إبراهيم علي أبورمان
صيدلي في وزارة الصحة (الأردن)
تتحفنا الأبحاث الطبية كل فترة بأمل جديد في التوصل إلى علاج لمرض الزهايمر ربما يسهم في القضاء على هذا المرض المزمن الذي يعانيه ملايين الأشخاص في العالم ويؤرق أسرهم وذويهم ويحرم المجتمع من طاقاتهم. وفي الوقت نفسه، ما زال العلماء يبحثون عن الأسباب الفعلية لهذا المرض وعلاقة الأمراض المزمنة الأخرى كالسكري والسمنة به، وإمكانية الحد من الإصابة به عن طريق معالجة تلك الأمراض والحد من خطورتها.
ومرَض السُّكري قد يزيد من خطر الإصابة بداء الزهايمر. لكنَّ السيطرة على نسبة السكر في الدم وممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي صحي قد تُساعد على تقليل الخطر. ولمرض السكري مضاعفات عديدة على الأعصاب والكلى والأوعية الدموية والأعصاب المغذية لها، كما أنه من ضمن عوامل الخطر للإصابة بالخَرَف الوعائي الذي ينتج عنه تَلَف المخ، والذي يحدث من خلال تقليل أو حصر تدفُّق الدم الواصل إلى الدماغ، أي تقليل كمية الدم الواصلة إليه، لذا يعتبر السكري مسؤولا عن نحو 6 – 8 % من حالات الخرف عند المتقدمين في العمر، كما أن مرضى السكري غير المضبوط لسنوات طويلة معرضون لخطر حدوث الزهايمر بمعدل ثلاثة أضعاف زيادة عن أقرانهم غير المصابين بالسكري. وكلما تقدم مريض السكري في العمر تسارع تدهور الوظيفة المعرفية وزيادة خطر الخرف.
أسباب متوقعة
لا يمكن تشخيص مرض الزهايمر بشكل مؤكد إلا من خلال إظهار وجود سبب تطوره لدى المرضى، وهو كما يتوقع العلماء نتيجة لتجمع لويحات البروتين الأميلويد بيتا وبروتين آخر يطلق عليه بروتين تاو. وهذه تتشكل من نواتج تحلل البروتين المغلف للخلايا العصبية من التشابكات الليفية العصبية الوفيرة واللويحات العصبية المصاحبة لتراكم سلائف بروتين الأميلويد، وترسبات أميلويد (APP-Aβ) في اللويحات وجدران الأوعية الدموية في مناطق مختارة من الدماغ.
وتحدث الآفات الهيكلية المرتبطة بالزهايمر بصورة عامة بسبب تحلل العصبونات أو ما يطلق عليه النيورونات، وتراكم البروتينات كبروتين تاو الذي يكون مرتبطا بمحور الخلية العصبية. وهذا التحلل يتجمع بين الخلايا العصبية فلا يستطيع الدماغ التخلص منه مما يؤثر في التواصل بين الخلايا العصبية ويقلل من وصول المغذيات إليها فيقل حجم الدماغ. وهذا يلاحظ عند تصوير الدماغ حيث يكون لدى مرضى الزهايمر أقل بكثير منه لدى الأشخاص الأصحاء.
ولا يزال العلماء عاجزين عن معرفة سبب حدوث الزهايمر. وأدى عدم القدرة على ربط التشوهات الكيميائية الحيوية والجزيئية والخلوية التي تسبق أو تصاحب التنكس العصبي لمرض الزهايمر بآلية مسببة للمرض إلى انتشار العديد من النظريات التي ركزت على كيفية تحفيز مكون معين من الزهايمر. وكشفت إعادة تقييم الأدبيات القديمة أن ضعف استخدام الغلوكوز في الدماغ واستقلاب الطاقة يمثلان تشوهات مبكرة جدًا تسبق أو تصاحب المراحل الأولية من الضعف الإدراكي، وقادتنا إلى مفهوم مفاده أن لإشارات الأنسولين الضعيفة دورا مهما في التسبب في المرض، وأن الزهايمر ربما يمثل النوع 3 من مرض السكري.
جدل دائم
والسكري نوعان: النوع الأول يتكون بسبب تدمير المناعة الذاتية لخلايا بيتا في جزر البنكرياس ونقص الأنسولين المصاحب، وعلاجه يكون بحقن الأنسولين. أما السكري من النوع الثاني، وهو الشكل الأكثر شيوعًا، فينتج من مقاومة الأنسولين في الأنسجة المحيطية وغالبًا ما يرتبط بالشيخوخة، والتاريخ العائلي لمرض السكري، والسمنة، وعدم ممارسة الرياضة. والأفراد المصابون بمرض السكري من النوع الثاني يعانون ارتفاع السكر في الدم وفرط أنسولين الدم.
وهناك جدل حول الدرجة التي يسهم فيها السكري من النوع الثاني، ومؤخرًا السكري من النوع الأول، في التسبب بمرض الزهايمر. وتم دعم هذا المفهوم من خلال ارتفاع معدلات انتشار السمنة، والسكري من النوع الثاني، ومرض الزهايمر على مدى العقود العديدة الماضية. إضافة إلى ذلك، ربما تكون هناك علاقة متبادلة بين هذه الكيانات من خلال أمور مشتركة بين مرض السكري ومرض الزهايمر. وأهم هذه الأمور:
– زيادة خطر الإصابة بضعف إدراكي معتدل (MCI)، أو الخرف، أو الزهايمر لدى الأفراد المصابين بالسكري من النوع الثاني أو اضطرابات السمنة/خلل كوليسترول الدم.
– مقاومة الأنسولين المتقدمة في الدماغ.
– ارتفاع نسبة سكر الغلوكوز في الدم تسبب تغييرات مؤذية لبنية ووظيفة الدماغ، ولوحظ أن حدوث الضمور القشري الدماغي أكثر شيوعا عند مرضى السكري، إضافة إلى حدوث اعتلال في الأوعية الدموية الكبيرة والدقيقة، وأثر ذلك في نقص تروية الدماغ.
– ضعف إدراكي في نماذج حيوانية تجريبية من السكري من النوع الثاني و/ أو السمنة.
– تحسن الأداء المعرفي في النماذج التجريبية والبشر المصابين بمرض الزهايمر أو الاختلال المعرفي المعتدل بعد العلاج بعوامل محسس الأنسولين أو الأنسولين داخل الأنف.
– التشوهات الجزيئية والكيميائية الحيوية والميكانيكية المشتركة في السكري من النوع الثاني والزهايمر من خلال التأثير على الخلايا العصبية في الدماغ.
إن زيادة انتشار مرض السكري عند ممن تجاوزوا 65 عاما والربط بينه وبين الزهايمر الذي ينتشر بنسبة كبيرة لدى تلك الفئة يسلط الضوء على أهمية هذه المشكلة. وأرقام المصابين بالزهايمر في العالم في تزايد مستمر. وإذا استمرت الاتجاهات الحالية، فربما تتضاعف معدلات انتشاره كل 20 عامًا. وبينما من الواضح أن الشيخوخة هي أقوى عامل خطر للإصابة بمرض الزهايمر، فإن البيانات تظهر أن حالات السكري من النوع الثاني وخلل كوليسترول الدم ربما تسهم في التسبب بالزهايمر، إما بشكل مباشر أو كعامل مساعد.
دراسات وبائية
تقدم الدراسات الوبائية دليلًا مقنعًا على وجود ارتباط بين السكري من النوع الثاني والزهايمر، وترى أن السكري من النوع الثاني هو عامل خطر بذلك المرض. وهذه النتائج لا تخلو من الجدل، ففي إحدى الدراسات وجد الباحثون أنه على الرغم من أن لدى مرضى السكري الحدي مخاطر متزايدة بشكل كبير للتطور المستقبلي لمرض السكري أو الخرف أو الزهايمر، فإن تأثيرات المخاطر كانت مستقلة وليست مرتبطة. وهذا يعني أن مقاومة الأنسولين، أي ضعف القدرة على الاستجابة لتحفيز الأنسولين، ربما تتنوع بين الأعضاء المستهدفة وتكون موجودة في عضو واحد أو عضوين وليس في أعضاء أخرى، وهي ظاهرة ربما تفسر عدم وجود تداخل كامل بين السكري من النوع الثاني ومرض الزهايمر.
في المقابل، فإن هناك نتيجة واضحة مفادها أن السمنة (مؤشر كتلة الجسم أكثر من 30) من دون السكري من النوع الثاني ينتج عنها زيادة بمقدار ثلاثة أضعاف في خطر الإصابة بمرض الزهايمر، في حين أن الأشخاص الذين يعانون زيادة الوزن، لكنهم غير بدينين (مؤشر كتلة الجسم 25-30)، يعانون زيادة مضاعفة ربما تكون لها صلة بمرض الزهايمر.
ويمكن ربط السكري من النوع الثاني والسمنة بفرط سكر الدم المزمن، ومقاومة الأنسولين المحيطية، والإجهاد التأكسدي، وزيادة إنتاج السيتوكينات المؤيدة للالتهابات، و/أو أمراض الأوعية الدموية الدقيقة في المخ. وتم التعرف على العنصر البادئ أو المتسارع لمرض الزهايمر منذ سنوات عدة. ومع ذلك، أظهرت دراسة التصوير بالرنين المغناطيسي أن لدى البالغين الأكبر سنًا الذين يعانون السكري من النوع الثاني مخاطر متزايدة بشكل معتدل للإصابة بالثغرات وضمور الحصين، وأن شدة هذه الآفات تزداد بمرور الزمن وتطور السكري من النوع الثاني. وتظهر بعض الدراسات أن السكري من النوع الثاني ربما يعزز تقدم الزهايمر لكنه ربما لا يكون كافياً للتسبب فيه. لذا، لم يتضح حتى الآن مدى مساهمة السكري من النوع الثاني أو السمنة في التسبب في مرض الزهايمر.
وعلى الرغم من أن السمنة المزمنة مع نموذج السكري من النوع الثاني أظهرتا دماغًا صغيرا مع مقاومة الأنسولين، والإجهاد التأكسدي، وتدهور الهيكل الخلوي، فقد كانت التأثيرات متواضعة مقارنة بمرض الزهايمر ونماذج تجريبية أخرى أكثر قوة من السكري من النوع الثالث، ومعظم الخصائص الجزيئية والكيميائية الحيوية والتشريح المرضي التي تميز الزهايمر لم تكن موجودة . لذا قد يسهم السكري من النوع الثاني والسمنة كعاملين مساعدين على الإصابة بمرض الزهايمر لكنهما ربما لا يكونان كافيين للتسبب به.
وقد تتزامن أعراض الزهايمر مع أعراض شبيهة بالسكري، لكن ذلك لا يدفعنا إلى الجزم بأن السكري مسبب له، وبخاصة أن نسبة كبيرة من مرضى الزهايمر لا يكونون مصابين بالسكري عند إصابتهم بالزهايمر. والاستغلال التجاري الذي يقوم به أصحاب الرأي بحمية الكيتو واستخدام الزيوت النباتية مثل جوز الهند لا يمكن أن يكون سببا في الشفاء من المرض. وما زال العلماء يعملون بجد على إيجاد دواء نافع له وبخاصة في ضوء التطور الحاصل في مجال الأدوية واستخدام الهندسة الوراثية في إنتاجها.