م. محمد الحسن
منذ أنْ بدأتْ كندا باسْتغلال عصارة الصخور الزيتية عام 1967 بالطرائق العلمية الحديثة، وأخذت تروج لتلك المادة ولمادة الرمال الزيتية وما يخرج منهما، باعتبارها بديلاً محتملاً ومناسباً للنفط التقليدي، وتسعى إلى استغلال ما يسمى بمشروعات النفط غير التقليدي لتكون بديلاً من النفط (تمثل هذه المشروعات نحو %3 من إمدادات النفط العالمية)، اتجهت أنظار المعنيين بالوقود الأحفوري بصورة عامة، وبالطاقات المتجددة (البديلة) بصورة خاصة, إلى ذلك المنجم الذهبي الجديد، الذي اعتبروه فتحاً علمياً فذاً في ميدان الطاقة.
وفي تلك السنة كانت الطاقة الإنتاجية لكندا من الصخر الزيتي نحو 5 آلاف متر مكعب يومياً، أي ما يعادل نحو 25 ألف برميل من النفط، لكن السنوات التي تلتها شهدت تطورات متسارعة في التقنيات المستخدمة في صناعة تعدين تلك المادة، أدت إلى زيادة الكميات المنتجة، وخفض تكلفة الإنتاج، إضافة إلى انتشارها في الدول الواعدة، مثل الولايات المتحدة وكندا اللتين تختزنان نحو %75 من الإنتاج العالمي.
مخزون عربي واعد
أمَّا على الصعيد العربي فثمة مخزون واعد في الأردن والمغرب وسوريا، وتظهر الدراسات أنَّ الأردن يحوي نحو 40 مليار طن من الصخر الزيتي، منها 36.7 مليار طن من النوع الجيد الموجود تحت سطح التربة مباشرة، والقابل للاستغلال بسهولة. وتقدر كمية النفط التي يمكن استخراجها من هذه الكميات بنحو 3.67 مليار طن، أي %10 من الكميات المتوافرة، وهو ما يعادل 27 مليار برميل من النفط، وهذه الكمية مساوية تقريباً للاحتياطي النفطي الموجود لدى الولايات المتحدة الأمريكية أو ليبيا.
وتذكر الدراسات أن لدى مصر احتياطياً هائلاً من النفط في الصخور الزيتية يراوح بين 30 و80 مليار طن، ما يؤكد أنها منتج واعد للبترول في الفترة المقبلة. وفي سوريا اكتشفت كميات كبيرة في حلب الشمالية، وفي وادي اليرموك جنوبي سوريا حيث يقدر وجود نحو 26 مليار طن.
إنتاج قديم
وإذا كان عام 1967 هو العام الذي بدأ فيه الإنتاج الكمي في كندا وفق أساليب حديثة جداً، فإنَّ الأساليب القديمة في ذلك البلد تعود إلى عام 1800، عندما تم إنتاج بعض الكميات من الصخر الزيتي من مخزونات في منطقتي نيوبرنسويك وأونتاريو، واستخدم النفط المستخلص في إنتاج الكيروسين وزيوت المصابيح والبارافين وزيت الوقود وزيوت التشحيم والتزليق وكبريتات الأمونيوم.
أما أوروبا فعرفت الصخر الزيتي في القرن السابع عشر الميلادي، واستخدم هناك في عام 1637 لاستخراج كبريتات الألمنيوم والبوتاسيوم، وهو ملح يستخدم في دباغة الجلود وتثبيت ألوان الأقمشة. وفي أواخر 1800 بدأ تعدين وتفتيت الصخر الزيتي على نطاق ضيق في أوروبا لاستخراج المواد الهدروكربونية منه، واستمرت تلك النشاطات خلال الحرب العالمية الثانية لكنها توقفت في عام 1966 نظراً لتوافر إمدادات أرخص من النفط الخام. وفي فرنسا، بدأ استغلال الصخر الزيتي تجارياً في بداية 1839، أما في اسكوتلندا فكانت صناعة تعدين الصخر الزيتي مزدهرة في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
تقنيات استغلال الصخر الزيتي
هناك نوعان من التقانات الخاصة باستغلال الصخر الزيتي؛ الأولى كندية، والأخرى متطورة تملكها شركة شل الهولندية. وطورت التكنولوجيا الكندية في الأساس لاستخراج النفط من الرمال الزيتية، التي تملك كندا منها كميات هائلة تصل إلى 300 مليار برميل من النفط الثقيل الذي تحتويه تلك الرمال. وأدى تطور تلك التقانة إلى خفض كلفة استخراج النفط الخام من الرمال (9 – 11) دولاراً للبرميل الواحد.
وخضعت هذه التقانة للعديد من التعديلات، بحيث أصبحت صالحة لاستخراج النفط من الصخر الزيتي، وقد استعملت فعلاً على أساس تجاري في كندا والولايات المتحدة وأستراليا والبرازيل وروسيا وإستونيا. وتعمل التقانة معتمدة على فرن دوار يتألف من أربعة أوعية تجري فيها عمليات تسخين الصخر الزيتي، وتجفيفه للتخلص من الرطوبة، وحرقه واستخدام الحرارة الناجمة عن الحرق.
وتشمل المرحلة الأولى في عملية استخراج النفط من الصخر الزيتي تجفيفه بإدخاله في وعاء مسخن سلفا في الفرن لإزالة أي رطوبة فيه. ويتم في المرحلة الثانية خلط الصخر الزيتي المسخن من الرماد الساخن الناجم من الحرق لرفع درجة حرارته إلى 500 درجة مئوية، مما ينجم عنه انفلات مادة الكيروجين الموجودة في الصخر وتحولها إلى بخار نفطي وغاز طبيعي وبقايا الكربون. وينقل أنبوب مركزي البخار الساخن والغاز إلى وعاء الاستعادة.
ويرسل الصخر الزيتي المستهلك إلى وعاء الاحتراق الذي تبلغ درجة الحرارة فيه 700 درجة مئوية، حيث يتم حرق بقايا الكربون المتبقي لتوليد مزيد من الحرارة لحرق كميات جيدة من الصخر الزيتي. ويحول رماد الصخر المحروق إلى فرعين؛ تجري إعادة استعمال الفرع الأول لتوليد حرارة التفاعل المطلوبة في حين يجري تحويل الفرع الثاني من الرماد إلى منطقة التبريد حيث يضاف إليه الماء لترطيبه قبل التخلص منه.
وتولد عملية استخراج النفط الخام من الصخر الزيتي غازات كبريتية وفسفورية ضارة، لكن التكنولوجيا الكندية لا تترك آثاراً ضارة على البيئة لقدرتها على التخلص من الغازات السامة وتنظيفها بحيث لا ينجم عنها انبعاثات غازية ضارة.
وتستطيع هذه التكنولوجيا استعادة مادة الكبريت بحيث يمكن استعمالها في تصنيع الحامض الكبريتي. فمن المعلوم أن ما بين 70 و%80 من إنتاج الكبريت في العالم يُستخدم في إنتاج مادة الحامض الكبريتي الذي يستغل معظمه في إنتاج الأسمدة الفسفورية.
وتحتاج هذه العملية إلى مياه، لكن هناك محاذير للاستهلاك المجحف للمياه خوفاً من نضوب المياه الجوفية، لذا يجب تقييم كميات المياه الجوفية بدقة بالغة في منطقة استغلال الصخر الزيتي لتقدير كميات المياه التي يمكن استخدامها بهذا الصدد.
تقانة شل
أما تقانة شركة (شل) فقد طورت خصيصاً من أجل استعمالها في إنتاج النفط في الصخر الزيتي في ولاية كولورادو الأمريكية. وتعمل هذه التقانة على مبدأ الحقن الحراري في باطن الأرض لموقع المشروع. وبموجبها، يجري حفر ثقوب عميقة في الصخر الزيتي وإدخال بخار عالي الحرارة فيها أو قضبان كهربائية ساخنة في تلك الثقوب لتسخين الصخر الزيتي.
وحينما تصل حرارة الصخر إلى درجة حرارة عالية، يحدث عندها تفاعل كيميائي داخل الصخر، يؤدي إلى تسرب النفط الخفيف إلى بئر قريبة، حيث يجري ضخ النفط منه إلى خزانات قريبة في حين تبقى المواد الكربونية الثقيلة في مكانها داخل الصخر.
ومن أهم مزايا تقانة (شل) عدم ترك بقايا يجب تنظيفها، واستخراج مستوى أعلى من النفط، وعدم الحاجة إلى استخدام المياه كالتقانة الأولى.
الاحتياطيات العالمية
تظهر المعلومات الإحصائية وجود نحو 600 موقع لمخزونات الصخر الزيتي في27 دولة، ولا توجد أرقام مثبتة عن الاحتياطيات، لكن يشار إلى الموارد التي يمكن استخراجها ضمن القيود الاقتصادية والقدرات التقنية. ويتفاوت حجم المخزونات من كميات قليلة ليست لها قيمة اقتصادية إلى أحجام هائلة تحتل ألوف الكيلومترات المربعة، وتختزن مليارات البراميل من الزيت الصخري القابل للاستخراج.
وتحتاج الكثير من هذه المخزونات إلى مزيد من التنقيب لتحديد قدراتها كموارد احتياطية مثبتة.
وزاد الانخفاض المتوقع في الإمدادات البترولية من فرص نجاح صناعة الصخر الزيتي التي صارت تمثل رافداً مهماً لتلبية جزء من الطلب المتزايد على الوقود الأحفوري خلال السنوات المقبلة. وحالياً يُستخدم الصخر الزيتي في بعض الدول كوقود في مصانع توليد الكهرباء بحرقه مثل الفحم، وفي قطاعات أخرى بهدف التدفئة، وكوقود في إنتاج الأسمنت، وبعض الكيميائيات مثل ألياف الكربون والراتينجات المختلفة.
وترتبط الجدوى الاقتصادية لاستخراج النفط من الصخور الزيتية بسعر النفط الخام، بحيث إذا كان سعر برميل النفط العادي أقل من تكلفة إنتاج البرميل المستخرج من الصخور الزيتية تكون الجدوى غير اقتصادية. ويرى المحللون أن مشروعات الصخر الزيتي وغيرها من مشروعات النفط غير التقليدي تصبح مجدية اقتصادياً عندما يكون سعر برميل النفط نحو 100 دولار.
ويركز الباحثون على ضرورة الاهتمام بالتأثيرات البيئية لصناعة الصخر الزيتي، وتتضمن الاعتبارات البيئية بهذا الصدد التخلص من الأحماض الناتجة عن التعرض للأكسدة للمواد المطمورة وطرح المعادن بما في ذلك الزئبق في المياه السطحية والجوفية، إضافة إلى احتمال انبعاثات أكاسيد الكبريت ولاسيما عند استخدام الصخر الزيتي في أعمال الحرق المباشر لتوليد الكهرباء. ويمكن أن تؤثر أعمال التعدين المستخدمة في تلك الصناعة على النظام البيئي للأرض من ناحية إلحاق الضرر البيولوجي نتيجة استخراج الصخور. كما أن المعالجة السطحية يتولد عنها انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات غير المحترقة.
وتبقى مشكلة تلوث المياه الجوفية إحدى القضايا الشائكة في تطبيق تقنية المعالجة الموضعية الداخلية، التي يتم تطويرها حالياً، حيث تتركز معظم جهود البحث لمعالجة هذه المسألة.