أحمد عبد الحميد
إعلامي وكاتب، (الكويت)
لا يزال العالم منشغلا منذ بداية العالم الحالي بالتطورات المرتبطة بانتشار فيروس كورونا، والإصابات التي يحدثها، والوفيات الناجمة عنه، والآثار الاقتصادية السلبية، والتداعيات الكارثية التي يمكن أن يخلفها على جميع المجالات في حال استمراره مدة طويلة من دون التوصل إلى علاج مناسب له.
ومنذ الإعلان عن خطورة الفيروس، واحتمال تحوله إلى وباء عالمي، سارعت جهات عدة، في مقدمتها منظمة الصحة العالمية، إلى نشر الإجراءات الخاصة الواجب اتباعها في هذا الشأن، والتعليمات المناسبة لتوعية الجمهور بسبل الوقاية، في حين أخذت الجهات الصحية في دول العالم بنشر البيانات الخاصة بانتشار المرض فيها، وعدد المصابين والضحايا، والإجراءات المتخذة في مؤسساتها العامة والخاصة للحد من انتشار الفيروس، والتخفيف من تداعياته.
وأصدر عدد من المؤسسات العلمية المعنية كتيبات تسلط الضوء على ماهية الفيروسات وأنواعها بصورة عامة، وعلى فيروس كورونا المستجد بصورة خاصة، ومنها المركز العربي لتأليف وترجمة العلوم الصحية، الذي أصدر كتابا بعنوان (فيروس كورونا المستجد) ضم خمسة فصول جاء أولها بعنوان (ماهية الفيروسات)، والثاني بعنوان (فيروسات كورونا: الفيروسات المُكَلّلَة)، فيما حمل الثالث عنوان (مرض سارس: المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة)، والرابع (متلازمة الشرق الأوسط التنفسية)، والخامس ( فيروس كورونا المستجد).
ماهية الفيروسات
تطورت المكروبات على كوكب الأرض منذ نحو ثلاثة بلايين عام، ولم يتمكن الإنسان من عزلها إلا في أواخر القرن التاسع عشر بعد ظهور ما يعرف بـ (النظرية الجرثومية) وتقبّل الإنسان لفكرة وجود كائنات حية دقيقة الحجم هي المسؤولة عن الأمراض التي كانت حتى ذلك الحين ترجع إلى أسباب متنوعة مثل: الأبخرة المتصاعدة من المستنقعات والمواد العضوية المتحللة. وساعدت التطورات التقنية التي تحققت في صناعة المجهر الإلكتروني (المكروسكوب) على اكتشاف هذه الكائنات الدقيقة. وأكدت هذه الحقائق الأبحاث التي أجراها كلٌّ من لويس باستور وروبرت كوخ وبينا فيها أن “الجراثيم” هي سبب الأمراض المعدية، وهو ما أكسبهما عن جدارة لقب “الأبوين المؤسسين لعلم المكروبيولوجيا”.
وفي عام 1876 عُزل أول نوع من البكتيريا وهي الجمرة العصوية Bacillus anthracis. ثم ابتكرت وسائل مختلفة لإكثار المكروبات في المختبر، وبدأت تنكشف أسرار الأمراض والمكروبات المسببة لها، واكتشفت صفاتها وتركيبها ووضعت تحت تصنيف البكتيريا Bacteria، وتوصل العلماء إلى اكتشاف تركيب خلاياها، فمعظمها كائنات دقيقة مجهرية الحجم يتراوح طولها بين 0.5– 5 ميكرونات (الميكرون جزء من مليون من المتر)، ولها جدار خلوي يحيط بمادة خلوية تسمى السيتوبلازم يحوي بداخله جزيئاً واحداً ملتفاً حول نفسه من الحمض النووي، وهي قادرة على تصنيع جميع البروتينات التي تحتاج إليها خلاياها، كما أن لها القدرة على التكاثر عن طريق الانشطار الثنائي، وغير قادرة على اختراق مرشحات خاصة.
ومع النجاح في عزل البكتيريا المسببة للأمراض، ظلت فئة من العوامل المعدية لم يستطع العلماء عزلها بالطرق المعروفة حينذاك، وكان منها حالات عدوى شائعة ومميتة، مثل: الجدري، والحصبة، والإنفلونزا. وهذه المكروبات تختلف عن البكتيريا، كونها بالغة الصغر، كما أنها عوامل معدية خاملة تنمو داخل الخلايا المنقسمة وتستعيد قوتها الكاملة في كل مرة تصيب الخلايا الأخرى بالعدوى، وصنفت تحت طائفة جديدة من المكروبات باسم الفيروس Virus، اشتقاقا من كلمة لاتينية تعني «سم» أو «سم الحيوان» أو «السائل الدبق». ويرجع الفضل في اكتشاف الفيروسات إلى العالم الروسي ديمتري إيفانوفسكي .
البنية التشريحية للفيروسات
يتطرق الكتاب في الفصل الأول أيضا إلى البنية التشريحية للفيروسات، ويوضح أنه في بدايات القرن العشرين عُرفت الفيروسات بأنها طائفة من المكروبات تتصف بكونها عوامل متناهية الصغر مسببة للعدوى تمر من خلال فتحات المرشحات البكتيرية، وتحتاج إلى خلايا حية حتى تتكاثر، وتختلف في تركيب خلاياها عن البكتيريا التي لم يتم التعرّف عليها بدقة إلا بعد اكتشاف المجهر الإلكتروني، فالفيروسات هي أصغر المكروبات المعدية ويتراوح قطرها بين 20 و 300 نانومتر، وتتكون من غشاء بروتيني يحيط بمادتها الوراثية التي هي نوع واحد فقط من الأحماض النووية (الرنا “RNA”، أو الدنا “DNA “) الذي يطلق عليه مصطلح الجينوم (المجين)، وعليه يتوقف نوع الفيروس.
وقد يكون الفيروس من نمط الحمض النووي منقوص الأكسجين (الدنا)، فيسمى الفيروس بالفيروس الدنوي، أو من نمط الحمض النووي الريبي (الرنا)، فيسمى بالفيروس الرنوي. وقد يكون (الدنا) أو (الرنا) مكوناً من طاقين اثنين فتسمى فيروسات ثنائية الطاق من (الدنا) مثل: الفيروسات الغدانية، والفيروسات الهربسية، والفيروسات الجدرية؛ أو فيروسات ثنائية الطاق من (الرنا) مثل: الفيروسات العَجَلية؛ أو من طاق واحد مثل: الفيروسات البيكورناوية والربدية.
ويختتم الفصل الأول بالحديث عن الفيروسات المستجدة، فيبين أن حالات العدوى التي تظهر كل حين وآخر تتسبب في خوف يقترب أحياناً من الذعر، إذ يظهر مرض أو فيروس جديد غير معروف فجأة دون تحذير وتنتشر العدوى في صورة أشبه ما يطلق عليها بالوباء أو الفاشية. وقد ظهر هذا واضحاً أثناء تفشي وباء سارس عام 2003 ووباء إنفلونزا الخنازير عام 2009، مسببة قلقاً شديداً إلى أن توصل العلماء إلى استراتيجيات المكافحة.
وتؤدي كثير من أنواع الحيوانات والحشرات وظيفة ناقلات أو مستودعات خازنة للفيروسات، فتعبر بها من عائل إلى آخر، وبهذا تؤثر تأثيراً مباشراً في انتشار تلك الفيروسات، كما أن هناك عوامل كثيرة متعلقة بأسلوب الحياة المعاصر تزيد من تعرض البشر لخطر العدوى بالأنواع التي ظهرت حديثاً من الفيروسات، ومعظمها مرتبط بازدياد التعدد السكاني وسرعة تنقل البشر عبر وسائل النقل الحديثة، كما تعبر الفيروسات الحيوانية الحدود بين الدول مختبئة داخل عوائلها مسببة انتشار الإصابة من مكان إلى آخر من العالم، ومن ثم تهديداً حقيقياً لصحة الإنسان.
عائلة كورونا
يتطرق الفصل الثاني إلى عائلة فيروسات كورونا التي تعرف بالفيروسات التاجية أو المكللة، وهي من رتبة الفيروسات العشية. واشتق اسم هذه الفصيلة من الفيروسات من اللفظة اللاتينية (Corona) التي تعني التاج أو الإكليل. ويشير الاسم إلى المظهر المميز للفيريونات (الشكل المعدي للفيروس) التي ترى بالمجهر الإلكتروني ممتلكة زغاباتٍ من البروزات السطحية البصلية الكبيرة، مما يُظهرها على شكل تاج الملك أو الهالة الشمسية.
وتتضمن فيروسات كورونا أربعة أجناس هي فيروس كورونا ألفا، وفيروس كورونا بيتا، وفيروس كورونا دلتا، وفيروس كورونا غاما. وينتمي أول فيروسين بَشَريين من فيروسات كورونا تم عزلهما، وهما (229E) و (OC43) إلى المجموعة الأولى لفيروس كورونا ألفا، أما فيروسات كورونا التي عزلت حديثاً، مثل (HKU1) والفيروسين اللذين يسببان المتلازمة التنفسية الحادة الشديدة، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية فتنتمي إلى جنس فيروس كورونا بيتا. وهناك خمسة أنماط مصلية معروفة لفيروسات كورونا البشرية، وفق تصنيف «بالتيمور» للفيروسات، إلى جانب نحو 15 نمطاً مصلياً آخر. وهذه الأنماط تصيب الطيور والحيوانات بالعدوى.