التربية البيئية

من أجل تنمية مستدامة بالدول العربية

يجب تعزيز المحتوى البيئي للمناهج المدرسية بطريقة تربط البيئة بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية، وإعطاء الأولوية للإدارة السليمة للموارد الطبيعية لتحقيق الاستدامة.

البيئة بدأت تحتل موقعاً ثابتاً في مناهج المدارس العربية، وأدى ظهور تحديات بيئية جديدة إلى إدراج مفاهيم ومقاربات لم تكن موجودة في المناهج السابقة.

د. عبدالله بدران

   من الضروري التصدّي للتحديات البيئية في الإطار العام للتنمية المستدامة، لكن يجب الحفاظ في الوقت نفسه على المكوّنات الخاصة للتربية البيئية. ومن المفيد أن نتذكّر بهذا الصدد أن هدف رعاية البيئة وإدارة الموارد كان الدافع الرئيسي إلى نشوء مفهوم التنمية المستدامة.

    ربما كانت هذه الخلاصة من أهم التوصيات التي خلص إليها (المنتدى العربي للبيئة والتنمية “أفد”) في أحدث تقرير صدر أواخر عام 2019، وشدد على أن المنطقة العربية تواجه العديد من التحديات البيئية، بما في ذلك إدارة الموارد الطبيعية المحدودة والمتناقصة، وآثار استخراج وإنتاج النفط والغاز، ونقص المياه، والجفاف والأراضي القاحلة، وأنواع مختلفة من التلوث، إضافة إلى تغيُّر المناخ.

    وأفاد المنتدى في التقرير الصادر بعنوان (التربية البيئية: من أجل تنمية مستدامة في البلدان العربية) أن التربية تعد أداة رئيسية في معالجة هذه القضايا؛ وذلك من خلال تعزيز المعرفة بالبيئة والتنمية المستدامة التي يمكن أن تؤدي إلى أفعال.

التربية البيئية والتعليم

   يتضمن التقرير الذي يعد الثاني عشر في سلسلة تقارير المنتدى فصولاً وجداول تغطي تطوُّر مفهوم التربية البيئية، والموضوعات المتعلقة بالبيئة والتنمية في المناهج والبرامج المدرسية والجامعية، ودراسات حالة من المنطقة والعالم. وأسهم في التقرير 60 باحثاً، واستند إلى معلومات جمعها المنتدى من وزارات التربية والجامعات، وإلى مراجعات لمئات الكتب المدرسية.

    ويرى أنه على الرغم من بدء الاستجابة العالمية للتربية البيئية منذ ستينات القرن العشرين، فإن الدول العربية لم تُعرْها الاهتمام حتى أوائل الثمانينات، وبدأ إدخالها في المناهج ببطء خلال السنوات العشرين الأخيرة. وبينما أُحرز تقدم كبير على صعيد إدخال التربية من أجل التنمية المستدامة في المنطقة العربية، فإن نطاق نشاطات التنفيذ يختلف إلى حدّ كبير بين الدول. لكن المنطقة العربية تبقى متأخرة عن بقية أنحاء العالم عندما يتعلق الأمر بالتنفيذ العملي للبرامج.

  لقد بدأت البيئة تحتل موقعاً ثابتاً في مناهج المدارس في جميع أنحاء المنطقة العربية، مع نجاح متفاوت بين بلد وآخر. وأدى ظهور تحديات بيئية جديدة، بوتيرة غير مسبوقة خلال السنوات الأخيرة، إلى إدراج مفاهيم ومقاربات لم تكن موجودة قبلاً في المناهج.

   ويذكر التقرير أن الموضوعات البيئية الأكثر شيوعاً في المدارس العربية هي النظم الإيكولوجية والتلوث والموارد الطبيعية. وبينما أدرجت بعض البلدان موضوع التنمية المستدامة في مناهجها، فإن تغيُّر المناخ ظل غائباً، أو لم يناقش على نحو كافٍ، في 40 % من البلدان. أما الكوارث الطبيعية فكانت غائبة عن المناهج في نصف البلدان وضعيفة في النصف الآخر.

   ومن المثير للاهتمام أن الموضوعات البيئية لم تعد تقتصر على كتب العلوم والجغرافيا والتربية المدنية، بل بدأت تصبح جزءاً من موضوعات أخرى، مثل اللغات والأدب والتاريخ والاقتصاد. وفي معظم الحالات، شملت المناهج جوانب من العمل الشخصي لحماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية وتعزيزها، كما يقول التقرير.

المحتوى البيئي

  يدعو التقرير إلى تعزيز المحتوى البيئي للمناهج المدرسية، من حيث المفاهيم التي تغطيها، وكذلك فيما يتعلق بدقة المعلومات، مع مناقشة الجوانب البيئية في المناهج الدراسية في سياق أهداف التنمية المستدامة، بطريقة تربط البيئة بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية، وإعطاء الأولوية للإدارة السليمة للموارد الطبيعية لتحقيق الاستدامة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال إدخال مفهوم البصمة البيئية، إلى جانب خيارات النمو الأخضر، مع التركيز على أوضاع البلدان العربية.

   ويشجع التقرير على إعداد مقرّر جامعي حول البيئة والاستدامة يكون متاحاً لطلبة السنة الأولى من جميع الاختصاصات، مع تطوير برامج أكاديمية تجمع الكليات الجامعية المختلفة، لمعالجة الترابط بين التحدّيات البيئية والاجتماعية والاقتصادية. ويشير إلى أهمية إدخال القضايا المستجدة في صلب الدراسات الجامعية، مثل القانون البيئي في كليات الحقوق، والاقتصاد الأخضر والبصمة البيئية في كليات الاقتصاد، وإلى ضرورة ربط البحث العلمي حول البيئة والاستدامة بقطاعات الصناعة والأعمال.

   وثمة أهمية بالغة لتصميم المحتوى البيئي لإعداد الطلبة بشكل مناسب ليكونوا مواطنين مسؤولين، وتزويدهم بالمعرفة الكافية لوضعهم على الطريق الصحيح نحو التعليم العالي وظروف العمل المهني المحترف. وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا بإدماج التربية البيئية في جميع المراحل والموضوعات.

   ولكي يصبح تحقيق هذه الأهداف أمرا ممكنا يشدد التقرير على تشجيع التربية البيئية من خلال وضع سياسات ملائمة، والتعجيل في وتيرة البحث العلمي الذي يوفر حلولاً للتحديات البيئية الإقليمية، وعلى أن تكون الموضوعات البيئية جزءاً أساسياً ومتأصلاً في جميع المناهج العربية بدلا من أن تكون هامشية أو اختيارية.

كادر

النشأة والتطور
• تعود أصول التربية البيئية إلى منتصف القرن الثامن عشر، مع الفلاسفة والمربّين الذين آمنوا بأن الطلبة يجب أن يدرسوا في الطبيعة وليس في الكتب.
• اكتسبت التربية البيئية زخماً مع ولادة برنامج الأمم المتحدة للبيئة في ختام مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بالبيئة البشرية عام 1972. وأصبح التعبير متداولاً على نحو أوسع عقب المؤتمر الدولي الأول للتربية البيئية في تبليسي عام 1977.
• اكتسب الارتباط القوي بين البيئة والتنمية في التعليم زخماً بعد قمة ريو حول البيئة والتنمية عام 1992، التي تمخّضت عن جدول أعمال القرن الـ21 الذي اعتبر التربية أداة رئيسية لتنفيذ التنمية المستدامة، بما في ذلك الحفاظ على البيئة.
• جرى التعجيل في عملية دمج البيئة في التنمية المستدامة بعد مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في جوهانسبورغ عام 2002.

كادر

 الجامعات العربية
• أظهر التقرير الذي شمل استطلاع 57 جامعة عربية وجود 221 برنامجاً تفضي إلى شهادات أكاديمية في الموضوعات البيئية، تتضمن 71 درجة بكالوريوس و102 درجة ماجستير و36 درجة دكتوراه و12 شهادة تقنية.
•  55 من البرامج ذات الصلة بالبيئة تقدمها الجامعات في بلاد الشام (العراق، الأردن، لبنان، فلسطين، سوريا)، يليها 42 برنامجاً في دول مجلس التعاون الخليجي، و 39 برنامجاً في شمال إفريقيا (الجزائر، ليبيا، موريتانيا، المغرب، تونس)، و26 برنامجاً في مصر والسودان، وثلاثة برامج في جزر القمر و جيبوتي و الصومال.
• أظهر الاستطلاع أن عدد الشهادات العلمية والتقنية أكثر من تلك المتعلقة بالاقتصاد والتربية والسياسات. وجاءت معظم الشهادات ضمن العلوم البيئية (34 شهادة)، تليها الهندسة البيئية (30 شهادة)، والموارد المائية (29 شهادة)، والطاقات المتجددة (19 شهادة).
• شكلت الأبحاث في العلوم البيئية 7 % من مجمل ما نشره الباحثون العرب.

Exit mobile version