الطب وصحة

الأشعة التداخلية

د. عبدالله بدران

لطالما كان سعي الطب منصباً طوال مسيرته التاريخية نحو الحد من العمليات الجراحية التي تحتاج إلى أوقات طويلة وجهود كبيرة من الأطباء، والتي يصاحبها معاناة شديدة من المرضى بسبب طول مدة الشفاء والأضرار الجانبية المصاحبة لتلك العمليات. واستطاعت التقنيات الطبية المتواصلة لاسيما المرتبطة بالتطورات الحاصلة في العلوم التطبيقية، تحقيق إنجازات متعددة أخذت تساهم يوماً بعد آخر في الوصول إلى ذلك المسعى، وتسهيل عمل الأطباء وزيادة عامل الدقة والأمان في عملياتهم، وتخفيف المعاناة عن المرضى وذويهم.

ومن التقنيات التي استجدت قبل نحو 15 عاماً على الميدان الطبي هي عمليات الأشعة التداخلية (عمليات تداخلية دون جراحة)، التي تستمر غالباً يوماً واحداً، ويتسنى للمريض من خلالها استعادة نشاطه وصحته في وقت قصير، والحد من المعاناة من مشكلات وأخطار الجراحة التقليدية والتخدير العام.

والأشعة التداخلية هي أسلوب علاجي حديث، تمّ التوصل إليه منذ نحو 15 سنة، ويتم فيه إجراء جراحة مبسطة داخل غرفة الأشعة لعلاج حالات مرضية كثيرة. والفرق بين الأشعة التداخلية والعادية يرتبط بوظيفة كل منهما؛ فالأشعة التداخلية ونظيرتها من الوسائل، مثل السونار والرنين المغنطيسي والأشعة السينية تستخدم للعلاج في حين أن الأشعة العادية تستخدم للتشخيص فقط.

تخصصات ومجالات

ويوضح كتاب (الأشعة التداخلية) الصادر عن (مركز تعريب العلوم الصحية) في الكويت أن الأشعة التداخلية شأنها شأن الكثير من التخصصات الطبية تحوي أقساماً وتخصصات عدة، فهناك من الأطباء من هو متخصص في الأشعة التداخلية التي تستخدم لعلاج الأوعية الدموية، وهناك من يهتم باستخدام الأشعة التداخلية في علاج أمراض المرارة والجهاز الهضمي، وهناك من هو متخصص في استخدام الأشعة التداخلية لعلاج الأعصاب وآلام الظهر والعمود الفقري، وتستخدم الأشعة التداخلية أيضاً في علاج الأورام السرطانية.

ويقول مؤلف الكتاب الدكتور بدر المراد إن حقل الأشعة التداخلية شهد في العقد الأخير تطوراً باهراً، إذ أصبح الخيار الأمثل في تشخيص وعلاج كثير من الأمراض في مختلف الأجهزة العضوية في جسم الإنسان وذلك بالتعاون مع المجالات الطبية الأخرى.

وبعد أن عرَّف الكتاب في الفصل الأول بالأشعة التداخلية، تطرق في الفصل الثاني إلى استخدام الأشعة التداخلية في علاج أمراض الظهر ومشكلات العمود الفقري، متطرقاً إلى كيفية علاج العمود الفقري وآلام الظهر، والحالات التي لا يمكن علاجها، واستخدام الحقن المناسبة.

أمراض الأوعية الدموية

يتطرق الفصل الثالث من الكتاب إلى استخدام الأشعة التداخلية في معالجة أمراض الأوعية الدموية.

ومن ذلك معالجة تمدد الأوعية الدموية الدماغية، وهو تضخم غير طبيعي لجدار الشريان الذي يحمل الدم إلى الدماغ، وغالباً ما يكون تمدد هذه الأوعية الدموية صغيراً ومحدداً، وهذا يعني أنه يقتصر على منطقة صغيرة داخل الشريان في الدماغ.

ويمكن لتضخم أو تمدد الأوعية الدموية أن يسبب ضغطاً على البنى الداخلية للرأس، وبوسعه أن يجعلها تتمزق أيضاً، مما يسمح للدم بالهرب من الأوعية تحت ضغط عال إلى تجويف الدماغ داخل السوائل المحيطة به، أو مباشرة حتى إلى أنسجة المخ. وهذا يمكن أن يسبب صداعاً حاداً مفاجئاً.

ويمكن علاج تمدد الأوعية الدموية عن طريق الأشعة التداخلية ووضع لفائف؛ إما لفائف صغيرة أو لفائف داخل الأوعية الدموعية عن طريق القثطرة (بواسطة أنبوب رفيع من البلاستيك) داخل الشريان. ويتم تحديد مكان تمدد أو تضخم الأوعية الدماغية عن طريق الرنين المغنطيسي، أو التصوير المقطعي المحوسب (CT) بالصبغة، وحساب حجمها وشكلها ومعرفة الشريان المتصل بها.

وخصص المؤلف الفصل الرابع للحديث عن الأشعة التداخلية وعلاج بعض الأمراض المتعلقة بالنساء، ومنها الأورام الليفية، وهي أمراض حميدة غير سرطانية، تتكون داخل جدار الرحم، وهي غالباً لا تسبب أي مشكلة صحية لكن قد يؤدي كبر حجمها وموقعها في الرحم إلى بعض المشكلات عند النساء كالألم والنزيف الشديد.

القثطرة العلاجية

ويتطرق الكتاب إلى استخدام القثطرة العلاجية لسد الشرايين المغذية للأورام الليفية في الرحم بما يؤدي ذلك إلى ضمورها واختفاء الأعراض نهائياً. وهي تعتبر الطريقة المثلى حالياً لعلاج الكثير من حالات النزيف الرحمي ومشكلات الأورام الليفية.

وتعتبر قثطرة الرحم التداخلية من أكثر الطرق نجاحاً في التخلص من مشكلات وأعراض الأورام الليفية، وذلك باستخدام الأشعة التداخلية. ويتم ذلك بفتحة صغيرة في الجلد يدخل منها أنبوب القثطرة حتى يصل إلى شرايين الرحم، ثم يطلق الطبيب منها مواد دقيقة تؤدي إلى إيقاف تدفق الدم إلى ألياف الرحم، مسبباً ما يسمى انصمام الورم الليفي Fibroid Embolization، مما يؤدي إلى صغر حجم الورم من غير إزالة للرحم.

وفي الفصل الخامس يتناول الكتاب تطبيقات علاجية أخرى للأشعة التداخلية ، منها فرط ضغط الدم البابي الذي ينتج لأسباب عدة أهمها تشمع الكبد، وقد يؤدي ذلك إلى حدوث نزيف حاد في المريء بالأمعاء أو قد يسبب استسقاء بالبطن. والوريد البابي، هو وريد يوجد في البطن مهمته نقل الدم والغذاء من الأمعاء إلى الكبد الذي يقوم بتخليص السموم منها ومن ثم تقديمها للجسم.

وقد استطاع جراحو الأشعة عمل توصيلة داخل الكبد، بإدخال أسلاك وإبرة رفيعة من خلال وريد الرقبة من دون عملية جراحية، ومن ثم الوصول للوريد البابي عبر نسج الكبد تحت إرشاد الأشعة ووضع دعامة طبية خاصة تنقل الدم من الوريد البابي إلى الوريد الكبدي، مما يسبب خفض الضغط في الوريد البابي.

انسداد القنوات المرارية

يتطرق الفصل أيضا إلى علاج انسداد القناة المرارية مبينا أن ذلك يتم بعلاج أسبابه، فإذا كان بسبب حصاة فيتم إزالتها بالمنظار، وإذا كانت غير ذلك فيتم إزالتها عن طريق الجراحة. يستطيع جرّاح الأشعة أن يرى القناة المرارية من خلال الأشعة، وأن يدخل إبرة رفيعة إليها ويعالج الانسداد الحاصل فيها.

كما يتناول هذا الفصل دور الأشعة التداخلية في علاج انسداد قنوات المسالك البولية عن طريق إدخال أسلاك وأنابيب رفيعة لتحويل مجرى البول إلى كيس خارج الجسم، وذلك لإنقاذ الكلية من انسداد مجرى البول الذي قد يسبب فشلاً كلوياً.

belowarticlecontent
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى