البحث عن نظرية كل شيء

النظريتان الرئيسيتان للفيزياء على خلاف مع بعضها بعضا. توضح النسبيةُ العامةُ لآينشتاين الجاذبيةَ لكنها تتناقض مع نظرية الكم: كيف نفهم المادة والذرات والجزيئات. تروي الفيزيائية النظرية فاي دوكر Fay Dowker لإيمي باريت Amy Barret لماذا لا تتفق النظريتان، وكيف تنوي الجمع بينهما.

ما هو التحدي الذي يواجهه الفيزيائيون حالياً؟
أنا أعمل على مشكلة الثقالة الكمومية (الجاذبية الكمّيّة) Quantum gravity. وليست لدينا نظرية للثقالة الكمومية بعد. التحدي هو العثور على هذه النظرية. إنها مشكلة لأن نظريتينا الرئيسيتين الحاليتين في الفيزياء [النسبية العامة General Relativity ونظرية الكم Quantum theory] لا تتوافقان مع بعضهما بعضاً. والقول إنها متناقضتان تصريح جَسُور، لكنني لا أخاف من قول ذلك. فالعلم يتقدم بالنظر في التناقضات بين أجزاء مختلفة من فهمنا، ويركز على تلك التناقضات لإحراز تقدم.

ما هي التناقضات التي تنطوي عليها مشكلة الجاذبية/الثقالة الكمومية؟
لدينا أفضل نظرية للثقالة (الجاذبية) حاليّاً، هي النسبية العامة. ووفقاً لهذه النظرية التي صاغها إلى حد كبير ألبرت آينشتاين Albert Einstein فإن ظواهر الجاذبية – مثل حركات الكواكب حول الشمس والثقوب السوداء وحركات المجرات في الكون – هي مظاهر جيومترية لنسيج نسميه الزمكان Space-time.
والزمكان رباعي الأبعاد وديناميكي، لذلك لديه حياة خاصة به. وتحكمه قوانين الفيزياء. إنه ينحني ويلتوي ويتموج ويحمل الطاقة. إنه كيان مادي في فهمنا الحالي للجاذبية/الثقالة. والطريقة التي ينحني بها ويلتوي تحكمها المادة في الكون. واعتماداً على المادة الموجودة، يستجيب الزمكان لها. وإذا كان هناك ثقبان أسودان، مثلا، يدوران حول بعضهما بعضاً، ويلتفان حلزونيّاً في اتجاه بعضهما بعضاً، فإن ذلك سيخلق تموجات في نسيج الزمكان تسمى موجات ثقالية Gravitational waves.
ولكن التناقض ينشأ لأن فهمنا الأساسي والأكثر أهمية للمادة هو ميكانيكي كمومي. وإحدى السمات الأساسية لميكانيكا الكم هي أن الأحداث الميكانيكية الكمومية هي بطبيعتها أحداث لا يمكن التنبؤ بها. وعندما يقع حدث ميكانيكي كمومي، فإننا لا نعرف مقدماً ما ستكون عليه النتيجة. نحن نعرف ما هي الإمكانات، لكننا لا نعرف أيها ستحدث. مثلاً إذا ذهبت إلى سباق الخيل، فأنت تعلم أن أحد الخيول سيفوز، لكنك لا تعرف مقدماً أيّاً من الخيول سيفوز. وتتجاهل النسبية العامة هذه الميزة الميكانيكية الكمومية للمادة. إليكم التناقض: تقول ميكانيكا الكم إن المادة تتصرف بطريقة عشوائية، لكن النسبية العامة تفترض أن المادة تتصرف بطريقة يمكن التنبؤ بها.

كيف يمكننا إيجاد حل لهذا التناقض؟
هناك مجتمع عالمي ممن يعملون على الثقالة الكمومية. إنها حالة غريبة في الوقت الحالي، فالأدلة التجريبية التي توجهنا في اتجاهٍ ما أو آخر في أبحاث الثقالة الكمومية نادرة جدّاً جدّاً. ومن الصعب أن تسترشد بالأرصاد الفعلية.
مثلا، في وقت الانفجار الكبير (العظيم) Big Bang، قبل نحو 13.7 بليون سنة، عندما كانت المادة في الكون في حالة حارة وكثيفة… هذا المجال هو المكان الذي ستكون فيه كل من الآثار الثقالية والكمومية مهمة. لكنها بعيدة جداً عنَّا في الزمن. لذا، من الصعب علينا أن نتقصى تلك الحقبة للحصول على أدلة تجريبية عما يجب أن تكون عليه الثقالة الكمومية.

هل يمكن أن ننظر إلى الفضاء ونرى هذا يحدث؟
في وسعنا ذلك. لذا، فإن علم الكونيات – وهو دراسة الكون بأكبر المقاييس التي يمكننا رصدها – هو أكثر مجال واعد يمكننا أن نعتمد عليه للحصول على أدلة عن مقاربات مختلفة للثقالة الكمومية. ولدي أمل بأن مزيداً من البيانات الكونية، في المستقبل غير البعيد، ستبدأ بالتمييز بين النهج المختلفة، وسنكون قادرين على الاسترشاد بتلك البيانات الكونية في أبحاثنا في مجال الثقالة الكمومية.

ما هي النهج المختلفة؟
يمكنني تقسيمها تقريباً إلى قسمين… أعني، هناك تداخل بينهما، وهناك علماء يعملون على أكثر من نهج، ولكن بشكل عام، يمكن تقسيمهم إلى فريقين. وهناك طريقة تأتي من مدرسة فيزياء الجسيمات، تُسمى نظرية الأوتار String theory. هؤلاء هم علماء فيزياء ركزوا على محاولة فهم المادة على المستوى الأساسي، أي النموذج القياسي (المعياري) لفيزياء الجسيمات Standard model of particle. وفي نظرية الأوتار، تُخمَّن الجزيئات الأساسية على أنها أنماط اهتزاز مختلفة لمادة أساسية، وهي ذات بعد واحد. لهذا السبب سُميت نظرية الأوتار؛ فالوتر أحادي البعد.
وينطلق النهج الآخر من النسيج الزمكاني رباعي الأبعاد كنقطة بداية والتفكير فيه باعتباره ذا طبيعة ميكانيكية كمومية. ويأتي ذلك من علماء فيزياء يعملون على النسبية العامة وفيزياء الثقالة التي تنشأ منها نُهج أكثر تركيزاً على الزمن والمكان من تركيزها على المادة.

أربعة أبعاد زمكانية مسألة يصعب فهمها
نعم نعم، الأمر كذلك. إنها رؤية جديدة للعالم، طريقة جديدة للتفكير في الكون. كيف يمكنك التفكير وفهم الثلاثة أبعاد؟

الأبعاد الثلاثة هي أمر نفهمه جميعنا، أليس كذلك؟
نعم جيد. ولكن ماذا يعني بالضبط؟ حسناً، ما يعنيه ذلك هو أنه يمكنك التفكير في شيء ما، واسمحي لي بأن أقول… فنجان الشاي. حتى أخبرك أين هو، يجب أن أعطيك ثلاثة أرقام، ثلاث إحداثيات. مدى ارتفاعه فوق الأرض، ومدى بعده عن الجدار الأمامي، ومدى بعده عن الجدار الجانبي. هذا ما نعنيه عندما نقول إن الفضاء ثلاثي الأبعاد. وإذا كنت ترغبين في تحديد موقعك في بريستول الآن على الخريطة، فأنت تحتاجين فقط إلى إعطاء رقمين: إحداثيتان على شبكة الإحداثيات على الخريطة. إذاً، خريطة بريستول ثنائية الأبعاد، أما الفراغ في هذه الغرفة حول فنجان الشاي؛ فهو ثلاثي الأبعاد.
فكرة الزمكان رباعي الأبعاد هي أنك تحتاج إلى أربعة أرقام لتحديد ليس فقط أين تكون، ولكن متى تكون. وعندما أقول «متى تكون» لا أعنيك أنت بذلك، لأنك تبقين لعدة لحظات من الوقت فقط، وإنما حالة محددة منك. أقصد أنت الآن.
إذن، لمعرفة مكان تلك الحالة التي تمثلينها أنت، عليك إعطاء أربعة أرقام. ثلاثة تحدد مكانك في الفضاء، بمعنى تقريبي، ورقم للزمن في تلك اللحظة. الزمكان رباعي الأبعاد هو جملة كل هذه الأحداث.

ما علاقة ذلك بالثقالة الكمومية؟
حسناً، يتعلق الأمر قبل كل شيء بالثقالة. الزمكان هو الطريقة الأساسية التي نفهم بها الثقالة.
إذا أخذت جميع الأحداث في الكون، فإنها تشكل هذا النسيج رباعي الأبعاد. وتتجلى بنية هذا النسيج رباعي الأبعاد كظواهر جذبية. إنها تشرح الجاذبية. وتخبرنا لماذا تدور الكواكب حول الشمس ولماذا تتصرف المجرات كما تفعل، ولماذا توجد الثقوب السوداء، ومن ثم فإن هذا النسيج رباعي الأبعاد للزمكان هو الثقالة.
الآن، لفهم الثقالة الكمومية، علينا أن نفهم الزمكان الكمومي. وفي النسبية العامة، فإن الزمكان سلس ومستمر.
ولكن في نهج الثقالة الكمومية التي أعمل عليها، والتي تسمى نظرية المجاميع السببية Causal set theory، فإن التخمين هو أن هذا النسيج السلس Smooth fabric هو مجرد تقريب لشيء حُبَيْبِي Granular في الأساس وضئيل جدّاً ومشوَّش. إنه ذري بشكل أساسي. وكلمة «ذرة» Atom تعني غير قابل للتقطيع. إنه شيء لا يمكنك تقسيمه إلى أجزاء أصغر. ويُخمَّن أنه مصنوع من أحداث أساسية هي أصغر الأحداث الممكنة، ولا يمكنك تقطيعها إلى أجزاء أصغر من ذلك.
نظرية المجاميع السببية هي مجرد الاسم الذي نطلقه على الشيء الرياضياتي والمنفصل والذري. وواضع نظرية المجاميع السببية هو زميل مقرب مني وفيزيائي هو رافائيل سوركين Rafael Sorkin.

كيف يمكن للتفكير في أن الزمكان حُبَيْبِي أن يساعد على حل المشكلة؟
الأمر يتعلق بفهمنا لطبيعة العالم الكمومي. لا يوجد توافق في الآراء حول كيفية فهم نظرية الكم، ولكنْ، هناك نهج واحد يُسمى «التكامل عبر التواريخ» The sum over histories يرتبط ارتباطاً وثيقاً بفيزيائي الجسيمات ريتشارد فاينمان Richard Feynman.
وفي هذا النهج ننظر في نظام الكم من منظور الأشياء التي قد تحدث والأحداث ثم التواريخ، وهي طرق مفصلة جداً يمكن وفقها لذاك الحدث أن يحدث. يمنحك تكامل فاينمان عبر التواريخ طريقة للتنبؤ بتلك الأحداث، والأسس التي تمكنك من حساب احتمال حدوث
حدث.
نحاول أنا وزملائي أن نبني فهماً للعالم الفيزيائي الكمومي، بناءً على نهج التكامل عبر التواريخ هذا.

لقد أشرف البروفيسور ستيفن هوكينغ على رسالتك للدكتوراه. هل تخبرينا عنه؟
كانت تجربة رائعة أن أكون طالبة لديه. وكان ستيفن مشرفاً سخيّاً في توجيهاته. فقد أشركني في العمل الذي كان يؤديه، وأعطاني مسألة رائعة للعمل عليها، وكان ودوداً. كنت خجولةً ولم أكن أُجيد التعبير عن أفكاري أمامه، لكنه لم يكن متحفظاً على الإطلاق. وقد كان دائماً يجد الوقت لي. وعلى الرغم من أنني كنت اضطر في كثير من الأحيان إلى الانتظار لفترة طويلة قبل رؤيته لأنه كان مشغولاً جدّاً، ولطالما أوضح أنه يعطي الأولوية للعلم وعمله وأبحاثه.
وكان ذلك جزءاً مهمّاً من عملي لنيل درجة الدكتوراه. لا تزال الأشياء التي علمني إياها جزءاً من الطريقة التي أفكر بها في الفيزياء. وقد ساعدتني فرصة الدراسة معه كثيراً في مسيرتي المهنية اللاحقة. وقد كان يتوقع منا أن نشارك في كل ما يفعله في ذلك الوقت. أعتقد أنه من المشجع جدّاً جدّاً بالنسبة إلى عالم شاب أن يشعر بأنه جزء من شيء أكبر.

Exit mobile version