د. أحمد عبدالله
الغرافين مادة ثنائية الأبعاد ذات شكل سداسي مكونة من ذرات كربون يرتبط بعضها ببعض وذات سماكة تبلغ ذرة واحدة. ويتمتع الغرافين بعدد من الخصائص الميكانيكية والكهربائية والحرارية، إضافة إلى مساحة سطح نسبي كبيرة جدا. وعلى الرغم من أن الغرافين قديم كقدم الغرافيت الذي يتكون من عدد من طبقات الغرافين مكدسة بعضها فوق بعض، ومفصولة عن بعضها بمسافة 3.4 أنغستروم، فإن الغرافين لم يكتسب الأهمية التي يستحقها حتى تمكن فريق من جامعة مانشستر البريطانية من فصل الغرافين عن الغرافيت عام 2004 ، وحصلوا نظير إنجازهم على جائزة نوبل في الفيزياء. وحاليا لم يعد الغرافين المادة البحثية الأولى فحسب، إذ تتخطى الأبحاث المنشورة سنويا بهذا الصدد 5000 بحث، بل أصبح أيضا مكونا أساسيا في عدد من المنتجات التجارية المتطورة.
مزايا عديدة
تتميز جسيمات أكاسيد المعادن المتناهية الصغر بمساحة سطح نسبية وتفاعلية كبيرة مما يكسبها أهمية في مجالات الإلكترونيات، والطاقة، والعوامل الحفازة، وأجهزة الاستشعار، والتطبيقات الحيوية. لكن نظرا لطاقة السطح العالية جدا لديها فإن هذه الجسيمات تميل إلى التجمع والتكتل، مما يفقدها مساحة السطح والتفاعلية المرتفعة، ومن ثم يؤدي ذلك إلى خفض كفاءتها.
وللاستفادة من الخصائص الاستثنائية للغرافين في تطبيقات حقيقية يجب بناء تركيبات ثلاثية الأبعاد من الغرافين، لكن غالبا ما تتأثر تلك الخصائص الاستثنائية للغرافين نتيجة تكدس طبقاته. لذلك يتطلب الحصول على منتج ذي خصائص مميزة منع طبقات الغرافين من التراكم بناء على تركيبات ثلاثية الأبعاد من الغرافين. لذلك يلجأ العلماء إلى تكوين مركبات هجينة للاستفادة من الخواص المميزة للغرافين وجسيمات أكاسيد المعادن المتناهية الصغر، وتجنب النزعة لتكوين جسيمات متراكمة من أكاسيد المعادن أو بناء العديد من طبقات الغرافين. وتتمتع هذه الخلائط بأفضل خصائص الغرافين وأكاسيد المعادن، وبكفاءة وظيفية أعلى من كليهما في تطبيقات عديدة مثل تحويل وتخزين الطاقة، والعوامل الحفازة، وأجهزة الاستشعار، والتطبيقات البيئية لفصل الملوثات من المياه والغاز. ويوضح الازدياد المطرد للمقالات المنشورة سنويا عن خلائط الغرافين وأكاسيد المعادن – والتي بلغت نحو 400 مقالة عام 2016 – أهمية هذه المواد واستخداماتها الواعدة.
والصورة المثلى لهذه المركبات الهجينة تكمن في تثبيت جسيمات أكاسيد المعادن المتناهية الصغر على منصة ثنائية الأبعاد من الغرافين. ويعتمد أداء هذه الخلائط (الهجائن) على نسبة أكاسيد المعادن والغرافين، وبالأهمية نفسها على جودة توزيع جسيمات أكاسيد المعادن على سطح الغرافين. وغالبا ما تحضر هذه الخلائط باستخدام الطرق التقليدية لتحضير جسيمات أكاسيد المعادن المتناهية الصغر كالطريقة الهيدروحرارية في محاليل تحتوي على خليط من نترات، وأسيتات، أو كلوريد المعادن مع أكسيد الغرافين الذي يتم اختزاله أثناء التحضير إلى أكسيد الغرافين المختزل.
تخزين الطاقة
إن مواكبة التطور المذهل في مجال الاتصالات والإلكترونيات مع مراعاة المتطلبات البيئية تتطلب بطاريات ذات سعة طاقة عالية، وتتميز بشحن أسرع وعمر أطول وذات تكلفة مقبولة. تعد بطاريات الليثيوم الأكثر شيوعا في الإلكترونيات المحمولة. ويعتمد فيها حاليا على الغرافيت كمادة للقطبين السالب والموجب. لكن القدرة المنخفضة للغرافيت (379 ملي أمبير – ساعة/غرام) لا تناسب تطبيقات السيارات الكهربائية والمهجنة. وعلى الرغم من القدرة التخزينية العالية لأكاسيد المعادن كالحديد، والنيكل، والكوبالت، والقصدير، والتيتانيوم والتي تتخطى ضعف قدرة الغرافيت، فإن هذه الأكاسيد تعاني بسبب الموصلية المنخفضة وتدهور خواصها أثناء الشحن وإعادة الشحن، لتمدد حجمها وانخفاض الموصلية الكهربائية. وتتجمع الجسيمات المتناهية الصغر من هذه الأكاسيد أثناء عملية الشحن وإعادة شحن مما يحد من كفاءتها التخزينية من دورة إلى أخرى.
ويعد الغرافين من المواد المفضلة للاستخدام في مجال تخزين الطاقة لتغليف المواد الفعالة كهروكيمائيا نتيجة لتوصيلها الاستثنائي، لذا فإن خلائط الغرافين وأكاسيد المعادن مرشحة بقوة لتستخدم أقطابا لأنواع عديدة من بطاريات الليثيوم.
خلائط ذات مسام مفتوحة
تمكن فريق من معهد ماكس بلانك لأبحاث البوليمرات (ألمانيا) من تطوير خليط (مزيج) من أكسيد الحديد وأكسيد الغرافين المختزل ذي كمية كبيرة من المسام المفتوحة. وتميزت الأقطاب المصنوعة من هذا الخليط بأداء كهروكيميائي يفوق ذلك المصنوع من أكسيد الحديد. كما تزيد قدرة التخزين العكسية له عن 1000 ملي أمبير – ساعة /غرام خلال دورة الشحن الأولى، وتحتفظ بنحو %100 من القدرة التخزينية بعد 130 دورة. ويعزى هذا التحسن في الأداء الكهروكيميائي إلى عمل جسيمات أكسيد الحديد المتناهية الصغر كمواقع للاختزال والأكسدة، وكفواصل تبقى كمسام مناسبة إضافة إلى تحسن التوصيل الكهربائي لوجود الغرافين.
الاستشعار عن الغازات
تعتبر أجهزة استشعار وكشف الغازات ذات أهمية بالغة للرصد البيئي ومتابعة التفاعلات الكيميائية، إضافة إلى الاستخدام في المجالات الزراعية والطبية. وتتميز أكاسيد معادن الزنك، والتنغستين، والقصدير، والنحاس، والحديد، والتيتانيوم بحساسية واختيارية جيدتين للغازات السامة مثل الأمونيا، وأول أكسيد الكربون، وأكاسيد النيتروجين، وكبريتيد الهدروجين. وظهر الغرافين كمادة واعدة بهذا الصدد؛ إذ تتأثر خصائصه الإلكترونية بشدة عند ادمصاص الجزيئات الغريبة، ويتمتع بحساسية عالية حتى عند تراكيز منخفضة جدا، لكن يعاني في عديد من الحالات ضعف انتقائية الاستشعار، ومن ثم تعمل فرق بحثية على تطوير خلائط من الغرافين مع المواد المتناهية الصغر ومن ضمنها أكاسيد المعادن. وأظهرت الأبحاث تحسن قدرة استشعار الغاز، والانتقائية والحساسية للخلائط لتفوق أداء كل من الغرافين وأكاسيد المعادن منفردة. وتتميز هذه المركبات الهجينة بصورة أساسية بقدرتها على استشعار تراكيز منخفضة جدا من الغازات تصل إلى استشعار جزيء أحادي من الغاز إضافة إلى قصر زمن الاستكشاف.
معالجة المياه والغازات
للغرافين ومشتقاته قدرة جيدة على ادمصاص العديد من الملوثات كالصبغات، والمعادن الثقيلة، والمواد العضوية والزيوت من المياه الملوثة بسعة كبيرة وسرعة عالية؛ نظرا لمساحتها السطحية العالية ووجود المجموعات الوظائفية على سطح مشتقات الغرافين. لكن الانتقائية المنخفضة وصعوبة استرجاع الغرافين وإعادة استخدامه مرات عديدة، إضافة إلى تكلفته التي ما تزال مرتفعة تحد من استخدامه في معالجة المياه الملوثة. من جانب آخر، تتميز أكاسيد المعادن كالحديد والتيتانيوم بالقدرة على ادمصاص المعادن الثقيلة والصبغات، إضافة إلى قدرة حفزية ضوئية لتكسير المركبات العضوية والزيوت. وهنالك العديد من الأبحاث التي تركز على تطوير خلائط الغرافين ومشتقاته مع أكاسيد المعادن كالحديد والتيتانيوم لتكوين تركيبات ثلاثية الأبعاد من الغرافين، والتي تحسن القدرة على الادمصاص وإعادة الاستخدام المتكرر. وتكتسب خلائط الغرافين وأكاسيد المعادن أهمية في معالجة الغازات. فعلى سبيل المثال تمكنا حديثا من تطوير خلائط الغرافين مع جسيمات متناهية الصغر من أكاسيد النحاس أو الزنك تحتوي على نسب مختلفة من أكاسيد المعادن، وتم استخدامها لفصل غاز كبريتيد الهدروجين السام من الغاز الطبيعي. وأظهرت الدراسات أن خلائط الغرافين تؤدي إلى صغر حجم أكاسيد المعادن وزيادة فاعليتها، مقارنة بتلك التي تحضر منفردة وتبقى غير متراكمة وموزعة بانتظام على سطح الغرافين، مما يجعل أداء الخلائط لفصل كبريتيد الهيدروجين أفضل من أداء الغرافين وأكاسيد المعادن منفردين.