بقلم م. محمد القطان
لم يعد غاز الأمونيا (النشادر) غازاً بسيطاً تستخدمه البشرية لظروف معينة وفي حالات محددة ثم تتخلى عنه بسرعة أو تتناساه بسهولة؛ فقد غدا من أهم الغازات في حياة الأمم والشعوب، نظراً لدوره الحيوي في توفير الغذاء للبشرية، وفي الصناعات الدوائية. فالأمونيا تعد المادة الأساسية في تصنيع الأسمدة الكيميائية اللازمة للزراعة الغذائية، والطلب عليها في تزايد مستمر، لاسيما مع الزيادة المطردة في عدد السكان في كل أنحاء العالم، وهذا ما دعا معظم دول العالم إلى إنشاء مجمعات بتروكيميائية متخصصة في إنتاج الأمونيا، تستهلك نحو 80 في المئة منها في تصنيع الأسمدة الكيميائية، ولاسيما سماد اليوريا المغذي للأراضي الزراعية.
وبعد أن اكتشف الباحثون المزايا العديدة للأمونيا سعوا إلى استخدامها في عدد من الصناعات التي يمكنها تقديم خدمات جليلة للبشرية، وأهمها صناعة المواد والعقاقير الطبية، وصناعة المواد البلاستيكية، وصبغ وتنظيف القطن والصوف والألياف النسيجية الأخرى.
مواصفات وخصائص
يعد غاز الأمونيا من الغازات التي تتسم بأنها خطرة وعديمة اللون، ولها رائحة لاذعة قوية. ويسمى ذلك الغاز بغاز النشادر، ورمزه الكيميائي (NH3). وهو من الغازات الشديدة السمية التي تؤثر على حياة الإنسان، كما أن رائحته النفاذة تسبب تهيجاً شديدا للعين وأعضاء التنفس عند الكائنات الحية.
ويتحول غاز الأمونيا إلى سائل عند درجة حرارة 33 تحت الصفر، ومن خواصة قابليته الشديدة للذوبان في الماء، وتتناقص نسبة انحلال الغاز بالماء بزيادة درجة الحرارة، لذلك يمكن تحرير غاز الأمونيا بصورة تامة من محاليله عبر التسخين. ويمكن كشف الغاز من خلال رائحته المعروفة، كما يكتشف بواسطة أجهزة خاصة حساسة.
وقد حدث الاختراق الحقيقي في اختراع تصنيع الأمونيا في ألمانيا أواخر القرن التاسع عشر حينما تمكن الألماني هابر من ابتكار خطة عملية لتصنيعه من النيتروجين (الآزوت) والهدروجين. فقد دمج هذين الغازين تحت ضغط يساوي 200 ضغط جوي وحرارة تساوي 500 درجة مئوية بوجود الحفازين: الأوزميوم الصلب واليورانيوم.
وسارت طريقة هابر بشكل جيد، لكن تحويل هذا التفاعل من على منضدة المختبر إلى واقع هندسي كان مهمة هائلة. وأخيراً وجد زميله الألماني بوش حلاً لأكبر معضلة تصميم، تتمثل في تردي حالة حجرة التفاعل الفولاذية من الداخل تحت درجات الحرارة المرتفعة والضغط العالي. وأفضى عمله هذا مباشرة إلى أول مصنع تجاري للأمونيا في منطقة (أُبو) بألمانيا عام 1913. وسرعان ما تضاعفت سعة تصميمه لتصبح 60 ألف طن سنوياً، مما كان كافياً لجعل ألمانيا تكتفي ذاتياً من مركبات الآزوت التي استخدمتها لإنتاج المتفجرات خلال الحرب العالمية الأولى.
وأبطأت الصعوبات الاقتصادية التي سادت بين الحربين تتجير عملية هابر-بوش لتصنيع الأمونيا، وبقي الإنتاج العالمي من الأمونيا تحت مستوى خمسة ملايين طن حتى أواخر الأربعينيات. وخلال الخمسينيات، ارتفع استهلاك السماد الآزوتي تدريجياً إلى عشرة ملايين طن؛ وبعد ذلك خفَّضت الاختراعات التقنية التي قُدمت خلال الستينيات استهلاك الكهرباء عند تصنيع الأمونيا بأكثر من %90، وأدت إلى تسهيلات أكبر وأكثر اقتصادية في إنتاج الأمونيا. وبسبب النمو الأسي في الطلب الذي أعقب ذلك؛ فإن الإنتاج العالمي لهذا المركب ازداد بمقدار ثمانية أضعاف في أواخر الثمانينيات.
استخدامات الأمونيا
يدخل الأمونيا في استخدامات عديدة تتنوع بين الزراعة والطب والصناعة، فعلى سبيل المثال تتم أكسدة كميات كبيرة من الأمونيا لصنع حمض الآزوت الذي يُعتبر عنصراً أساسياً في صناعة ثالث نترات التولوين والنتروغليسرين، ونترات الأمونيوم.
وتستخدم صناعة النسيج الأمونيا بصورة واسعة، ولاسيما في إنتاج الألياف الصنعية مثل النيلون والرايون النحاسي النشادري، كما تستخدم في صبغ وتنظيف القطن والصوف والألياف النسيجية الأخرى. وأحياناً يتم استخدام ماء الأمونيا كسائل منظِّف، أو في تنظيف الأنسجة الملطخة بالحموض.
ويعتبر فاز الأمونيا من العناصر الحيوية في صناعة الكثير من المواد الكيميائية والبلاستيكية والفيتامينات والعقاقير، فمثلاً يقوم الأمونيا بدور العامل الحفاز في صناعة عدد من المواد البلاستيكية مثل الراتينج الصناعي وراتينج الميلامين. ولعل من أهم استخدامات الأمونيا استعماله في إنتاج الأسمدة الكيميائية وأهمها اليوريا، الذي يستخدم بصورة واسعة باعتباره سماداً مخصباً.
وتعتبر نترات الأمونيوم وأملاح الأمونيوم الأخرى أسمدة جيدة وتساعد على زيادة إنتاج المحاصيل لأنها تحتوي على نسبة عالية من النيتروجين.
وفي بعض المناطق الزراعية يتم استعمال الأمونيا اللامائية مباشرة في الحقول، وذلك من خزانات كبيرة تحتوي على غاز الأمونيا المضغوط، باعتبارها توفر المال والوقت والجهد على المزارعين.
ويتم الحصول على كل من الهدروجين والنيتروجين لصناعة الأمونيا من المصادر الآتية:
– الهدروجين (H2): يتم الحصول عليه من الغاز الطبيعي المتوافر في حقول النفط، حيث يحتوي الغاز الطبيعي على نسبة تقدر بنحو %60من الميثان (CH4).
– النيتروجين (N2): يتم الحصول عليه من الهواء الجوي مباشرة، حيث يحتوي الهواء الجوي على نسبة %79 من النيتروجين. أما خطوات تصنيع الأمونيا المستخدمة حالياً فيتم عبر تصفية الغاز الطبيعي من الشوائب العالقة به، وذلك بتمريره خلال مرشحات (فلاتر) الغاز، ثم تنقية الغاز الطبيعي من المركبات الكبريتية العضوية وغير العضوية، ثم من خلال عمليات التحويل التي تتم على مرحلتين؛ يتم في الأولى تفاعل الغاز الطبيعي النقي مع بخار الماء تحت ضغط وحرارة معينة وبوجود العامل المساعد، لتحويل غاز الميثان (CH4) إلى غازات الهدروجين، وأول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون، أما في المرحلة الثانية فيتم إدخال الهواء الجوي على الناتج من المحول الأولي للحصول على النيتروجين اللازم لتكوين الأمونيا.
السلامة والأمان
وأخيراً نشير إلى أن خطر غاز الأمونيا فرض على الجهات المعنية، ولاسيما الشركات المصنعة، اتخاذ جميع التدابير الخاصة بالسلامة والأمان عند التعامل مع هذا الغاز واستخدامه، كما أن الجهات المصنعة وضعت تحذيرات معينة لمن يستخدمون هذا الغاز في المزارع والحقول والمصانع والمختبرات حرصاً على الأمن والأمان والسلامة المهنية.