النارجيلة..

من تجربة الاستمتاع إلى الإدمان القاتل

 إبراهيم أبورمان
  صيدلاني، وكاتب علمي، (الأردن)

    بعد أن كان تدخين النارجيلة (الشيشة) مرتبطا بنمط من الرجال ذوي الطباع الخاصة والشباب الذين يمرون بظروف معينة، صار حاليا “موضة” عصرية يتبناها الرجال والنساء على حد سواء، وتنتشر الأمكنة التي تقدمها لمرتاديها، كما انتشرت في بعض البيوت لتصبح “تقليدا” يوميا يتشارك فيه جميع أفراده من أب وأم وأبناء.

   وبينما تظهر الدراسات المتتالية الأخطار الكارثية الناجمة عن تدخين النارجيلة، وتأثيرها الخطر على الصحة مقارنة بتدخين السجائر، فإن مستخدميها يزدادون يوما بعد آخر دون أن يلقوا أي اعتبار لتلك الدراسات، أو يعبأوا بأخطارها ونتائجها على صحتهم وصحة المحيطين بهم.

نقل الأمراض المعدية

 هنالك عادات شبه متأصلة في بعض المجتمعات في تدخين النارجيلة، أهمها مشاركة جميع الموجودين في تدخين نارجيلة واحدة، وانتقال “البربيش” المستخدم فيها من فم إلى آخر، دون مبالاة باحتمال انتقال الأمراض المعدية عن طريق اللعاب، كالرشح والأنفلونزا والأمراض التنفسية الفيروسية الأخرى كأنفلونزا الطيور والخنازير، إضافة إلى مرض القوباء الجنسي و السل والكبد.

   وأظهرت دراسات حديثة أن تدخين النارجيلة أدى إلى زيادة نسب الإصابة بمرض السل بشكل كبير وتنشيط العدوى، وأنه يمكن لجرثومة المرض أن تعيش في “بربيش” النارجيلة لسنوات عدة. و تدخل الجرثومة إلى الجهاز التنفسي أو المعدة والأمعاء، كما أن أجواء الضباب من دخان النارجيلة في المقاهي والاكتظاظ الكبير، والرذاذ الذي يخرج من الفم، كلها عوامل محفزة وبيئة مناسبة لوجود جرثومة السل، إضافة إلى ذلك، فإن تدخين النارجيلة يعمل على إضعاف جهاز المناعة والخلايا في الجهاز التنفسي، ويقلل من مناعة الغشاء المخاطي، لذا يكون هذا عاملا مساعدا في دخول الجرثومة إلى الجسم.

  واعتقاد بعض المدخنين أن المبسم الذي يوضع في “البربيش” يمنع انتقال الأمراض أمر ثبت خطأه؛ لأن المشكلة تكمن في النارجيلة وجميع مكوناتها وليس في “البربيش” فقط، ومن ذلك التبغ المستخدم والمواد الملونة والنكهات المختلفة للمعسل (المكون من تبغ مخمَّر وفواكه متعفنة) ومادة الغليسرين المسرطنة. كما أن مادة القطران والأوساخ التي تترسخ في “البربيش” تنمو وتعيش داخله لتنقل العدوى بين الناس، إضافة إلى أخطار أخرى كالانتفاخ الرئوي، وسرطان الفم والشفة.

بين السيجارة والنارجيلة

 تظهر الدراسات أن الرأس الواحد من النارجيلة يعادل ما بين 30-40 سيجارة، ومن ثم فإن مدخني النارجيلة يتعرضون لكميات أكبر من النيكوتين وأول أكسيد الكربون. وكل دورة للنارجيلة  (بالعامية نَفَس) تدوم عادة أكثر من 40 دقيقة، وتتكون من 50 – 200 استنشاق، وكل استنشاق يتمثل في ما بين 0،15 – 0،50 لتر من الدخان. واستخدام الماء لتصفية الدخان لا يزيل جميع المواد الكيميائية الضارة، وهو مخالف لما يعتقده بعض الأشخاص من أن الماء يمتص السموم، لكن النيكوتين لا يذوب في الماء، ويحتوي على مواد مسببة للسرطان.

 وهنالك سوء استخدام للنارجيلة في بعض المجتمعات، حيث يعمد بعض المدخنين إلى إضافة مواد مضرة بالصحة، مثل المخدرات فتصبح النارجيلة وسيلة للإدمان يصعب التخلص منها، ويتحول ضررها من المعدلات البسيطة إلى الأخطار الكارثية التي قد تنتهي إلى الوفاة.

   ويلجأ آخرون إلى الاستعاضة عن الماء الموجود في النارجيلة بالكحول المسكِّر الذي من شأنه أن يزيد من تأثير النارجيلة السلبي في الجسم. وهو أمر يمثل خطرا كبيرا؛ إذ يؤدي إلى فقد المدخن لسيطرته على نفسه نتيجة السكر الشديد، ومن ثم تبدر منه سلوكيات خطرة على نفسه والمحيطين به والمجتمع.

النارجيلة والأجنة  
أظهرت دراسة متخصصة على النساء الحوامل اللواتي يدخن النارجيلة وجود تأثير سلبي لذلك على الأجنة، وبينت أن خطر ولادة طفل ناقص الوزن هي أكبر لدى النساء الحوامل المدخنات منه عند النساء غير المدخنات، ويزداد التأثير بشكل ملموس عند النساء اللواتي بدأن بتدخين النارجيلة في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، وأن ذلك التأثير يمتد إلى مرحلة ما بعد الولادة بعدة أشهر، ويؤدي إلى إصابة المولود بضيق في التنفس.

Exit mobile version