ثمة مهمتان للإعلام في شأن تطورات كورونا أولاهما تقديم معلومات دقيقة وشاملة عن الفيروس لتكوين النسق المعرفي عنه، والثانية تفسير المعلومات وتحليلها لتعزيز ما يمكن تسميته “ثقافة الكارثة”.
د. عبدالله بدران
مع استفاقة العالم على أخبار فيروس كورونا المسبب لمرض كوفيد-19 في ديسمبر عام 2019، والوفيات الناجمة عنه، وسرعة انتشاره بين البشر، وانتقال العدوى بصورة كبيرة وبأشكال عديدة، واحتمال تحوله إلى وباء عالمي، صار ذلك الفيروس حديث العالم بأسره، ومن ثم احتل صدارة الأخبار في وسائل الإعلام، وأخذ يأخذ أكبر مساحة ممكنة من صفحات الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية، أو أكبر حيز متاح من أوقات بث القنوات الإذاعية والتلفزيونية أو الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبدأت صحف العالم تخصص صفحات يومية لنشر كل ما يتعلق بأخبار الفيروس، وكذا فعلت قنوات إذاعية وتلفزيونية، وعينت معظم الوزارات المعنية متحدثين رسميين للإعلان عن تطورات المرض وطمأنة المواطنين، في حين تسيدت مواقع التواصل الاجتماعي المشهد فحظيت بمتابعة واسعة من شتى أطياف الجمهور.
وعلى سبيل المثال، فعلى الصعيد المحلي خصصت الصحف والمواقع الإخبارية الكويتية صفحات عدة للحدث عن تطورات الفيروس، وكذلك فعلت القنوات الإذاعية والتلفزيونية. وعلى صعيد الولايات المتحدة أنشأت صحيفة (نيويورك تايمز) مدونة خاصة بالفيروس تبث على مدار 24 ساعة، وأطلقت (وكالة أسوشييتد برس) قناة خاصة لبث أخباره، وخصصت شبكة (إن بي سي نيوز) نشرتها الصباحية للحديث عن الفيروس وتطورات انتشاره.
وفي الوقت نفسه انتشرت في وسائل الإعلام تحليلات متباينة لأسباب تلك الكارثة العالمية، فمنها ما نسبها إلى مؤامرة أمريكية على الصين وإيران، ومنها ما نسبها إلى أخطاء ارتكبتها الصين أثناء تخليقها لفيروسات خاصة لمهاجمة أعدائها قي سياق ما يعرف بالحرب البيولوجية، ونسبها آخرون إلى استعدادات قديمة للمخابرات الغربية لمهاجمة الاتحاد السوفييتي (سابقا) والصين مستشهدين برواية عيون الظلام The Eyes of Darkness للكاتب الأمريكي دين كونتز التي صدرت عام 1981.
الإعلام والكوارث
عندما تحدث كارثة صحية ما في إحدى المناطق تصبح وسائل الإعلام أهم السبل أمام الجمهور لمعرفة تطورات هذه الكارثة وتداعياتها من جهة، وأهم منبر لإيصال الرسائل التي يود القائمون على إدارة الكارثة إبلاغها إلى جميع شرائح المجتمع بصورة عامة، وإلى المنكوبين بالكارثة بصورة خاصة.
وهذا المنحى هو ما يعبر عنه الإعلاميون بنظرية الاعتماد على وسائل الإعلام، التي تفترض أن الجمهور يلجأ إلى وسائل الإعلام لتلبية حاجاته المعرفية وبلورة مواقفه السلوكية في ظروف معينة. ويستخدم الإعلام في هذا الشأن أيضا ما يعرف بنظرية الإقناع، التي تركز على ضرورة أن تكفل الرسائل الإعلامية التي تبثها وسائل الإعلام المتنوعة ظهور توافق جماعي في الرأي؛ أي أن تحظى المضامين والمفاهيم التي تقدمها تلك الرسائل بتأييد من الجمهور وتحدِث تغييرا واضحا وملموسا في السلوك العلني، مع شعور الفرد أن مخالفته للجماعة ستعتبر سلوكا شاذا ومرفوضا.
وتؤدي الكيفية التي تعالج بها وسائل الإعلام الكارثة الصحية دورا مهما في تخفيف حدة الأضرار الناجمة عنها، أو قد تؤدي – إذا استخدمت بصورة سلبية – إلى زيادة حدتها وآثارها السلبية. ويحظى المنظور الإعلامي في إدارة الكوارث بأهمية متزايدة؛ فهو يعد مكوناً أساسياً من مكونات المزيج المتكامل في دراسة الكوارث، الذي يفترض أن كل كارثة تحمل في طياتها علاقات متداخلة ومركبة من الأمور الفردية والجماعية الداخلية والخارجية. وتبرز أهمية البعد الإعلامي من خلال الدور الذي تؤديه وسائل الإعلام في تزويد الجمهور بالمعلومات اللازمة أثناء الكارثة، ويمتد هذا الدور لما بعد انتهائها.
ويساعد التنوع والمزايا التي تتمتع بها كل وسيلة إعلامية على التغطية الإعلامية الملائمة للكارثة الصحية، وعلى إيصال الرسائل المناسبة التي ينشد القائمون على تلك الوسائل بلوغها الشرائح المستهدفة وإحداث التأثير المطلوب منها، مهما بعدت مناطقهم، واختلفت ثقافتهم.
المواجهة الإعلامية لكورونا
يركز الإعلام على معالجة أي كارثة قبل وقوعها. لكن في حالة فيروس كورونا سنركز على المعالجة الإعلامية في مرحلة حدوثها لأنها صارت أمرا واقعا. وفي هذه المرحلة ثمة مهمتان أساسيتان للقائمين على العملية الإعلامية: أولاهما تقديم معلومات دقيقة وشاملة عن الكارثة لوسائل الإعلام والجهات المعنية، بما يؤدي تراكميا إلى تكوين ما يمكن تسميته النسق المعرفي للمتلقي عن الكارثة، ومن ثم تمكين هذا المتلقي (سواء أكان فردا أم جماعة) من أن يقف على أرضية صلبة في مواجهته للكارثة. والمهمة الثانية هي تفسير المعلومات وتحليلها وتقييمها، وتقديم ما يمكن تسميته “ثقافة الكارثة”؛ بهدف تكوين النسق الفكري والقيمي للجمهور إزاء الكارثة، وجعله مدركا وواعيا بقدر كبير من الشمولية والعمق لواقع الكارثة من حيث أسبابها وآثارها وسبل الحد من أضرارها.
وينبغي للجهات القائمة على المعالجة الإعلامية في هذه المرحلة وضع أهداف واضحة لمواجهة تطورات المرض الناجم عن فيروس كورونا، وأهمها إخبار الجمهور بتطورات المرض لحظة فلحظة؛ وإبراز جهود الجهات الرسمية والأهلية في التعامل معه، ودورها في المحافظة على صحة الجمهور؛ والتعاطف مع المصابين وذويهم. مع ضرورة أن يكون الإعلام موجِّهاً للمجتمع فيؤثر في كل فرد ويحوله من مجرد متلقِ للرسالة الإعلامية إلى متفاعل معها، ومحقق لأهدافها من خلال تنفيذ التوجيهات الصحية الصادرة عن الجهات المعنية.
الرسائل الإعلامية
تستعد الجهات الإعلامية لمواجهة مثل هذه الكوارث الصحية بإعداد رسائل إعلامية بهدف إحداث التأثير المطلوب في الجمهور. وثمة نوعان أساسيان من الرسائل التي تبث في هذه المرحلة: الأول هو الرسائل التي تطلقها الجهات القائمة على الإدارة الإعلامية للكارثة وتعبر عن الاستراتيجية الرسمية للدولة والحكومة في مواجهة الكارثة. والثاني هو الرسائل التي تبثها وسائل الإعلام الأهلية إلى الجمهور في خصوص الكارثة وتداعياتها.
وبصفة عامة هناك شروط ومعايير متعارفة للرسالة الإعلامية الفعالة أهمها: إشباع احتياجات الجمهور المستهدف؛ ومصداقية المصدر؛ والفورية؛ والدقة والموضوعية؛ والوضوح؛ وتكرار المضمون مع تنويع الشكل؛ والاعتماد على الصور والأرقام وألشكال البيانية الشارحة.
وبعد انقضاء كارثة فيروس كورونا – والأمل أن يكون ذلك قريبا- وانتهاء تأثيرها المباشر، وتبيان آثار تلك الكارثة والأضرار التي خلفتها، ولاسيما الخسائر البشرية، يجب على القائمين على المعالجة الإعلامية للكارثة تقديم المعلومات الكاملة والدقيقة عن أسباب الكارثة وتداعياتها؛ وتقديم تحليل موضوعي للجوانب المختلفة المتعلقة بها، وتحقيق التعاطف الكامل مع الضحايا والمتضررين والتخفيف عن معاناتهم ومعاناة ذويهم؛ وحشد جميع شرائح المجتمع حول الجهات الرسمية المعنية لأداء المهام المنوطة بها حتى تنقضي آثار الكارثة وتخف حدة أضرارها؛ وعدم إهمال المعالجات السلبية التي رافقت التعامل مع الكارثة.
كادر خاص
بين الإثارة والتكامل
هنالك نوعان يطغيان على المعالجة الإعلامية لتطورات فيروس كورونا، الأول هو المعالجة المثيرة التي تستخدم أسلوبا يعتمد على التهويل وإثارة الفزع والرعب، أو التهميش والسطحية. وهذه المعالجة لا تقدم للجمهور ما يشبع رغباته ولا تحقق الأهداف العامة للإعلام، كما أنها تؤدي إلى تضليل الجمهور وتشويه وعيهم، وتأتي استجابة لما تفرضه اعتبارات السلطة والمسؤولين في بعض الأنظمة، أو تلبية لحاجات السوق الإعلامية.
والنوع الثاني هو المعالجة المتكاملة التي تتعرض للجوانب المختلفة لتطورات هذا الفيروس، وتسلط الضوء على جوانب عدة ربما يظن الجمهور أنه ليس لها ارتباط وثيق بها. وتتسم هذه المعالجة بالعمق والشمولية والمتابعة الدقيقة، وهي تهدف إلى تكوين موقف متكامل، ووعي عميق بهذه الكارثة من خلال المعرفة العلمية السليمة لمعطياتها، ومراعاة مستويات الجمهور، والاعتماد على كوادر إعلامية مؤهلة. وتستخدم أحد الأسلوبين الآتيين، أو الاثنين معا:
1- النمط العقلي: الذي يعتمد على تقديم المعلومات الصحيحة والموثقة.
2- النمط النقدي: الذي يعتمد على تقديم المعلومات الدقيقة مع محاولة إشراك الجمهور، والانطلاق من المستوى الواقعي لوعي الجماهير.