زهير حموي
نظرا لأهمية الغذاء في حياة الإنسان، ودوره في الحفاظ على الصحة العامة، والحد من انتشار بعض العلل والأمراض، فقد اهتم الأطباء والحكماء بالحديث عنه، وعن الطبخ بصورة خاصة، والتطرق إلى ذلك في مصنفات عديدة، شاع ذكرها في التراث العلمي العربي، وانتشر تأثيرها بصورة كبيرة في مناطق عديدة، واتخذها جمع غفير بمثابة دليل صحي لحياة سليمة خالية من الأمراض والعلل المرتبطة بالطعام وأصنافه المتنوعة.
ولأهمية الغذاء أيضاً كان الخلفاء والأمراء والسلاطين يقيمون في قصورهم من يشرف على إعداد الطعام، وتجهيز الطبخ وترتيب شؤونه، ممن لهم خبرة في محتويات الأطعمة، ومدى مناسبتها لمن يتناولون الطعام، وكيفية التنوع في محتوياتها، والتعامل مع الخضراوات واللحوم والفواكه. وكان يطلق عليه في العصر المملوكي (الأستادار)، أي الأمير المسؤول عن رعاية بيوت السلطان وشؤونه الخاصة والإشراف على مطبخه والعاملين فيه.
وعدّ علماء تقاسيم العلوم «علم الأطعمة» من بين العلوم، حيث ذكر القنّوجي (ت: ١٣٠٧هـ) في كتابه «أبجد العلوم»، علم الأطعمة والمزوِّرات، وقال إن بعضهم عدوّه من فروع علم الطب، ووصفه بأنه: علم باحث عن كيفية تركيب الأطعمة اللذيذة والنافعة بحسب الأمزجة.
ومن الوصايا المعروفة في التراث العربي في كيفية (اختيار صاحب الطعام والشراب)، وصية ابن أبي الربيع البغدادي، أحمد بن محمد (عاش ما بين 327-218هـ) التي جمع فيها الشروط التي ينبغي توافرها فيمن يقوم بوظيفة الطباخ.
صفات صاحب الطَّعام والشَّراب
ومن أهم تلك الوصايا أن يكون صاحب الطَّعام والشَّراب ثقةً، مُؤْتَمَنًا، وأنْ يتلطَّف في منع السلطان عن بعض المطاعمِ التي لا توافقه، ويعرّفه وجه المصلحة في تركها، ويَتَفقَّدِ الطَّعام والشَّراب في كل ساعة، وأن يكون خبيرًا بتنصيص الألوان وترتيبها وأوقاتها، ليختار لكلِّ فصل ما يليق به، وأن يكون عارفًا بما يُجلب من البلاد من المطاعم والمشارب والجيِّد منها والمغشوش.
وذكر ابن النديم (ت: 385 هـ)، في كتابه «الفهرست» تسعة كتب ألفت في مجال الطبخ وعلاقته بالغذاء. ومن خلال تتبع تراجم مؤلفيها يلاحظ أنهم من الطبقة العلمية والاجتماعية المرموقة. ومنهم إبراهيم بن المهدي (ت: 224هـ)، وهو أخو هارون الرشيد، وابن ماسويه (ت: 243هـ) وهو طبيب، وعالم، ومترجم، وصيدلاني، عمل طبيبًا لهارون الرشيد في بغداد. ومنهم أيضاً أبو بكر، محمد بن يحيى الرازي (ت: 250هـ)، وهو عالم، وطبيب درس الرياضيات والطب والفلسفة والفلك والكيمياء والمنطق والأدب والعلوم الشرعية.
كتاب الطبيخ وإصلاح الأغذية
من الكتب المشهورة في التغذية والطبخ في التراث العربي كتاب (الطبيخ وإصلاح الأغذية المأكولات وطيبات الأطعمة المصنوعات، مما استخرج من كتب الطب وألفاظ الطهاة)، وهو من تأليف ابن سيار البغدادي الوراق، الذي عاش في بغداد في القرن الرابع الهجري، وعمل مشرفًا على مطابخ دار الخلافة العباسية. ويحوي الكتاب (132) باباً، وأكثر من (600) وصفة من وصفات الطعام، وذكر فيه مكونات الوصفات وطرق طبخها، وما يوافق الشباب والشيوخ، وما يؤكل في الشتاء والصيف، وآثار الطعام على القلب والبدن والدم والمزاج، وعمل آلات الطبخ والمعادن التي تتكون منها.
طيبات الطعام والألوان
ومن كتب التراث أيضا كتاب (فضالة الخِوان في طيبات الطعام والألوان)، وهو من تأليف ابن رزين التجيبي، علي بن محمد (ت: 692 هـ)، وهو فقيه ومحدث وأديب أندلسي. وهذا الكتاب صورة من فن الطبخ في الأندلس والمغرب في بداية عصر بنى مرين، وقال عنه محمد شقرون في مقدمة تحقيقه: إنّ هذا الفن حَظي بعناية بعض المؤلفين، ونال إعجاب قُرائهم، وعدد المستفيدين من إنتاجهم، فظهر ما ظهر من مؤلفات أصيلة علمية، وأخرى عَملية ثانوية، في حين اكتفت أخرى بالتكرار والاجترار، وإضافة أو إعادة التجربة بتقليصها أو بتحريفها، فكان عصر الازدهار، ثم لحقه عصر الانحطاط الذي خَسِرَت فيه المكتبة العربية كل إنتاج قويم يرمي إلى صيانة الأبدان والأذهان عن طريق تحديد الأغذية وكيفية استعمالها، وطرق استهلاكها، وتبيين مضارها ومنافعها.
أغذية المرضى
وألف نجيب الدين السمرقندي، محمد بن علي بن عمر (ت: 619هـ) كتاب (أغذية المرضى). والمؤلف طبيب بارع كان يرى أن الغذاء عامل أساسي من عوامل الشفاء والوقاية، وأن الغذاء قد يكون أهم من الدواء نفسه.
وهنالك كتاب عنوانه (الوصلة إلى الحبيب في وصف الطيبات والطيب) من تأليف: ابن العديم الحلبي، عمر بن أحمد (ت: 660 هـ)، الذي يعد من أشهر مؤرخي القرن السابع الهجري وأدبائه المميزين. ويعتبر هذا الكتاب من أقدم الكتب في مجال الطبخ، وهو يصوّر المطبخ الحلبي مطبخاً غنياً مسرفاً في الترف والبذخ، ويبحث فيه المؤلف في الطب والصناعة الطبية والغذائية والعطرية، ويتحدث عن الأطعمة والأغذية وطرق صناعتها وحفظها وفوائدها الصحية، وعن صناعة العطور والصابون وتنقية المياه وتقطيرها، وعن الأطعمة والحلويات.