لطالما أسرتنا علوم الفيزياء في تنوعها وتفردها، وفي تميز كل باب من أبوابها، ودخولها معظم مجالات الحياة. وعلم الجسم الصّلب من أهم وأقدم علوم الفيزياء المتجدّدة التي مازالت تثري ميادين النقاش حول استخداماتها العديدة ومزاياها الكثيرة.
ولربما يتخيّل القارئ لمصطلح الجسم الصلب solid state أنّ بنية الجسم الصّلب crystal structure هي كتلة مصمتة من المادّة تكتّلت بصورة عشوائية وتصلّبت حتّى اتّخذت الشّكل الذي هي عليه الآن، لكن هذا التصور غير صحيح أبداً، ويمكن أن نبيّن ذلك من خلال أمور عدة.
ماهية الجسم الصّلب
تتوزّع ذرات المادّة في الجسم الصّلب بشكل منتظم في أمكنة محدّدة تتّخذ أشكالاً ومواقع هندسيّةً على شكل شبكات ذريّة lattice cells وضمن مستويات ذريّة atomic planes متتالية صنفت في سبعة أشكال هي:
1 – الشبكات الذّريّة Fundamental types of lattice:
تتوزّع ذرات المادّة داخل الجسم الصّلب وفق سبعة أنماط رئيسية يتفرّع عنها أربعة عشر شكلاً مختلفاً هي:
> النظام الثلاثي الميل Triclinic system: وله شكل واحد فقط.
> النظام الأحادي الميل Monoclinic system: وله شكلان مختلفان.
> النظام المعيني القائم Orthorhombic system: وله أربعة أشكال مختلفة.
> النظام الرباعي القائم Tetragonal system: وله شكلان مختلفان.
> النظام المكعبي Cubic system: وله ثلاثة أشكال.
> النظام الثلاثي ؟؟ الميل: Trigonal system: وله شكل واحد.
> النظام السّداسي: Hexagonal system: وله شكل واحد.
وتمثل المتغيرات ( α، β، γ) الزوايا بين المحاور الرئيسية a1,a2,a3 لكل نمط من أنماط الشبكة البلورية.
وتتخذ ذرات العناصر وجزيئات معظم المركّبات هذه الأشكال الهندسية الرائعة الجمال، وإذا تعمّقنا قليلاً في داخل هذه الشبكات البلّورية وجدنا انتظاماً نمطيّاً متكرراً في داخلها هو:
2 – المستويات الذّرّيّة Crystal planes:
المستوي الذّري يعبّر هندسياً عن مساقط مواضع الذّرات على المحاور البلّوريّة الرئيسية.
ويمكن تحديد المستوي الذري هندسياً من أخذ مساقط ثلاث ذرات ليست خطّيّة على a1,a2,a3، ثم نأخذ مقلوب كل قيمة لتكون النتيجة أنّ المستوي البلوري هو (h k l) وتسمى هذه القيم بـ قرائن ميلر William Hallowes Miller.
في حقيقة الأمر، إن تحديد اتجاهات المستويات البلورية ومواقعها ليس أمراً هندسياً فحسب، بل الأمر يتعلّق بمجموعة من المواصفات والخصائص الفيزيائيّة المتعلّقة باتجاهات هذه المستويات. ومن هذه الخصائص: الخصائص البصرية، والنفاذية، والناقليّة، والخواص الكهربائية والميكانيكية للمواد.
الأغشية الرقيقة Thin Film
الغشاء الرّقيق هو طبقة رقيقة من مادة (غالباً أكسيد أو نتريد ) تترسب على سطح (ركازة Target) بطريقة كيميائية أو فيزيائية. يعود تاريخ الأغشية الرقيقة إلى فكرة الطلي الكهربائي electrodepositing، وهي آلية تقوم على طلاء أو تغليف معدن الكاثود عبر نقل الذرات المعدنية كهربائياً من المحلول الكهروليتي.
ثم تطورت هذه الآليّة لتصبح أحدث تقنيّة فيزيائية في علم هندسة المواد. وتمر هذه التّقنيّة عبر عدّة مراحل وتتم بأكثر من طريقة منها: الترسيب بالتبخير الحراري، والترسيب بالحزم الإلكترونية، والتّرسيب بالليزر. ويعتبر الترسيب الفيزيائي الأكثر شيوعاً من بين الطرق السابقة، وفيه تمر عملية إنتاج الغشاء الرقيق عبر متطلبات ومراحل عدة هي:
محطة الترسيب الفيزيائي PVD Sputtering:
تتمثل في مراحل عدة تتم داخل غرفة محكمة الإغلاق تحت ضغط منخفض جداً. ويوجد داخل هذه الغرفة ما يأتي:
حجرة التخلية ( chamber ): وهي عبارة عن حجرة معدنية ذات جدران معزولة قادرة على تحمّل انخفاض درجات الضغط داخلها إلى مستوى يبلغ الصفر، وتتموضع داخلها معظم عناصر الترسيب.
وحدة التّبخير: ولها عدة أنظمة يمكن حصرها في:
– المغنترون DC DC Magntron: وهو أنبوبة مفرغة قادرة على توليد موجات ميكرويّة صغيرة جداً تراوح بين ( 30-1 سنتيمترا) ذات طاقة عالية تبلغ ميغا إلكترون فولت. والمغنترون DC يحتاج إلى تيار كهربائي عال جداً، وإلى جهد منخفض، ويستخدم في معظم عمليات الترسيب الفيزيائي.
– المغنترون RF: Radio Frequency Magnitron: وهو متخصص في مجال البصريات والضوئيات، ويتميز بقدرته على توليد موجات راديويّة تناسب مجال البصريات والضوئيات.
– القوس الكهربائي electrical arc: يتطلب عمله توفير تيار كهربائي عال جداً وجهد كهربائي منخفض. وتناسب القوس الكهربائية تبخير المعادن بمختلف أنواعها.
– الهدف Target: وهي المادّة المراد تبخيرها وتكون متصلة بوحدة التّبخير وتوضع على الكاثود السالب، وتتسرع ذراتها من الكاثود باتّجاه الأنود، وتقصف أثناء انسيابها بذرات الغاز لتترسب على الركازة على شكل غشاء رقيق.
– الركازة أو القاعدة: هي المادة المراد تغليفها، وتستند إلى قاعدة تتكون من حامل يسمى الركازة يتموضع على الأنود الموجب، وهنالك ركائز دوّارة تتحرك داخل الحجرة أثناء عملية الترسيب، وركائز ثابتة.
– منبع الغاز: وهو عبارة عن أنبوب موصول بأسطوانة غازيصل بين الأسطوانة وحجرة التخلية.
– الصمامات ( valves): وهي نقطة التوازن في عمل منظومة التخلية، فمن خلال هذه الصمّامات يمكن ضبط الضغط داخل حجرة التخلية، والتحكم في مرور تيار الغاز المستخدم في عمليّة الترسيب.
– السخان الحراري Thermal heater: يستخدم في عملية الترسيب عند الحاجة بحسب نوع المادّة المستخدمة، حيث تعتبر درجة حرارة غرفة الفراغ من شروط الترسيب.
– لوحة التحكم ( Control panel): يتم من خلالها ضبط الإعدادات الكهربائية والآلية وبرمجة الشروط الحدية المطلوبة في كل عملية ترسيب.
متطلّبات التّرسيب
– تحضير العيّنات: يقصد بالعيّنة هي المادّة التي نرغب في تغليفها، وتحتاج لتحضير يمكن تلخيصه بتنظيف سطح العيّنة باستخدام تقنيات عدة، منها التنظيف باستخدام جهاز الموجات فوق الصوتية أو التّحفيز الكيميائي للسطح.
– تخلية حجرة البلازما: إذ إنّ عملية الترسيب تتطلب توفير ضغط منخفض جدّاً، ويجب منع أي تأثير لعناصر أخرى في عملية الترسيب، وهذا الأمر يتطلب دقة وحرصا في تأمينه لحساسية هذا الشرط.
– توفير المواد المطلوبة: وهي مادة الغلاف سواء كانت مواد صلبة أو غازيّة.
توفير شروط الترسيب: وهي تختلف بحسب مادة الغلاف المطلوبة من الضغط والحرارة وطبيعة الحركة وزمن الترسيب.
– توصيف الأغشية الرقيقة: يقصد بالتوصيف معرفة مجموعة من الخواص الفيزيائيّة والكيميائيّة للغشاء الناتج من خلال ما يأتي:
سماكة الغشاء: تعتبر سماكة الغشاء عاملا أساسيا في جودة الغشاء الناتج، ويمكن قياسها من خلال مقياس سماكة مرتبط بمحطة الترسيب.
التوجّه البلّوري للغشاء: يتم ذلك بطرق عدة أفضلها انعراج الأشعّة السينية، حيث تعرض العينة لأشعة X من خلال جهاز انعراج الأشعّة السينيّة، ليعطي طيفاً من المستويات.ويتم مقارنة الطيف الناتج بطيف مقارنة يعتمد أساساً في ضبطه على تحقق قانون براغ الشهير في الانعراج البلوري.
تركيب الغشاء: ويعتبر المجهر الإلكتروني الماسح (SEM) أفضل جهاز توصيف لمعرفة النسبة المئويّة لمكونات الغشاء والشكل البلوري. ويعتبر المجهر الإلكتروني النافذ (TEM) أحد أفضل أجهزة التوصيف الحديثة من خلال قدرة حزمة الإلكترونات في هذا المجهر على اختراق العينة ورسم صورة مفصلة للبنية الداخلية للعينة المدروسة.
شكل السطح: يعطي مجهر القوى الإلكتروني (AFM) صورة ثلاثية الأبعاد عن شكل السطح.
التآكل الكيميائي: يقصد به تغيّر خواص المادة نتيجة التفاعلات الكيميائيّة. ولدراسة التآكل أهميّة كبيرة في تصميم وإنتاج الأغشية الرّقيقة، فمن خلالها نتعرف أكثر على مقاومة تلك الأغشية للظروف الكيميائية المختلفة.