العلوم البيئيةالعلوم الطبيعية

الكوكب الحي مستقبل الأرض والتنوع الحيوي

د. عبد الله بدران

تحذير جديد أطلقه (الصندوق العالمي لصون الطبيعة) من الحالة الكارثية التي تعيشها الموارد الطبيعية وحالة التنوع الحيوي والنظم البيئية في العالم، والتي تهدد حياة البشرية وبقاء كوكب الأرض حياً.
والتقرير الذي تضمن هذا التحذير وتطرق إلى (حالة الكوكب.. الحالة المتغيرة للتنوع الحيوي والنظم البيئية والطلب البشري على الموارد الطبيعية) ، والذي يصدر كل سنتين، يظهر بصورة جلية ضرورة تبني جميع الموجودين على هذه البسيطة دوراً فاعلاً من أجل إبقاء كوكب الأرض حياً، من خلال توفير الغذاء والماء والطاقة للجميع، والحفاظ على النظام البيئي النابض بالحياة والذي يدعم بقاء الحياة على الأرض.

وفي كلمته التي صدَّر بها التقرير يقول المدير العام للصندوق العالمي لصون الطبيعة جيم ليب: إن المخططات البيانية التي تظهر الكيفية التي تستنزف بها موارد الأرض وقدرتها الذاتية على التعويض ليست بالغريبة على معظمنا.
ويضيف: «إن هذا الإصدار من تقرير الكوكب الحي لعام 2012 يهدف إلى جمع هذه المعلومات معاً، لرسم صورة متكاملة عن حالة كوكبنا، تصوُّر الضغط المتراكم الذي نمارسه على الكوكب، والتدهور الناتج عنه في صحة الغابات والأنهار والمحيطات التي تجعل حياتنا ممكنة. إننا نعيش كما لوأن لدينا كوكباً إضافياً تحت تصرفنا، فنحن نستخدم موارد أكثر مما يمكن للأرض تقديمه بنسبة %50، وما لم نقم بتغيير سلوكنا، فسوف يستمر استهلاكنا في النمو، بل وبحلول عام 2030، لن تكفينا موارد كوكبين بحجم كوكب الأرض».
ويقول ليب: إن هناك خيارات تسمح لنا بأن نؤسس لمستقبلٍ يوفر الغذاء والمياه والطاقة للمليارات التسعة أوربما العشرة الذين سيحتضنهم هذا الكوكب بحلول عام 2050، كما أن بإمكاننا إنتاج الغذاء الذي نحتاج إليه، وتكمن الحلول في تبني أساليب نقلل بها من مستوى الهدر، وفي استخدام بذور وتقنيات زراعية أفضل، وفي إعادة الأراضي المتردية إلى الإنتاج، وتغيير حميتنا الغذائية، ولاسيما من خلال تخفيف استهلاك اللحوم في الدول ذات الدخل المرتفع، وبإمكاننا أيضاً ضمان وجود مياه كافية لحاجاتنا، والمحافظة على الأنهار والبحيرات والسبخات التي تأتي هذه المياه منها. وعلى سبيل المثال، يمكن لتقنيات ري أذكى وتخطيط أفضل للموارد أن يساعدا على استخدام المياه بصورة أكثر كفاءة. ويمكن تلبية جميع حاجات البشرية من الطاقة من مصادر نظيفة ومتوافرة بكثرة كالرياح والطاقة الشمسية. إنّ الأمر الأول والأهم هو الحصول على أكبر ناتج ممكن من الطاقة التي يستخدمها البشر، وبزيادة كفاءة استهلاك المباني والسيارات والمعامل للطاقة، يمكن تخفيض استهلاكهم الكلي للطاقة إلى النصف.

أخطار تهدد الطبيعة
يرى التقرير أن الطبيعة هي الأساس الرئيسي لرفاهــــية البــــشر وازدهارهم، ويــــبين أن التنوع الحيوي تراجع عالمياً بنـــسبة %30 ما بين عامي 1970 و2008، وبنسبة 60 % في المناطق الاستوائية، وأن الطلب تضاعف على الموارد الطبيعية منذ عام 1966، وأن البشر يستهلكون حالياً ما يعادل موارد كوكب ونصف من حجم كوكب الأرض لدعم نشاطاتهم.
ويظهر التقرير أنَّ البصمة البيئية للدول ذات الدخل المرتفع أعلى بخمسة أضعاف من البصمة البيئية للدول ذات الدخل المنخفض، وأنَّ المناطق ذات التنوع الحيوي الكبير
توفر خدمات النظم البيئية المهمة كتخزين الكربون، وخشب الوقود، وتوفر المياه العذبة، ومخزون الأسماك البحرية، وأن فقدان التنوع الحيوي وخدمات النظام البيئي المرتبطة به يؤثر بصورة أساسية على الأشخاص الأكثر فقراً في العالم، والذين يعتمدون مباشرة على هذه الخدمات من أجل البقاء.
ويقدر التقرير أن البشر سيحتاجون إلى ما يعادل كوكبين بحجم كوكب الأرض بحلول عام 2030 لتلبية متطلباتهم السنوية من الموارد الطبيعية، لذا ينبغي أن يتم الحفاظ على رأس المال الطبيعي – التنوع الحيوي والنظم البيئية وخدماتها – وعند الضرورة، ينبغي تعويضه لأنه الأساس الذي تعتمد عليه المجتمعات البشرية واقتصادها.
وتضع رؤية الصندوق العالمي لصون الطبيعة – التي تهدف إلى ترويج نمط حياة ضمن حدود كوكب واحد – خطوطاً عريضاً حول كيفية إدارة ومشاركة رأس المال الطبيعي ضمن الحدود البيئية للأرض؛ فيمكن خفض البصمة البيئية من خلال الإنتاج باستخدام موارد أقل، والاستهلاك بصورة أفضل وأكثر حكمة وتوفيراً.

سبعة مليارات وكوكب واحد
ضمن الاتساع الشاسع للكون، تحتضن طبـقة رقيقة من الحياة كوكباً، وهي محدودة بصخور صماء تحتها، وفضاء ممتد أعلاها، وتزدهر فيها الملايين من الأنواع المخـــتلفة، لتشـــكل معاً النـــظم البيئية والمواطـــن التي نعرفها،  والتي نطلق عليها اسم الأرض؛ هذا الكــوكب الذي يقدم لنا النظم البيئية التي تعتمد
عليها حياتنا، وحياة جميع الكائنات الحية.
لكنَّ طلبنا المتزايد على الموارد الطبيعية يضع ضغطاً هائلاً على التنوع الحيوي، ليهدد الإمداد المستمر لخدمات النظام البيئي، ومن ثمّ يهدد أمان البشر وصحتهم ورفاهيتهم ومستقبلهم. ويرى التقرير أنه وفقاً لمعدل استهلاكنا الحالي، تحتاج الأرض إلى سنة ونصف السنة لتعيد تجديد الموارد الطبيعية التي نستهلكها في سنة واحدة.
ويشير إلى تناقص منذر بالخطر في معدل التنوع الحيوي، بلغ نحو%28 حول العالم بين عامي 1970 و2008. كما يرى أنه لايزال بالإمكان عكس هذه الحالة، من خلال اتخاذ خيارات أفضل تضع العالم الطبيعي في صلب استراتيجيتنا الاقتصادية وأعمالنا وأنماط حياتنا اليومية.
البصمة البيئية
تحسب البصمة البيئية معدل الطلب البشري على النظم الحيوية من خلال مقارنة الموارد المتجددة التي يستهلكها البشر بقدرة الأرض على التجديد، أوالقدرة الحيوية، وهي المناطق من الأرض المتوافرة فعلياً لإنتاج الموارد المتجددة وامتصاص انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون. ويتم التعبير عن كل من البصمة البيئية والقدرة الحيوية بوحدة شائعة تدعى الهكتار العالمي، حيث يمثل كل هكتار عالمي هكتاراً منتجاً حيوياً يوازي معدل الإنتاجية العالمية. ويظهر مؤشر البصمة البيئية اتجاهاً مطرداً نحوالاستهلاك المفرط. ففي عام 2008، بلغت سعة الأرض البيولوجية مليار هكتار عالمي، أو1.8 هكتار عالمي لكل شخص، في حين بلغت البصمة البيئية للبشرية 18.2 مليار هكتار عالمي، أو2.7 هكتار عالمي لكل شخص، ومساحة الغابات اللازمة لعزل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون (ما يعرف بالبصمة الكربونية) هي المكون الأكبر للبصمة البيئية (55 %).
وهذا الفرق الكبير بين مساحة السعة البيولوجية والبصمة البيئية يعني أننا في حالة تجاوز بيئي: فالأرض تحتاج إلى سنة ونصف السنة لإعادة توليد كل المصادر المتجددة التي يستخدمها البشر في سنة واحدة، وهذا يعني أننا نستهلك رأس مالنا الطبيعي بدلاً من أن نعيش من الفوائد.

التنوع الحيوي والنظام البيئي
يقول التقرير: إن التنوع الحيوي أمر أساسي لصحة البشر ومعيشتهم، تتفاعل الكائنات الحية معاً من نباتات وحيوانات وكائنات دقيقة، لتشكل شبكات معقدة ومترابطة من النظم البيئية والمواطن الطبيعية، التي توفر بدورها عدداً لا حصر له من خدمات النظام البيئي التي تعتمد عليها كل أنواع الحياة. وتستفيد جميع النشاطات البشرية من خدمات النظام البيئي لكنها أيضاً تمارس ضغطاً متزايداً على التنوع الحيوي الذي يدعم هذه النظم، وعلى الرغم من قدرة التكنولوجيا على الاستعاضة عن بعض خدمات النظام البيئي لتحول دون تدهورها، فإنه لا يمكننا الاستغناء عن العديد من هذه الخدمات. إن فهم التفاعل بين التنوع الحيوي وخدمات النظام البيئي والبشر أمرٌ أساسي لعكس الاتجاهات والنزعات التي صورتها الأرقام المذكورة آنفاً، ومن ثمّ فهو أمر أساسي أيضاً لحماية أمان وصحة ورفاهية المجتمعات البشرية مستقبلاً. ويرى التقرير أن استفادتنا من الخدمات التي توفرها النظم الحيوية يمكن أن تسبب ضغطاً على توازنها. وتنبعث معظم التهديدات على النظم الحيوية على متطلبات البشر من طعام وطاقة ومواد، وحاجتهم إلى المساحات لإنشاء البنى التحتية. وعادة ما تتم تلبية هذه المطالب من عدة قطاعات مهمة: الزراعة والغابات ومصايد الأسماك والتنجيم والصناعات والطاقة والمياه. ومن المهم جعل الاستدامة أحد الأعمدة الأساسية التي تبنى عليها هذه القطاعات، من أجل عكس النمط الاستهلاكي العالمي لتمكين العالم من العيش ضمن حدود الكوكب الواحد.

ماالذي يحمله المستقبل لنا؟
يتطلع معظم الناس إلى الأمر نفسه: حياة تلبي حاجاتهم الأساسية؛ أمان وصحة جيدة، وفرصة لاستكشاف اهتماماتهم وتحقيق إمكاناتهم، وقدرة على تحسين معيشتهم. لكن إذا واصلنا العيش كما فعلنا في العقود الأخيرة دون أن نسعى إلى إحداث تغيير جذري، فإن تلبية هذه التوقعات ستصبح أمراً أصعب بصورة متزايدة. وبحلول عام 2050 فإن البشرية ستحتاج إلى ما يعادل 2.9 ضعف كوكب الأرض لدعم البصمة البيئية المتنامية.
ولكي نعكس من اتجاه مؤشر الكوكب الحي، ونخفض من بصمتنا البيئية لتكون ضمن حدود الكوكب، ونتفادى التغيرات المناخية الخطيرة ونحقق تطوراً مستمراً، علينا أن نقبل بحقيقة أساسية ونجعل منها محور اقتصادنا ونماذج أعمال وأنماط حياتنا اليومية، وهي: إن رأس مال الأرض الطبيعي – أي التنوع الحيوي والنظم البيئية – محدود.
وتتطلب رؤية الصندوق العالمي لصون الطبيعة أن تتم إدارة رأس المال الطبيعي ومشاركته والتحكم فيه ضمن الحدود البيئية لكوكب الأرض. وإضافة إلى حماية رأس المال الطبيعي والعمل على تجديده، يدعوالصندوق إلى توفير خيارات أفضل في نظم الإنتاج والاستهلاك، مدعمة بإعادة توجيه التدفقات المالية وإدارة الموارد بعدل أكبر. كل هذا، إضافة إلى أمورٍ أخرى، هي أمور جوهرية من أجل فصل التطور البشري عن الاستهلاك غير المستدام (الابتعاد عن السلع المستهلكة للطاقة والمواد بصورة كبيرة)، وتجنب انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والمحافظة على سلامة النظام البيئي، وتوفير أسس تنمية وتطوير تساند الفقراء.
يذكرنا منظور الكوكب الواحد بترابط وتداخل خياراتنا. وعلى سبيل المثال، فإنه سيكون للمحافظة على رأس المال الطبيعي أثر كبير على القرارات والنتائج المحتملة المرتبطة بطريقة إنتاجنا واستهلاكنا. وستحدد التدفقات المالية والهياكل التنظيمية ما إذا كانت خيارات الإنتاج والاستهلاك ستساهم فعلياً في حماية التنوع الحيوي وسلامة النظام البيئي، وأخيراً أمان الغذاء والمياه والطاقة.

belowarticlecontent
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

I agree to these terms.

زر الذهاب إلى الأعلى