العلم والتكنولوجيا في عام 2020.. جائحة كورونا تتسيد المشهد العالمي

لقاحات كوفيد-19 جمعت علوم الجينات والسرطان والأوبئة في مسار موحّد، ما يشكل تغييراً في مسار الطب وعلوم البيولوجيا وظاهرة الحياة كلها

د. أحمد مغربي
كاتب ومترجم متخصص بالموضوعات العلمية (لبنان)

لنحاول الحديث عن العلوم والتكنولوجيا في 2020، من دون التطرق إلى جائحة كورونا. تبدو المهمة مستحيلة، لكن لنحاول. وقبل المحاولة، تفرض الأمانة والعقل الإشارة ولو بلمحة إلى تجربة العلم مع ذلك الفيروس، من دون نية الدخول في التفاصيل. لقد سجّل العلم انتصاراً تاريخياً في صنعه لقاحات ضد كوفيد-19. ربما لا يبدو لنا الأمر كذلك لأننا نعيش في الوباء، وربما لا نرى في عتمته شيئاً منيراً إلا إذا تكفل بإزالة الوباء. لعل السنوات المقبلة، ربما أجيالا آتية، ستنظر إلى ذلك الإنجاز المتعدد الأبعاد بوضوح أكبر. باختصار، جمعت لقاحات كوفيد-19 علوم الجينات والسرطان والأوبئة في مسار موحّد، ما يشكل تغييراً في مسار الطب وعلوم البيولوجيا وظاهرة الحياة كلها. جرى ذلك خلال السنة الأولى من الوباء. نعلم أن الأوبئة استمرت (بعضها لا يزال) قرونا وعقوداً قبل أن تتوقف، بطريقة أو بأخرى. إنها المرّة الأولى التي تراهن فيها البشرية على العقل والعلم في الخروج من فتك جائحة بها. لقد أزال كورونا مشهد الحضارة بضربة واحدة. في أيام قلائل، تحوّلت الحواضر الكبرى للحضارة البشرية إلى خواء. دخل بلايين الأشخاص إلى بيوتهم كأنهم نمل يهرع إلى أوكاره. لنذكر جيداً أن الحضارة البشرية وقفت على حافة خطرة، أحد حديها أن يكون مجرد الاستمرار فيها عملية “انتحارية”، لولا العلم ولولا العقل. وقبل أن ينجح اللقاح في تبديد ظلمة خطفت لحظة من مسار الحضارة، برز مشهد فائق التناقض. لقد انتشر الفيروس وضرب بقسوة فائقة الدول الأكثر تقدماً في العلم وأسباب التقدم في العمران (الولايات المتحدة نموذجاً). وفي تلك الدول، صارع العلِم الذي ينادي بإجراءات الوقاية ثم باللقاح وسيلة لدحر الوباء، صارع الشعوب التي ولد من رحم تجربتها التاريخية! في أمريكا، تحوّلت الكمامة صراعاً سياسياً. الأسوأ، أن الأصوات الأعلى في رفض تلقي اللقاح ظهرت في مجتمعات إنتاج العلوم والتكنولوجيا، بل انتشرت في تلك المجتمعات نظريات مجافية للعقل عن مؤامرة تتصل باللقاح (بل حتى الفيروس، كالقول بأنه ينتشر عبر شبكات “الجيل الخامس” للهواتف المحمولة). كأن العلم يحارب نفسه في شوارعه ومدنه وعلى أجساد أهله. الأرجح أن ذلك لم يكن متوقعاً. يحتاج الأمر إلى نقاش لن يتطرق إليه ذلك المقال، لكن يصعب عدم التلميح إلى أن الأمر ربما يعود جزئياً (مجرد جزئياً) إلى التباعد المتواصل منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، بين العلم والفلسفة. هل يعود التناغم بين الذراعين الكبيرتين لمشروع العقل البشري، بدفع من ضرورات مواجهة الجائحة؟ لننتظر ولنر.

  الأرجح أن الكلمات السابقة تكفي كي تفي بوعد تجنّب نقاش كورونا في مقال عن بانوراما العلوم والتكنولوجيا. ولا يعني ذلك أن التجنّب الكلي ممكن. ثمة جانب تقني محض في أمور كورونا، يتمثّل في صعود سريع للتقنيات الرقمية والبُعد المتصل بالذكاء الاصطناعي في العمران البشري المعاصر. ويمتد ذلك من انتشار العمل من بُعد والمؤتمرات الافتراضية وتطبيقاتها [كـ”زووم” و”بلوجينز”] التي باتت جزءاً من الحديث اليومي للناس، وصولاً إلى مساهمة الذكاء الاصطناعي في التعرف إلى تراكيب كوفيد وسلالته وتحوراته، وكذلك صنع الأمصال والأدوية واللقاحات ربما، في وباء مقبل [وقد تبين أن فيروس كورونا ربما يأتي في كل لحظة]، سيتكفل الذكاء الاصطناعي باستنباط تركيبة اللقاح المطلوب، أو المصل أو الدواء، في زمن يسير، فلا تضطر البشرية إلى الاختباء في “الجحور” ولا توقف عجلة العمران، بل تعمل بثقة استناداً إلى تقدم أعلى كثيراً حينذاك، في العلوم والتكنولوجيا.

التعليم من بعد

في منحى متصل، غطس التعليم المعاصر، وهو أساس آليات العلوم والتكنولوجيا، في تجارب التعليم من بُعد. وسبحت المجتمعات في مياه غير معروفة الغور من تسيّد مشهدية التواصل الافتراضي بأنواعه وتنويعاته، للعلاقات البشرية. ومرّة أخرى، برزت مشهدية مملوءة بالتناقض. إذ شكّل العيش الافتراضي الذي ساد الظن دائماً بأنه خطوة إلى الأمام في مسار البشرية، شكّل حجر عثرة غير متوقع أمام العلوم. إذ انبثق من شاشات التواصل الاجتماعي الافتراضي كل أشكال إعلام نظرية المؤامرة و”الأخبار الكاذبة” والفيديوهات الملفقة والمعلومات المضرة [بل القاتلة، عندما يتعلق الأمر بالفيروس والأدوية واللقاح]، بل أن تكون مساحات لاجتماع متألق للعقول البشرية. مرّة أخرى، يمكن إرجاع ذلك إلى عوامل لا حد لكثرتها، لكن التباعد غير الحميد بين العلم والفلسفة [بما تشكله من أساس في وعي البشر] يتحمل جزءاً من المسؤولية في ذلك.

المواصلات

* الطب وعلوم الحياة

* معلوماتية واتصالات

وينطبق وصف مماثل على الشبكات التي تربط الحواسيب الكمومية أيضاً. ويكفي القول إن سرعة تناقل المعلومات عبر الشبكات الكمومية تفوق سرعة الضوء كثيراً، بل إنها تلامس حد إلغاء الزمن!

* مناخ وبيئة

* الفضاء واستكشاف الكون

* طاقة

Exit mobile version