على مدار عشرة أيام في نوفمبر 2018 هبت على الكويت عواصف لم تشهد البلاد لها مثيلًا من قبل. ففي يوم واحد هطلت على بعض مناطق الكويت كمية غزيرة من الأمطار تعادل ما يمكن أن يهطل على مدار ثلاثة أشهر في الظروف العادية. استحالت الطرق إلى أنهار يصعب الخوض فيها، وأُغلقت المدارس، وتدهور بسببها أسفلت الشوارع. وقال وزير الأشغال العامة حينها إن القصور في مرافق البنية التحتية أمر ينبغي معالجته فورا.
قال طه أحمد، الأستاذ المشارك في كلية الهندسة بالجامعة الأسترالية في الكويت “إن الطرق تشهد حالة من التدهور منذ عام 2013. لكن جميع الحلول المقدمة لا تحل المشكلة حقًا. إنها مجرد مسكِّنات مؤقتة”.
سعى طه أحمد إلى دراسة التحديات التي تواجهها حالة البنية التحتية هذه في مشروع بحثي بعنوان “تأثير التجريف على أداء خليط الأسفلت الساخن في ظل الظروف المناخية القاحلة: دراسة حالة في الكويت”. تحدث ظاهرة التجريف قيد الدراسة عندما ينفصل الركام (أو ما يعرف في الكويت باسم الصلبوخ) عن الطبقة العليا من الرصف الأسفلتي. لا يؤدي هذا التدهور إلى تقويض السلامة الهيكلية للطرق فحسب، بل يؤدي أيضًا إلى إنتاج “الحصى المتطاير” الذي يلحق الضرر بالعديد من المركبات في الكويت (خاصة بعد هطول الأمطار). نظرا للمشكلات التي تعتري مهمة صيانة الطرق في مناخ يتسم بعدم الاستقرار المتزايد، فقد تكون الكويت بمثابة مختبر مثالي لتصميم الطرق لهذا النوع من المناخ (وإن كان ذلك أمرا مرهقا للدولة).
نفذ طه أحمد وفريقه المشروع الذي مولته مؤسسة الكويت للتقدم العلمي على ثلاث مراحل: ” التقييم اللاحق للتدهور في طبقات الرصف العاملة “؛ و” تطبيق طريقة السوبربيف في تصميم الخلطات الأسفلتية لطرق الكويت Superpave Mix Design Method “؛ وأخيرًا، “عمر الأداء باستخدام التحليل الميكانيكي التجريبي لخلائط الأسفلت”. خلال المرحلة الأولى، ” التقييم اللاحق للتدهور في طبقات الرصف العاملة”، أخذ الباحثون عينات ميدانية من خمسة طرق أسفلتية اختيرت من أنحاء مختلفة من مدينة الكويت، وقيَّموها على أساس مجموعة من عوامل التدهور: التشققات والحفر والتشكل الدائم/التخدُّد والتجريف.
قال طه أحمد: “تخيّل منحنى للتدهور. في السنوات الأولى، سيحدث التدهور – ليس بشكل سريع. لكن عند مستوى معين؟ هناك نقطة انهيار يتعذر بعدها أن يتماسك أسفلت الشارع… [لكن] يجب أن تكون تلك النقطة بعد عشرين عامًا. في بعض الأماكن هنا، وصلت إلى تلك النقطة بعد خمسة عشر عاما أو خمسة أعوام وأحيانًا ثلاثة أعوام فقط من تاريخ آخر صيانة معروفة لها. هل يمكنك تخيل ذلك؟”
استفاد أحمد بشكل كبير في تنفيذ بحثه من الشراكة مع جامعة نيفادا، رينو University of Nevada- Reno التي تخرج فيها؛ شارك إيلي حاج، المشرف على أحمد خلال دراسته لنيل درجة الماجستير هناك، كباحث مشارك (جنبًا إلى جنب مع أحمد سعيد سعد، زميل طه أحمد في الجامعة الأسترالية في الكويت). بعد أن جمع
و جهز طلبة طه أحمد عينات ميدانية ومختبرية للطرق الأسفلتية في الكويت، قاموا بشحنها إلى كل من أديتيا سينغ وسيثثرثان أرونثافابالان، من فريق مختبر الأسفلت في جامعة نيفادا، لتحليلها باستخدام معدات متخصصة متقدمة غير متوفرة في الكويت.
يُعزى الكثير من التدهور السريع للأسفلت إلى التلف الناجم عن الرطوبة؛ فالماء الزائد يؤدي إلى إضعاف الالتصاق بين الركام/الصلبوخ والمادة الأسفلتية الرابطة (البيتومين)، مما يؤدي إلى التجريف. بيد أن العواصف الممطرة الأخيرة التي هبت على الكويت بدأت تتجاوز في غزارتها حتى أمطار “سنة الهدامة” التي شهدتها الكويت عام 1934 عندما هطلت عليها أمطار غزيرة بلغت نحو 300 ملم، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف كمية الأمطار المعتادة. تسببت تلك الأمطار الغزيرة بتدمير أكثر من 500 منزل طيني وتشريد 18 ألف شخص. كيف يمكن إذن إعداد الطرق الحديثة لتحمل الذروة الجديدة؟ يتناول طه أحمد حلًا ممكنًا في المكون الثاني من بحثه بعنوان ” تطبيق طريقة السوبربيف في تصميم الخلطات الأسفلتية لطرق الكويت”.
السوبربيف هو منهجية لتطوير كيمياء الأسفلت يؤمل أن تحل محل “خليط مارشال”، وهو خليط الأسفلت التقليدي الذي يكسو الطرق في معظم أنحاء العالم، لكنه مزيج يعود إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية. منهجية السوبربيف هي تحسين طال انتظاره وصُممت بهدف تضمين الحمل المروري والمناخ في صيغتها للتحكم على نحو أفضل في الضغوط الرئيسية الثلاثة التي تقوض أداء الأسفلت: التشوه الدائم/التخدد؛ والتشقق الناتج عن الكلال؛ والتكسير الحراري. صُممت الصيغة الجديدة – المستخدمة حاليًا في قطر – لتحمل درجات حرارة تصل إلى ست وسبعين درجة سيليزية (أعلى بست عشرة درجة من مزيج مارشال). تعتمد هذه القوة المكتشفة حديثًا على مزيج دقيق من أربعة مكونات رئيسية: الركام/الصلبوخ؛ المادة الرابطة؛ الفراغات الهوائية؛ والمواد المضافة.
لكن إحدى العقبات التي تحول دون استخدام هذه الخلطة الجديدة هنا هي أن الكويت في الواقع لا تنتج درجة البيتومين المطلوبة لإنشاء مادة رابطة مناسبة. نظرًا لعدم توفر هذا المكون الحاسم، خلط فريق طه أحمد المادة الرابطة مع 3 % من البوليمر من أجل تلبية التوقعات المطلوبة من السوبربيف.
هناك عوامل رئيسية أخرى تساهم في تدهور الطرق مثل الحمل المروري – لاسيما في بلد 80 % من جميع المركبات فيه هي مركبات شخصية. في أحد مشاريعه السابقة بعنوان “تحسين تدفق حركة المرور في المناطق المناخية القاحلة الحارة من خلال تنفيذ نظام النقل بالسكك الحديد الأحادية الخفيفة: دراسة حالة في الكويت” ذكر طه أحمد أن مسارًا صغيرًا للسكك الحديد ذات الخط الواحد في شارع الخليج ربما يقلل الحمل المروري بنسبة تصل إلى 50 %.
سعت المرحلة الأخيرة من بحث طه أحمد، وهي بعنوان “عمر الأداء باستخدام التحليل الميكانيكي التجريبي لخلائط الأسفلت”، إلى تحديد ما إذا كان مزيج السوبربيف الكويتي المعدل سيصبح على مستوى التحدي المتمثل في القدرة على الأداء مدة عشرين عامًا في ظروف الكويت القصوى. وكانت النتيجة أنه في بعض النواحي، نجح الخليط في تحقيق ذلك بالتأكيد، لا سيما فيما يتعلق بتجنب التشوه الدائم/التخدد. وبالمثل، كان الخليط الجديد قادرًا على تحمل التكسير الحراري – لأنه بينما وصلت درجات الحرارة في الكويت في الفترة الأخيرة إلى 54 درجة سيليزية، فإنه كان بإمكان الخليط تحمل هذه الحرارة بأمان وفقا لمواصفات تصميم الطريق. (هناك حد أدنى أيضا لتحمل درجة حرارة الطرق – لكن هذه العتبة أكثر برودة بكثير مما يُتوقع أن تختبره الكويت).
لكن نقطة ضعف الخليط الجديد هي ضعف مقاومة التشقق الناتج عن الكلال. على الرغم من أنه يمكن إطالة عمره عدة سنوات من خلال تقليل معايير الأداء بمعدل خمسة إلى عشرة في المئة، فإن طه أحمد وفريقه يتوقعون أن يتحمل الخليط الكويتي المعدل – في وضعه الحالي – خمس أو ست سنوات فقط؛ إذ تؤدي السيول التي شهدتها الكويت في الفترة الأخيرة، على وجه الخصوص، دورًا كبيرًا في إجهاد الطرق.
قال طه أحمد: “عندما نعالج مشكلة التلف الناتج عن الرطوبة، سنحصل في الواقع على أداء جيد جدًا”.
في فبراير الماضي، نظم فريق المشروع ورشة عمل استمرت يومين، استضافتها الجامعة الأسترالية في الكويت بمشاركة جامعة نيفادا، رينو. استقطبت ورشة العمل نحو مئتي مشارك من المهندسين العاملين في القطاع الحكومي الخاص والطلبة، وعملوا معا فيما يصفه طه أحمد بأنه “مشروع مثمر جيد جدًا بيننا وبين وزارة الأشغال العامة، إضافة إلى الأطراف الدولية المتعاونة معنا”.
قال طه أحمد إن “البحث من دون نقل المعرفة لا يعني شيئًا. سيكون مجرد كومة من الورق”.
بقلم جوناثان فيكينز
تصوير: عمر السيد عمر