بقلم ميتش لزلي
قد تكشف جمجمة قارض مثل الجربوع Gerbil و الفأر عن ثروة من المعلومات حول ما يأكله الحيوان والكيفية التي يعيش بها في بيئته والكيفية التي تطور بها. يدرس الدكتور بدر الهاجري من جامعة الكويت تركيب الجمجمة والمعلومات التشريحية الأخرى لفهم الكيفية التي تكيَّفت بها القوارض مع الموائل الصحراوية، وسبب تطويرها كل هذا العدد الكبير من الأنواع.
وُلد الهاجري في الكويت عام 1986 وتلقى تدريبه العلمي في الولايات المتحدة. حصل على درجتي البكالوريوس والماجستير في علم البيئة والبيولوجيا التطورية من جامعة كولورادو University of Colorado في بولدر قبل حصوله على درجة الدكتوراه في العلوم البيولوجية من جامعة ولاية فلوريدا Florida State University في تالاهاسي عام 2014.
ركزت أبحاثه لنيل درجة الماجستير على البيولوجيا التنموية التطورية لسمكة الزرد Zebrafish، لكنه تحول إلى علم البيئة الصحراوية بعد حصوله على منحة دراسية كاملة من جامعة الكويت لدراسة الموضوع في جامعة ولاية فلوريدا. ودرس في بحثه لنيل شهادة الدكتوراه، التكيّفات الصحراوية لأكبر مجموعة فرعية من القوارض وتنوعها، وتشمل الفئران والجرابيع والجرذان والهامستر.
واصل بحثه هذا بعد التحاقه بجامعة الكويت في عام 2014 كأستاذ مساعد في علم الحيوان. يقول: “تركز معظم أبحاثي على البيئة الصحراوية والتكيف مع البيئات الصحراوية والتاريخ الطبيعي والجغرافيا الحيوية والموضوعات المشابهة”. وقد نشر 18 ورقة بحثية حول هذه الموضوعات وغيرها. وغالبًا ما يستخدم هو وزملاؤه مقاربة تسمى المورفومترية الهندسية Geometric morphometrics تتضمن تحليلًا إحصائيًا للقياسات، مثل قياسات الجمجمة، لتحديد الاختلافات في حجم الهياكل أو شكلها. لجمع البيانات من أجل بحثه، فحص عينات القوارض المحفوظة في خمسة متاحف رائدة للتاريخ الطبيعي، بما في ذلك متحف سميثسونيان الوطني للتاريخ الطبيعي Smithsonian National Museum of Natural History في واشنطن العاصمة والمتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في نيويورك.
باستخدام هذه البيانات، اختبر الهاجري وزملاؤه عددا كبيرا من الفرضيات قديمة العهد حول التكيُّفات التي طرأت على جمجمة قوارض الصحراء. على سبيل المثال، افترض العلماء أن الفقاعات الطبلية Tympanic bullae، وهي الانتفاخات الموجودة على الجزء السفلي من الجمجمة وتحتوي على أجزاء من الأذنين الوسطى والداخلية، أكبر نسبيًا في القوارض الصحراوية. والأساس المنطقي لهذا الافتراض هو أن القوارض التي تعيش في الموائل الصحراوية ذات الغطاء النباتي المتدني ستحتاج إلى زيادة في دقة السَمع حتى تتمكن من اكتشاف الحيوانات المفترسة بسرعة أكبر. ومن ثم، ينبغي أن تكون آذانها الداخلية والمتوسطة أكبر، وكذلك فقاعاتها الطبلية. اقترح العلماء أيضًا أن للقوارض الصحراوية قنوات أنفية أطول حتى تتمكن من استعادة مزيد من المياه من الهواء عندما تزفره.
قيَّم الهاجري والدكتور الذي أشرف على رسالته في الدكتوراه سكوت ستيبان Scott Steppan هذين التفسيرين في دراسة عام 2018، ووجدا أن كليهما يبدو صحيحًا؛ إذ تميل الأنواع التي تعيش في مناخات جافة إلى امتلاك فقاعات طبلية أكبر وممرات أنف أطول من الأنواع التي تعيش في بيئات رطبة. ومع ذلك، بدا أن النتائج لم تأخذ في الاعتبار فرضية أخرى تشير إلى أن للقوارض الصحراوية قواطِع أقصر وأعرض. ويبدو أن هذا التكيف خاص بالقوارض الصحراوية التي تكشط الملح عن أوراق الرَغل، وهو نبات صحراوي تتغذى عليه الحيوانات في معظم الأحيان. يقول الهاجري: “تشير هذه النتائج على ما يبدو إلى أن التكيف يؤدي دورًا مماثلًا في تشكيل تطور بعض الهياكل القحفية Cranial structures” في مجموعات فرعية مختلفة من القوارض الصحراوية.
استخدم الهاجري بيانات القوارض التشريحية لاختبار فرضيات أخرى، مثل الفكرة التي مفادها أن الحيوانات التي تعيش في بيئات أكثر إنتاجية، تتوفر فيها كميات أكبر من الطعام، تميل إلى أن تكون أكبر حجماً. والقوارض هي مجموعة جيدة لتقييم هذه الفرضية لأن أحجام أجسامها تتراوح من ثلاثة غرامات إلى أكثر من 60 كيلوغراما. وعندما حلل الهاجري وزملاؤه أكثر من 1,300 نوع من القوارض في عام 2019، وجدوا علاقة ضعيفة بين الإنتاجية البيئية وحجم الجسم، مما يشير إلى أن هناك عوامل أخرى لها تأثير أكبر في مدى كِبر حجم الحيوانات. هناك فرضية أخرى بحثها مفادها أن الحيوانات الصحراوية التي تعيش في الموائل المفتوحة تكون أفضل في الوثب، ربما لأن هذا النوع من الحركة سيسمح لها بالهروب من الحيوانات المفترسة. لقد اختبر الفكرة على الجربوع ووجد أن الأنواع التي تعيش في بيئات مفتوحة تميل إلى أن تكون لها أقدام خلفية أطول، مما يحسِّن من قدرتها على الوثب. يقول الهاجري: “هذه الدراسة هي مثال على الكيفية التي يمكن من خلالها دراسة الأنماط العامة في الطبيعة بدقة مع الإحصاءات”.
وساهم حديثا بخبرته في مشروع أطلقه زميله في جامعة الكويت الدكتور حسن الحداد يهدف إلى تحديد سلالات الإبل بناءً على عينات من الحمض النووي DNA وغيره من البيانات. والإبل من بين عدد قليل من الحيوانات التي لم تُحدد سلالاتها بوضوح مع معايير سلالة واضحة. هذا البحث مهم لأنه قد يوفر أساسًا أكثر عقلانية لتهجين الحيوانات بهدف تحسين السلالة. يقول الهاجري: “إسهامي الرئيسي في هذا التعاون هو تطبيق الأساليب المورفومترية الهندسية في القياس الكمي للتغيرات المورفولوجية في الجمال”. وتظهر أحدث الأبحاث التي أجراها الباحثون أن هذه الأساليب قد تميز بعض سلالات الإبل حسب حجم جذعها وشكلها.