لطالما كان مرض الصرع مؤرقا لمن يحيط بالمريض من أهل وأصدقاء، ومربكا لهم من حيث معرفة كيفية التصرف السليم حياله، والتخلص من نوباته، وإعطاء الأدوية المناسبة لأنماطه. ويزداد ذلك القلق إذا كان ذلك المريض طفلا صغيرا لا يستطيع التعبير عن معاناته، أو الشكوى من حالته، أو معرفة ما يحدث له.
ومن الناحية الطبية ينظر إلى الصرع باعتباره حالة من النوبات المتكررة المتمثلة في نقص أو فقد الوعي الناجمة عن اضطرابات انتيابية Paroxysmal dysfunction في وظائف المخ. وهذه النوبات لا يكون لها علاقة عادة بالحمى أو بأي أذى دماغي حاد يلحق بالمخ. وقد تكون مصحوبة بحركات لا إراديـة عامـة أو بؤريــة Motor Phenomenon. ووفق دراسات طبية متعددة، فإن معدل الإصابة بالنوبات الصرعية يبلغ نحو ثمانية من كل 1000 طفل.
ويعتمد تشخيص ذلك المرض لدى الأطفال بشكل أسـاسـي علـى الـفحص الإكـلينيـكي للـحالة الـذي يـرتبـط بإجـراء وصـف دقيـق للنوبات. وهـو مـا يـجعـلنا نـؤكد أن مخـطط كهــربائية الـدمــاغ EEG ذو قـيمــة محـدودة في عمليــة التشخيص.
الملامح الإكلينيكية
رصد الأطباء عبر عقود عدة الملامح الإكلينيكية العامة للنوبات الصرعية التي تصيب الأطفال Spotlights on Childhood Epilepsy ، ووصفوها وصفا دقيقا، ثم سعوا إلى وصف العلاجات والأدوية المناسبة لكل منها. وتتمثل هذه الملامح في الأنماط والأطوار الآتية:
النمط الأول: نـوبات الـصرع الـتوتـرية الرمعية Tonic Clonic fits أو ما يعرف بالنوبات الصرعية العامة Grand mal Epilepsy: يـمـكن تـبـين هـذا الـنـمـط في ثـلاثـة أطوار هي:
الطــور التــوتري Tonic Phase: من أهم ملامحه الغياب المفاجئ عن الوعي، والتواء الظهر، ومد الأطراف، وتـوقف الـتنفس، وصرير الأسنان، إضـافة إلى قـضم اللسان في بعض الحالات.
الطـور الرمـعي Clonic Phase: مـن أهم مـلامحه نـفـضات مـتقطعة مـنتظمة، وتنفـس غير مـنتـظم، وإفرازات لعابية زائدة، إضافة إلى تبول لا إرادي في بعض الحالات.
طور ما بعد الصرع Post-ictal Phase: يبدو الطفل خلال تلك المرحلة مختلط الذهن غير مكتمل الوعي، وقد يغط في سبات عميق لعدة ساعات.
وعند إجراء التخطيط الكهربائي للدماغ EEG قد يتبين وجود اضطراب عام في النشاط الموجي Diffuse Cerebral Dysrthythmia. ويعالج هذا النمط عادة باستخدام عقار فالبروات كخيار أولي، أو كاربامازيبين كخيار ثانوي.
النمـط الثـاني: نـوبات الغياب Absence Attacks، أو نوبـات الصــرع الـصغـرى Petit mal Epilepsy: وهي نوبات وجيزة جدا من نقص الوعي تستغرق كل منها عادة ما بين 5 و 20 ثانية. ومن المهم في هذا النمط معرفة أن المريض لا يفقد الوعي بشكل كامل، كما أنه لا يعاني من أي حركات لا إرادية خلال النوبة.
ويـظـهر التـخطـيط الـكهربائي للـدمـاغ في هـذاالنمط ارتفاعات مميزة في النشاط الموجي بمعدل ثلاثة ارتفاعات في الثانية الواحدة، فيما يُعالج هذا النمط عادة باستخدام عقار فالبروات كخيار أولي، أو إيثوسوكسيميد كخيار ثانوي.
الـنمط الثالث: الـنـوبات الجـزئية (البـؤرية) البسيطـة Simple Partial Epilepsy: تحدث هذه النوبات على صورة نفضات منتظمة في الوجه أو الساقين أو الذراعين فيما يكون المريض في كامل وعيه. وقد يحدث ضعف مؤقت في الجزء المصاب من الجسم الذي يتعرض للنوبة. وقد تتطور الأمور أيضا إلى نوبة صرعية تقلصية رمعية كبرى عامة Generalized tonic clonic convulsions. ويعالج هذا النمط عادة باستخدام عقار كلونازيبام كخيار أولي، أو فالبروات كخيار ثانوي.
النمط الـرابع: الـتشنجـات الجزئية المركـبة Complex Partial Epilepsy: يظهر هذا النمط عادة في صورة ضعف في الوعي مع هلوسة وحركات غير طبيعية (كالمضغ، أو البلع، أو المص …. إلخ). وفيما يتعلق بمرحلة ما بعد التشنجات فقد يغلب عليها درجة من درجات فقدان الذاكرة.
وقد يظهر تخطيط كهربائية الدماغ وجود تفريغ كهربائي صادر عن الفص الصدغي للمخ Temporal lobe. ويعالج هذا النمط عادة باستخدام عقار كاربامازيبين كخيار أولي، أو فينيتوين كخيار ثانوي.
النمط الخامس: تشنجات الرضع Infantile Spasm: تحدث هذه التشنجات عادة خلال المرحلة العمرية ما بين 3 و 8 أشهر، وتكون على هيئة انقباضات بحيث يظهر الطفل قابضا يده وكأنه ينحني للسلام على أحد. ويستمر ذلك الأمر عادة ثواني معدودة، بيد أنه قد يتكرر بشكل متوال ومتسارع ليستغرق في بعض الأحيان نصف ساعة أو يزيد. ويتميز هذا النمط بحدوث تراجع في المهارات التطورية للطفل Developmental regression.
وتجدر الإشارة بهذا الصدد إلى أن العديد من هذه الحالات يرتبط بوجود اختناق أثناء الولادة أو إصابة بالتهاب سحائي خلال الأشهر الأولى بعد الولادة.
وفي هذا النمط فإن تخطيط كهربائية الدماغ يظهر عادة في صورة ما يعرف باضطراب النظم المترافع Hypsarrhythmia. ويعالج هذا النمط عادة باستخدام عقار كلونازيبام و/أو الهرمون المنبه لقشرة الكظر ACTH.
التدابير العلاجية
تناولنا آنفا أنماط النوبات الصرعية وأطوار كل منها، وأشرنا بإيجاز إلى العلاج الدوائي لها. وتجدر الإشارة إلى ضرورة الحد من النشاط الحركي في بعض الحالات التي لا يتم السيطرة عليها بشكل كامل.
ومن التدابير العلاجية المناسبة للنوبات الصرعية اتباع إجراءات التثقيف الصحي الضرورية للأسرة، ويشمل ذلك طبيعة المرض والأدوية المستخدمة في العلاج، وأثرها في وجود بعض الصعوبات في التعلم والتحصيل الدراسي. وينصح باستخدام الديازيبام الشرجي لعلاج حالات نوبات التشنج التوترية الرمعية الطارئة.
ويجب إحاطة أعضاء هيئة التدريس داخل المدرسة بطبيعة المرض الذي يعانيه الطفل، مع إسداء التوجيه اللازم لهم، ومناقشة كل المشكلات التعليمية التي قد تواجه الطفل، بما في ذلك رصد الأداء المدرسي، والغياب، وعدم قدرته على التأقلم مع البيئة التعليمية، وضرورة الإشراف على الطفل ومتابعته خلال ممارسة الأنشطة الرياضية ولاسيما السباحة.
وثمة تدابير علاجية إضافية للتعامل مع النوبات الحادة. ويشمل ذلك ثلاثة أمور هي: وضع الطفل بطريقة تضمن سالكية مجرى الهواء A patent airway should be ensured، واستخدام الديازيبام الشرجي إن كان ذلك متاحا وممكنا، وإعطاء العقاقير الوريدية اللازمة للسيطرة على التشنجات عند الوصول إلى المستشفى.
المتابعة المنتظمة
يجب أن يكون هناك متابعة دورية منتظمة لحالة الطفل المصاب بالصرع تتمثل في إجراءات عدة، أهمها التعرف على معدل تكرار النوبات، والتعرف على أي أعراض جانبية للأدوية المستخدمة حال حدوثها ومحاولة منعها قدر المستطاع، وتقدير مستوى العقاقير المضادة للتشنجات بشكل دوري ومنتظم، والتعرف المبكر على أي مشكلات نفسية واجتماعية وتعليمية قد يواجهها الطفل في نطاق الأسرة والمدرسة.
وفيما يتعلق بالمآل، أو التكهن بعاقبة الحالة، فإن النظرة المستقبلية لمثل هذه الحالات تكون جيدة بصورة عامة حيث يتعافى %80 من الأطفال المصابين بالنوبات الصرعية، بيد أن النظرة المستقبلية لتلك الحالات لا تكون جيدة نسبيا في حالة الإصابة بتشنجات الرضع.
د. حاتم موسى
أستاذ طب الأطفال في جامعة سوهاج