الطب وصحة

سياحة الخلايا الجذعية والأخلاقيات الطبية

د. إيهاب عبد الرحيم علي

 سياحة الخلايا الجذعية Stem cell tourism هو مصطلح تمت صياغته حديثا لوصف الممارسة المتزايدة الشيوع بين المرضى الذين يدفعون مبالغ كبيرة من المال إلى عيادات خاصة للحصول على العلاج بالخلايا الجذعية ، والذي يتسم بكونه غير مُثبت الفعالية في معظم الأحيان.
قد يشعر المرضى باليأس والإحباط لأن الطب التقليدي فشل في توفير علاج شاف للحالات المرضية التي يعانونها. وتدّعي الإعلانات التي تروّج لهذه العيادات، التي غالبا ما تكون واقعة خارج بلد المريض نفسه، أن العلاج بالخلايا الجذعية يمكن أن يحسّن أو يشفي الشكاوى المرضية، التي تراوح بين الداء السكري، والسكتة الدماغية، والشلل الناجم عن إصابة في الحبل الشوكي، ومرض لو جيريج (الشكل 2)، إلى التجاعيد الجلدية وتساقط الشعر المرتبط بالعمر لدى الرجال.

ربما تكون الخلايا الجذعية المستخدمة في هذه العيادات ذاتية المنشأ autologous أو مستمدة من النخاع العظمي للمريض نفسه، على سبيل المثال، أو من مصدر آخر . وتعتمد التقنية العلاجية المستخدمة على تسريب أو حقن دم الحبل السري (الذي يحتوي على الخلايا الجذعية الدموية ) من المتبرعين بعد الولادة مباشرة. وربما يكون المتبرعون في هذه الحالة قد حصلوا على أموال مقابل التبرع، وربما يكون تاريخهم الصحي غير معروف؛ مما يحمل أخطارا بكل تأكيد. وعلى سبيل المثال، ربما لم يجر اختبار للخلايا الجذعية للمتبرع لالتهاب الكبد أو عدوى فيروس العوز المناعي البشري، الأمر الذي ربما يؤدي إلى مرض الإيدز إذا تم استخدام تلك الخلايا للزرع.
ويرجع معظم الاهتمام المتزايد بهذه العيادات بين أوساط المرضى وأسرهم إلى التغطية الإعلامية الواسعة لأبحاث الخلايا الجذعية وإلى الدعاية التي تبالغ أحيانا في طرح إمكاناتها العلاجية. وقد ساهم استقطاب الرأي العام والسياسي حول الموضوع، عن طريق القضايا الأخلاقية المرتبطة بأبحاث الخلايا الجذعية الجنينية البشرية، في تنامي الاهتمام بمصادر الخلايا الجذعية البالغة المستخدمة في العلاج. وكثيرا ما يتم الدفاع عن أبحاث الخلايا الجذعية الجنينية البشرية بسبب استخداماتها المحتملة في الزرع المستقبلي للخلايا. فإذا توفرت بدائل مماثلة للخلايا الجذعية البشرية، فسيكون من الصعب تبرير استخدام الأجنة البشرية لاستخلاص الخلايا الجذعية. وقد تعمل الخلايا الجذعية المستحثة المتعددة القدرات (iPS cells) على تغيير هذا النفور من الخلايا الجذعية المتعددة القدرات لأسباب أخلاقية في المستقبل المنظور.

انقسام أخلاقي
ربما يكون المعارضون لاستخدام الخلايا الجذعية الجنينية متحيزين في تفسيرهم لنتائج الأبحاث المقبولة أخلاقيا على الخلايا الجذعية (سواء المستمدة من البالغين أو من دم الحبل السري) بصورة أكثر إيجابية مما تُظهره التجارب. وبالمثل، فإن مؤيدي أبحاث الخلايا الجذعية الجنينية البشرية ربما يكونون أقل إظهاراً للأخطار المحتملة لهذه الخلايا في الاستخدامات السريرية مما قد يكون ضروريا. ومن ثمّ، فإن العيادات الخاصة لزرع الخلايا الجذعية تعمل ضمن هذه المساحة المربكة التي تشمل الحاجة الطبية التي لم تتم تلبيتها لملايين المرضى المصابين بأمراض لا شفاء منها، والقيود المفروضة على ميزانيات الأبحاث الصحية، والمواقف الأخلاقية الشديدة التباين. وفي هذا المقال، نحاول طرح وجهة نظر محايدة في هذا الشأن، مع عرض لمحة عامة عن أحدث الممارسات السريرية الحالية.
ما الفرق بين»العلاجات» التجارية بالخلايا الجذعية، والتدخلات الطبية في المرحلة المبكرة، والممارسة السريرية المعيارية للعلاج بالخلايا الجذعية؟
يمثل هذا سؤالاً محيّراً للكثيرين. ومن ثمّ، فمن الأهمية بمكان أن نفهم الجواب في أي سياق يتم فيه تقديم الخلايا الجذعية كعلاج. سنقوم أولا بعرض شرح موجز للكيفية التي تتحول بها العلاجات المحددة لمرض ما إلى علاج سريري قياسي يمكن تطبيقه على عدد كبير من المرضى في ضوء ظروف المستشفيات العادية. وفي كثير من البلدان، تتطلب سياسات التأمين الصحي الخاص والعام أن تكون العلاجات الطبية المغطاة مستندة إلى البراهين. يعني «الطب المستند إلى البراهين» Evidence-based medicine أن العلاج الذي يصفه الطبيب ثبت أنه فعال وآمن لدى مجموعة واسعة من المرضى. وبعد إجراء الأبحاث قبل السريرية على الحيوانات، ثم الاختبارات الأولية للسلامة والجدوى على مجموعة صغيرة من المرضى، ستكون معظم العلاجات قد خضعت لواحدة أو أكثر من التجارب السريرية التي يُطلق عليها التجارب «المزدوجة التعمية، والمحكومة بالدواء الغُفل». ويتم تصميم التجارب السريرية لاختبار ما إذا كان العلاج الجديد أفضل من العلاجات الحالية. يتم عادة إشراك المرضى في التجارب السريرية كمتطوعين، حيث يتم تقسيمهم عشوائيا إلى مجموعتين: واحدة تتلقى العلاج التقليدي، و الأخرى (والتي يفضل أن تكون متقاربة، فيما يتعلق العمر والجنس، على سبيل المثال) يتلقى أفرادها العلاج التقليدي إضافة إلى العلاج الجاري اختباره، أو العلاج الجديد وحده في بعض الحالات.
يُطلق على الخطوة الأولى (المرحلة الأولى: phase I) من التجارب السريرية اسم «السلامة والجدوى»: هل سيكون من المأمون إعطاء هذا العلاج للمرضى، وهل سيكون ذا جدوى؟ وبالنسبة للعلاجات التي تنطوي على الخلايا الجذعية، فيعني هذا عادة السؤال ما إذا كان سيصبح ممكنا الحصول على عدد كاف من الخلايا الجذعية السليمة في الوقت المناسب باستخدام الكواشف والظروف التي تفي بالمتطلبات التنظيمية. ففي جميع الأحوال، فإن الخلايا الجذعية هي «منتجات طبية مخصصة للاستخدام البشري»، ومن ثمّ عليها أن تلبي شروط ومعايير السلامة المتعارف عليها. وعلى سبيل المثال، يجب إثبات خلوها من الفيروسات والبكتيريا، وأن المستحضرات الخلوية التي يتم حقنها في المريض غير ملوثة بكواشف سامة للبشر. إضافة إلى ذلك، يتعين على السلطات التنظيمية ضمان أن تتناسب الانزعاجات والأخطار التي يتعرض لها المريض مع شدة المرض.
ومن الأرجح أن يُعطى التصريح باستخدام العلاجات التجريبية ذات الأخطار الكبيرة أو تجارب المرحلة الأولى إذا كان المرض مميتا في جميع الحالات، وكانت الفترة المتوقعة للبقاء على قيد الحياة قصيرة. وعلى سبيل المثال، فإن مرض باتن Batten’s disease ، وهو اضطراب استقلابي مميت يصيب الأطفال ويؤثر على الدماغ، يفتك بضحاياه قبل بلوغ خمس سنوات من العمر. ومن ثم، فقد منحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) ترخيصا لعلاج بعض هؤلاء الأطفال عن طريق زرع الخلايا الجذعية العصبية المتمايزة بشكل جيد في الدماغ. كان القرار مدعوماً بأدلة قوية من التجارب التي أجريت على الفئران على أن الخلايا الجذعية العصبية ستعمل بشكل صحيح بعد الزرع. وعلى العكس من ذلك، فإن معظم السلطات الرقابية لا تمنح الترخيص بزرع الخلايا الجذعية لنخاع العظام في الدماغ، بعد الإصابة بسكتة دماغية مثلا، لأنه ليس هناك أي دليل في الحيوانات على أنها ستكون فعالة، كما أن عملية الزرع تنطوي على أخطار كبيرة، وكذلك على الرغم من أن السكتة الدماغية قد تسبب إعاقة مزمنة، فإنها بعد استقرارها ليست مميتة على نحو حاد.
ومن بين الاعتبارات الأخرى التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار الكيفية التي تم التعامل بها مع الخلايا الجذعية قبل الزرع. فكلما ازدادت منابلتها أو التوسع في زرعها في المختبر السريري لإنتاج خلايا كافية للزرع، زاد احتمال أن تكون الخلايا قد تعرضت لتغيرات (أو طفرات) كروموسومية (صبغية)، والتي قد تجعل الخلايا خبيثة ومن ثم قد تسبب أوراماً في المريض.
تحتاج المستحضرات الخلوية أيضا إلى أن تُنتج في مختبرات خاصة، ومن قبل أفراد يرتدون ملابس خاصة لحماية المستحضرات من التلوث. ليس هذا بالمتطلب التافه، والذي قد يكون باهظ التكلفة، حيث يكلف آلاف الدولارات لإنتاج الخلايا التي يمكن استخدامها في مريض واحد فقط. ويمثل هذا أحد المتطلبات التي لا تتوافق معها في كثير من الأحيان العيادات الخاصة للعلاج بالخلايا الجذعية: فالإجراءات والظروف المستخدمة في معالجة الخلايا ومصدرها لا تُتاح معرفتها للمريض، كما أن السلطات التنظيمية لم توافق أو حتى تطلع على بروتوكولات طرق استخدامها، و لا تتأكد مما إذا كان أفراد الطاقم الطبي القائم على تنفيذ الإجراء مؤهلين بشكل صحيح ويمتلكون الخبرة الكافية للقيام بذلك، ومن تطبيق الإجراءات المناسبة في حالات الطوارئ الناجمة عن حدوث خطأ أثناء الإجراء.
وفي المرحلتين الثانية والثالثة من التجارب السريرية المعتمدة، يتم تقييم «فعالية» العلاج، وذلك في مجموعة صغيرة من المرضى أولاً، ثم في مجموعة أكبر. ويعني هذا ببساطة «هل يعمل العلاج أم لا؟ « قد يتم إشراك مئات المرضى الذين يعانون المرض نفسه، كما أن كلاً من المجموعة الضابطة التي يُعطى أفرادها دواء غُفلا وأولئك الذين يتلقون العلاج الفعلي، تتم متابعتهم عن كثب من قبل الأطباء المتخصصين خلال التجربة ولفترات طويلة بعد ذلك. ويجب ألا يعلم هؤلاء الأطباء أي المرضى هم أفراد المجموعة الضابطة ولا من تم علاجهم. ويقومون بمراقبة أعراض المرض، وكيف تتغير بمرور الوقت ، ويبحثون أيضا عن الأحداث السلبية (الآثار الجانبية)، وإذا حدثت بالفعل، عليهم أن يقوموا بإبلاغها إلى لجنة رقابية مستقلة. وفي جميع الأحوال، تمتلك المستشفيات المشاركة في مثل هذه التجارب تأميناً يغطي الأحداث السلبية المحتملة، والذي يشمل أي علاج طبي إضافي قد يحتاج إليه المريض نتيجة للتجربة. ويتأكد المستشفى أيضا من تعريف المرضى باحتمال وجود أخطار مرتبطة التجارب، وأنهم ربما لا يكونون بالضرورة ضمن المجموعة التي ستتلقى العلاج بالفعل، وهو إجراء يطلق عليه اسم الموافقة المستنيرة informed consent.
ومرة أخرى، نجد أن العيادات الخاصة للخلايا الجذعية لا تلبي في كثير من الأحيان أياً من هذه المتطلبات التنظيمية القياسية: فهي لا تمتلك عادة أي تأمين يغطي الأحداث السلبية، ولا يوجد لديها أطباء مختصون للتعامل مع حالات الطوارئ، ولا تتابع المرضى على المدى الطويل. وفي حالات كثيرة لا يتلقى الأطباء العاملون في هذه العيادات تدريبا تخصصيا على الإجراءات التي ينفذونها على المرضى.
وأخيرا، تحدد المرحلة النهائية ( المرحلة الرابعة) من التجارب السريرية المعتمدة ما إذا كان الإجراء بكامله الذي يتم فيه استخدام الخلايا الجذعية (أو دواء جديد ) آمناً، ومجدياً، وفعالا، ويشمل جميع الوثائق القانونية اللازمة للحصول على الموافقة الكاملة. ومن أجل وصول دواء واحد إلى السوق بهذه الطريقة، تبلغ تكاليف العملية الكاملة أكثر من مليار دولار. وسنضرب مثالا على تكاليف جلب أول علاج بالخلايا الجذعية البشرية الجنينية إلى المرحلة الأولى من التجارب السريرية بالدراسة المخطط لها من قبل شركة غيرون Geron لإنتاج خلايا من الخلايا الجذعية الجنينية البشرية، والتي يمكن أن تفيد في تعافي الإصابات الهرسية الحادة التي تصيب الحبل الشوكي. وبصورة إجمالية، فإن التكاليف التحضيرية لهذه المرحلة الأولى من التجارب السريرية، وهي الأولى على البشر، بلغت 200 مليون دولار أمريكي؛ منها 45 مليون دولار تكلفة إعداد 22,000 صفحة من الوثائق التي تم تقديمها إلى السلطات التنظيمية للحصول على التصريح، إضافة إلى استثمار 13 مليون دولار في في الأبحاث قبل السريرية.
ويلاحظ أن العيادات التجارية عموما تستخدم المصادر الخلوية الأقل تكلفة. ومن ثم ّفإن أكثرها شيوعا هي الخلايا المستقاة من نخاع عظم المريض نفسه، على الرغم من أن دم الحبل السري يمكن أن يستخدم أيضا. وتستخدم هذه الأنواع من الخلايا الجذعية للمرضى في طائفة واسعة من الأمراض، منها الداء السكري وآفات الحبل الشوكي، والسكتة الدماغية، والأنواع المختلفة من الأمراض العصبية التي تسبب الشلل، وبعد النوبات القلبية. وباستثناء علاج أمراض أو اضطرابات الدم، لم يثبت أن أيا من هذه العلاجات فعال في التجارب السريرية المحكومة. وعلى سبيل المثال، فإن حقن تلك الخلايا في الدماغ أو الحبل الشوكي قد يسبب أضرارا إضافية. كما أنه يصعب تصور ماهية الأساس المنطقي وراء افتراض أن «نوعا واحدا من الخلايا الجذعية سيمكنه علاج جميع الأمراض». ونحن نعلم من الطب التقليدي أن هناك حاجة إلى دواء مختلف لكل مرض؛ فالبنسلين دواء ممتاز للعداوى البكتيرية، لكنه لن يساعد على علاج الصداع النصفي!
وفي كثير من الأحيان، فإن إعلانات العيادات التجارية للخلايا الجذعية تشجّع المرضى على اتخاذ قرارات علاجية مصيرية بأنفسهم، في حين تصور الطب السريري المعياري على أنه طريق رجعية تفتقر إلى الخيال والابتكار. يتماشى هذا بقوة مع حاجات المرضى المصابين بأمراض مزمنة أو المعوقين، الذين لا تقدم لهم العلاجات الطبية الحالية حلولا شافية. ونتيجة لذلك، يقضي المرضى وعائلاتهم ساعات طويلة في تصفح الإنترنت بحثا عن العلاج بالخلايا الجذعية لأمراضهم المحددة. وفي كثير من الأحيان، لن يجدوا «حلا» واحداً، بل عشرات من الخيارات، التي تتوفر عادة في البلدان التي لا يوجد فيها تشريع يحكم نشاط العيادات التجارية. كما أنه من المعروف عن هذه العيادات أنها تغير أسماءها والبلاد التي تعمل فيها بسرعة نسبية إذا تعرضت لأي محاولة للتشهير بها نتيجة لفشل علاجاتها. وكذلك فإن الآثار الضارة على حالة المريض، والناتجة عن «العلاج» السيىء النية بالخلايا الجذعية غالبا ما يصعب إثباتها، و يتردد المرضى في الشكوى إذا ازدادت حالتهم سوءا. وهم نادرا ما يعترفون بأنهم لم يستفيدوا من العلاج. ويرجع ذلك إلى أنهم قد يستشعرون الحرج من قيامهم بدفع مبالغ طائلة لشراء علاج غير ناجع، أو للحصول على تأثير وهمي يمكن أن يؤدي – في بعض الأمراض- إلى تحسنات كبيرة، لكنها مؤقتة. ومن ثمّ ، فمن الأهمية بمكان، ليس للمرضى فقط، بل والأطباء أيضا، أن يكونوا على علم بأحدث النتائج السريرية في هذا المجال. ويا للأسف فإن مصدرنا الحديث للمعلومات، المتمثل في شبكة للإنترنت، ليس دائما أفضل مكان للبحث عن العلاج. إضافة إلى ذلك، فبسبب عدم وجود أدلة «مُثبتة» ، فإن كثيراً من المرضى لا يدركون أن الأمور قد تزداد سوءا بالفعل نتيجة لاستخدام هذه «العلاجات».

 قضايا أخلاقية متعلقة باستخلاص واستخدام الخلايا الجذعية الجنينية البشرية
· استخلاص خطوط الخلايا الجذعية الجنينية من الأجنة يدمر الجنين:
إذا كانت هذه أجنة بشرية، فمن المحتم أن تنشأ قضايا أخلاقية حول تدمير هذا الكيان الحي التي يمتلك القدرة على أن يصبح إنسانا جديدا، حتى لو لم يتم استخدام الجنين لهذا الغرض على أي حال، لكن يرجح أنه تم تدميره كجزء من استكمال إجراءات علاج الخصوبة. في بعض البلدان، يمكن استخدام الأجنة المتبقية بعد إجراء عملية ناجحة للإخصاب في المختبر (طفل الأنبوب) لاشتقاق خطوط الخلايا الجذعية الجنينية. وفي بعض البلدان، يمكن أيضا إخصاب الأجنة خصيصا بغرض استخلاص الخلايا الجذعية.
يركز الجدل الأخلاقي الدائر حول الخلايا الجذعية إلى حد كبير على لحظة بدء الحياة البشرية، وعلى الوضع الأخلاقي والقانوني للجنين البشري في هذه المرحلة المبكرة جدا من تطوره. هل يمتلك الجنين نفس الحق في حماية حياته كشخص ولد بالفعل، أم أن الحق في الحماية هو شيء ينمو مع تقدّم مرحلة تطوره؟ وعلى سبيل المثال، هل يمتلك الجنين حقاً أكبر في الحماية بعد أن ينغرس في الرحم مما كان عليه عندما كان مجرد بويضة ملقحة في أنبوب المختبر؟ وإذا كان الأمر كذلك، كيف ينبغي لنا أن نتعامل إذا مع الإجهاض الذي يحدث بعد الانغراس؟ تساوي بعض المجتمعات بين الوضع الأخلاقي للبويضة الملقحة والجنين النامي، مما يجعل المناقشات حول الخلايا الجذعية والإجهاض متشابكة.
وفي المقابل، فإن بعض المجتمعات الأخرى ترى أن الوضع المعنوي للجنين الناتج عن الإخصاب في المختبر (IVF) أقل من ذلك الذي يمتلكه الجنين الأكثر تطورا – أي النامي في الرحم، على الرغم من أنه لا يزال يمتلك القدرة على أن يصبح فردا جديدا. وفي هذه الحالة، فإن الجنين الناتج عن الإخصاب في المختبر ، والذي لم يعد مطلوبا للتكاثر وبالتالي سيتم تدميره، يمكن التبرع به بحرية من قبل كل من الوالدين (المتبرعان بالحيوانات المنوية والخلية البيضية) لعزل الخلايا الجذعية لاستخدامها في الأبحاث المتعلقة بإيجاد علاجات للأمراض الخطرة. وعلى أي حال، لا يستخدم العديد من خطوط الخلايا الجذعية الجنينية مباشرة لتطوير العلاجات، لكنها تستخدم بدلا من ذلك لاكتشاف الأدوية من قبل شركات الأدوية أو للكشف عن التأثيرات السامة للأدوية الجديدة؛ فهل يمثل هذا إعادة تخصيص مقبول أخلاقيا لاستخدام الخلايا الجذعية الجنينية البشرية التي لم يتم اشتقاقها في الأصل إلا لغرض تطوير العلاج بالخلايا الجذعية؟ لا تفرّق العديد من البلدان بين العلاج بالخلايا والاستخدامات الأخرى، وتسمح قوانينها بالاستخدام الشامل وباشتقاق الخلايا الجذعية الجنينية لجميع الأغراض البحثية. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن الديانات لا تنظر إلى الوضع المعنوي للجنين وحقه في الحماية بالطريقة نفسها. ترى الديانة المسيحية أن الحياة تبدأ عند الإخصاب أو الانقسام الأول للجنين. أما الإسلام والديانة اليهودية فتعتبران أن بداية الحياة هي لحظة «دخول الروح إلى الجسم»، والتي قد تكون بعد 40 يوماً من الحمل. ومن أي من وجهات النظر هذه، تنشأ العديد من المناقشات المتعلقة الأخلاقية، مثل التوائم المتماثلة النابعة من بويضة مخصبة واحدة، واللوالب الرحمية (وهي وسائل لمنع الحمل تنطوي على وضع سلك من النحاس في الرحم لمنع انغراس الجنين، ومن ثمّ يتعرض للفَقد )، والإجهاض المبكر العفوي، والتي تزيد من تعقيد بعض الحجج التي تتعلق بالحق في الحماية. وفي بعض البلدان، يستند القانون إلى الدين السائد، وفي بلدان أخرى ليس كذلك.
يبدو أن هناك عددا من وجهات النظر المختلفة حول الوضع الأخلاقي للجنين بقدر عدد المجتمعات المختلفة. ففي البلدان التي يسمح فيها القانون باشتقاق الخلايا الجذعية من الأجنة البشرية، يتمثل الإجماع عادة في أن للأجنة مكانة أخلاقية صغيرة لكنها محدودة، وتمتلك حقاً يزداد كلما تقدم الحمل، لتصبح في النهاية مساوية لمكانة إنسان حي بحلول نهاية فترة الحمل ووقت الولادة. هناك الآن أكثر من 1000 خط من الخلايا الجذعية الجنينية البشرية في جميع أنحاء العالم، سواء كانت تلك متعلقة بأمراض بعينها أو طبيعية. وهناك عدد قليل نسبيا من مختبرات الخلايا الجذعية الجنينية التي تقوم بنشاط باشتقاق خطوط جديدة للخلايا الجذعية البشرية. ويتمثل الاستثناء في المختبرات التي تحاول استخلاص خطوط الخلايا الجنينية البشرية من الفئة السريرية، والملائمة للاستخدام في العلاج بالخلايا في المستقبل.
والسؤال الملح هنا هو ما إذا كانت التطورات فيما يتعلق بخطوط الخلايا الجذعية المستحثة المتعددة القدرات كمصدر جديد للخلايا الجذعية المتعددة القدرات ستحل محل الحاجة إلى خطوط الخلايا الجذعية الجنينية البشرية الجديدة كنماذج مرضية، أو ما إذا كانت الخلايا الجذعية الجنينية البشرية ستبقى المعيار الذهبي. ولن تتكشف إجابة هذا السؤال إلا بمرور الوقت ونتائج الأبحاث ذات الصلة.
وهناك معضلة أخلاقية إضافية تتمثل في الاستنساخ (التنسيل: cloning). يمكن تقسيم الاستنساخ إلى نوعين؛ هما الاستنساخ غير الإنجابي، حيث يتم اشتقاق الخلايا من الأجنة المستنسخة سواء لعلاج أمراض معينة أو لتوليد الخطوط الخلوية الحاملة للمرض لأغراض البحث، والاستنساخ الإنجابي، حيث يتم إنشاء فرد جديد. وهذا النوع الأخير محظور في معظم البلدان، كما يعتبر غير مقبول أخلاقيا. وفي الممارسة العملية، فمن غير المرجح أن يكون أي استنساخ للبشر طبيعياً تماما: فمن المتوقع أن تُظهر النسائل مشكلات طبية لا يمكن التنبؤ بها. وفي بعض البلدان، مثل المملكة المتحدة وأستراليا وبلجيكا، يسمح بالاستنساخ العلاجي غير الإنجابي بموجب القانون، لأنه لا ينتج سوى المرحلة الجنينية الشبيهة بالكيسة الأريمية blastocyst، مع حقوق محدودة للحماية تشبه تلك التي تتمتع بها الأجنة المتبقية بعد إجراء الإخصاب في المختبر. ولأغراض الاستنساخ العلاجي، هناك حاجة للبويضات غير الملقحة. وللحصول على هذه، يلزم إعطاء علاج هرموني إضافة إلى إجراء عمليات جراحية محدودة على نسوة متطوعات صحيحات البدن. وبعد جمع البويضات، وكما هي الحال في عملية الإخصاب في المختبر، يتم استبدال الدنا DNA الخاص بالبويضة بدنا خلية جسدية متمايزة سليمة، وبعد ذلك تتم محاكاة دخول الحيوانات المنوية عن طريق صدمة كهربائية صغيرة، الأمر الذي يبدأ معه نمو الجنين. ومن ثمّ، فسينمو جنين مستنسخ من الكيسة الأريمية، والذي يتسم الدنا فيه بكونه مماثلا لذلك الموجود في الخلية الجسدية. أما الخلايا الجذعية المستمدة من هذا الجنين فتكون متطابقة وراثيا مع المتبرع بالخلية المتمايزة، ومن ثمّ لن يتم رفض أي أنسجة مستمدة من الخلايا الجذعية من قبل الجهاز المناعي لهذا المتبرع. وتشمل المصادر البديلة للبويضات المستخدمة في الاستنساخ العلاجي البويضات المستمدة من الخطوط الحالية للخلايا الجذعية الجنينية البشرية، أو البويضات الحيوانية؛ ومع ذلك فإن الأجنة المستنسخة الناتجة عن هذه المصادر ستُعتبر أجنة بشرية، ومن ثمّ تخضع للتشريعات المنظمة للأجنة والخلايا الجذعية.
وفي معرض مناقشة هذا الموضوع الحساس، من الواضح أنه لن يكون من السهل، بل وقد يكون مستحيلاً، التوصل إلى توافق في الآراء بشأن الوضع الأخلاقي للجنين، وحقه في الحماية، وما يجب أن تكون عليه درجة الحماية هذه. ومن المؤكد أن هذه القضية تدفع الأبحاث للبحث عن بدائل، ومن ثم فإن توليد الخلايا الجذعية المستحثة المتعددة القدرات سيكون بالتأكيد إحدى النتائج الإيجابية لذلك، مما يعني القضاء تقريبا على معظم أبحاث الاستنساخ العلاجي.

belowarticlecontent
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى