس اختبار مكوّنات الطائرات المروحية للتأكد من عدم حدوث أي خطأ.
وقد توفي مورفي مساء يوم 17 يوليو 1990 في الولايات المتحدة، وهو متّجه في سيارته نحو محطة الوقود بعد أن لاحظ أن كميّة البنزين في خزانها على وشك النفاد. فبينما كان كذلك صدمه سائح بريطاني كان يقود مركبته في الجهة الخاطئة من الطريق.