إنترنت

إنترنت الأشياء..

ترابط الإنسان والمكان والزمان

م. حنان عواد

في عام 2016، اعتبر المنتدى الاقتصادي العالمي الثورة الصناعية الرابعة المحرك الأساسي الذي سيعيد تشكيل مجتمعاتنا وشركاتنا واقتصاديات عالمنا المعاصر، بسبب التطورات التي رافقتها في معظم مجالات الحياة. وظهرت مع هذه الثورة بعض الأفكار الغريبة المتعلقة بتطور الإنسان ذاته كالذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية وإنترنت الأشياء والبيانات الضخمة.

وعلى الرغم من أن التقنيات الحالية قد تبدو كما لو أنها خرجت من أحد أفلام الخيال العلمي ، فإن التقدم في المستقبل القريب سيتجاوزها في قفزات نوعية؛ ففي عصر إنترنت الأشياء سيكون تواصلك وتفاعلك مع ثلاجتك وسيارتك وعبوات الدواء، وحتى وعاء النباتات الموجود في حديقة منزلك أمرا عاديا . وربما لن تتمكن من رؤية جميع التقنيات التي تتفاعل معها، لأن إنترنت الأشياء ستجعل من البيئة المحيطة بك نسيجا تكنولوجيا رقميا. فهنالك أجهزة صغيرة ورقاقات نانوية وأجهزة استشعار ستكون بداخل جدران منزلك، أو منسوجة في ملابسك، أو مثبتة في حقيبتك، أو مخبأة في الأشياء التي تستخدمها يوميا. وسيتم أيضا ربطها عبر شبكات لاسلكية ذكية، تماما كما تمر الكهرباء في شبكات في كل مكان في العالم.

فقط تخيل معي استخدام موجات الدماغ للتواصل والتفاعل مع محيطنا، كما لو كنا قادرين على استخدام هذا الصوت الداخلي وتوارد خواطرنا لتشغيل أي جهاز في محيطنا، من خلال لوحة رقمية مدمجة توصل بيننا كبشر وبين الآلات والأجهزة الرقمية من حولنا. وهذا الواقع المعزز الظاهري سيمكننا من استخدام حركات ذراعينا لإحداث تغييرات في المجال المادي حولنا، تماما مثل ما كان يفعل (روبرت داوني جونيور) في فيلم (الرجل الحديدي).

المشهد التقني الجديد

تستخدم تقنيات إنترنت الأشياء أجهزة استشعار ورقاقات متطورة مدمجة في العناصر والمنتجات والأجهزة التي تحيط بنا. وتنقل هذه المجسات الرقمية بيانات و معلومات قيّمة في وقت الحدوث الفعلي حول كيفية تفاعلنا مع محيطنا وكيفية اتخاذ قراراتنا اليومية. وتستخدم البيانات والمعلومات التي تم جمعها لتعزيز تصميم وإنتاج الأدوات والأجهزة والتقنيات التي نستخدمها بهدف تحسين جميع جوانب حياتنا. وتوفر منصة إنترنت الأشياء لغة مشتركة للأجهزة والتطبيقات المختلفة للتواصل مع بعضها بعضا بأمان. وتتكامل تلك البيانات المجمعة من العديد من الأجهزة والتطبيقات والبرامجيات لتساعد العلماء والمخترعين والمهندسين على إجراء التحليلات اللازمة لتطوير صناعة ما أو مجال محدد.

وتتسابق عدد من المؤسسات والشركات التكنولوجية لنشر وتعميم إنترنت الأشياء في جميع مجالات حياتنا. لذا يمكننا القول إن إنترنت الأشياء ستصبح قوة عالمية، لكن نرجو ألا تكون مدمرة للبشرية. وقد حققت هذه التقنية اتصالاً غير مسبوق بالشبكة الرقمية شمل الأشخاص والآلات والأدوات و “الأشياء” بشكل عام. وتسمح هذه الاتصالات للشركات بمراقبة معظم العمليات التي تتم حولنا.

دور المستشعرات الرقمية

وتعتبر المستشعرات الرقمية العمود الفقري للبنية التحتية لإنترنت الأشياء، إضافة إلى رموز الباركود المتطورة، والعلامات القابلة للتتبع عن بعد، وشبكة الواي فاي. وهذه المستشعرات تعتمد على تقنيات البلوتوث المدمجة في تحليل البيانات المجمعة والمعلومات المتوفرة على الإنترنت، لتقديم معلومات قيّمة في الوقت الفعلي عن الأشخاص والمواد والمنتجات والأدوات، وما إلى ذلك، بما يساعد على جمع المدخلات المهمة لتطوير أعمال الشركات وعوائدها.

ومع قائمة كبيرة من الوظائف التي يمكن لتقنية إنترنت الأشياء القيام بها، بما في ذلك تتبع حركة الأشياء في المصنع أو المنزل أو في المواقع المختلفة، ستستخدم المستشعرات القابلة للبرمجة لمراقبة أمور أخرى كدرجة الحرارة والاهتزاز، ومن ثم جمع أنواع مختلفة من المعلومات والبيانات من دون تدخل بشري نهائيا.

ثورة في استراتيجيات الشركات 

يتوقع الخبراء أن تغير إنترنت الأشياء الكيفية التي تعمل بها الشركات، وتحدث ثورة مرتقبة في جميع مراحل العمل، من تصنيع و بيع المنتج إلى خدمات العملاء الذاتية الإدارة. بل سيمكن ربط جميع المنتجات بالشبكة الرقمية، مما يعني أنه يمكن أن تتم مراقبتها عن بُعد حتى بعد أن تصبح في حيازة المشتري.

ويرى الداعون إلى تعميم هذه التقنية أن هذا التتبع للمنتجات سيمكن الشركات المنتجة من تحسين الخدمات المقدمة للعملاء من خلال رصد كيفية استخدام المواد والمنتجات والتنبؤ الدقيق بمواعيد صيانتها، وتقليل تعرض للسلع الاستهلاكية إلى الملوثات والعوامل البيئية التي تؤثر في جودتها أو صلاحيتها. ومن خلال معرفة أوجه القصور في التصميم أو في الصناعة يمكن تحسين المنتج، ومع الفهم العميق للأخطار الفعلية أو المادية يمكن للشركات تقديم خدمات أفضل في ضوء البيانات والمعلومات الموثوقة التي جمعتها بفضل تكنولوجيا إنترنت الأشياء.

شطحات تكنولوجية مرتقبة

لدينا حاليا عناصر تحكم فائقة، وأجهزة استشعار متطورة، وعدد كبير من الطرق المختلفة لربط الأشياء بالسحابة الرقمية وإجراء الاختبارات عن بعد. ويمكننا استخدام أنظمة متطورة لمسح المناطق الواسعة أو النائية والتحكم عن بعد، الأمر الذي ينبئ بأن تمكين إنترنت الأشياء من التحكم في كل شيء في حياتنا أمر آت لا محالة.

وثمة جهود كبيرة لتوصيل كل شيء بالإنترنت بحلول 2020 ، ومن المتوقع أن يستثمر المصنعون وأقطاب التكنولوجيا نحو 267 بليون دولار بهذا الصدد بحلول ذلك العام. وهناك شطحات تكنولوجية متوقعة، وتصورات لما ستكون عليه حياتنا في القريب مع انخفاض سعر التكنولوجيا و تطورها الهائل. و من هذه الشطحات ما يتنبأ بأننا كأفراد سنكون متصلين بصورة شبه دائمة بالشبكات الرقمية عن طريق مجسات أو مستشعرات مزروعة في أجسامنا.

إدارة القوى العاملة

يتطلب العمل في التصنيع أو في أي أي مجال آخر أنواعا ومستويات مختلفة من الشهادات والمؤهلات والتدريب. وسيسمح ربط عناصر التحكم في السحابة الرقمية بالأجهزة المحمولة على أرض المصنع للمديرين بتتبع حركة العمال داخله، وتنبيههم من أي اختراق أو دخول غير مسموح به إلى مواقع محددة داخل المرفق.

وكما هو الحال في مرافق التصنيع ومقار الشركات، فإنه سيكون للتقدم في إنترنت الأشياء تأثير كبير في إدارة التوزيع وسلسلة التوريد بما في ذلك التخزين، وهذا سيتيح للشركات مراقبة مرافق التخزين، طوال الوقت، واتخاذ إجراءات تصحيحية فورية عند تغير أي من المعايير المنظمة لبيئة المخازن.

زيادة التكاليف

تعد إنترنت الأشياء بفوائد عديدة للمصنعين، مثل تمكينهم من درجات عالية من الأتمتة والامتثال للوائح والقوانين والمعايير الصناعية الدولية التي أصبحت أكثر صرامة، من خلال تحسين الحركة داخل المنشأة، وتتبع المواد الخطرة والمكونات والمنتجات الأخرى، وكذلك إدارة نقاط الاتصال الحيوي لاسيما في مجال تصنيع الأغذية. ومع ذلك، فإن السعر الحالي لهذه التكنولوجيا لا يساعد كثيرا على تحسين التكلفة، إضافة إلى التطبيق العملي المشكوك فيه في التطبيقات الفعلية للتكنولوجيا.

ومع قدرة إنترنت الأشياء على قراءة ونقل البيانات التناظرية التي تعطي مزية تنافسية للشركة المصنعة، واحتياج كل مشروع تحسين إلى دعم قوي وتحليل شامل لتكلفة نشر التكنولوجيا، فإن هذا يثير مخاوف احتكار الشركات العملاقة للتكنولوجيا وعدم قدرة صغار المصنعين و رواد الأعمال على المنافسة، سواء في السوق المحلي أوالعالمي.

ماذا بعد؟

إن إنترنت الأشياء هي التقنية المستقبلية التي تترقبها جميع المجالات و تتسابق كبرى الشركات لسبر أغوارها وجني ثمارها، لكن على الرغم من إيجابياتها الكثيرة فإن لها سلبيات عدة. فمن إيجابياتها أنها تسهم في تخليصنا من المهام البسيطة المتكررة يوميا والتركيز على الأمور المهمة، وترك الآلات للقيام بالوظائف المتكررة. و هناك سيناريوهات تتخيل بيوتنا الذكية بثلاجات تتصل بالسوق المركزي مباشرة لطلب الحليب أو الخبز، أو أجهزة المنزل التي تعمل وفق روتين حياتك اليومي و تهيىء لك البيئة المريحة. وهذه السيناريوهات لم تعد ضربا من ضروب الخيال، فنحن نرى كل يوم طرازا جديدا من آلات تصنيع القهوة أو مستشعرات الحرارة أو مقاييس فيضان الأنهار و غيرها.

ومنذ أن رسم (كيفن أشتون) صورة مذهلة للمدن الذكية و إطلاق مصطلح إنترنت الأشياء للمرة الأولى في أواخر التسعينيات، تسابق العلماء والمطورون لإدماج الإنترنت في كل شيء تقريبا، وصولا إلى وضع تصورات لإدماجها في البشر والحيوانات و كائنات حية أخرى، و تطوير بروتوكولات وشبكات لتبادل وإرسال و استقبال المعلومات والبيانات عن طريق التكنولوجيا المدمجة.

وكما هو الحال في أي تقدم تقني، فإن الاستفادة من قوة إنترنت الأشياء لحل المشكلات اليومية التي نقابلها قد تأتي بثمن فادح تدفعه البشرية، فالتكنولوجيا ستسيطر على حياتنا على نحو متزايد. ونحن بالفعل في قلب هذه المرحلة حيث تسيطر التكنولوجيا على حياتنا. وعلينا أن نقرر كم من حياتنا اليومية نحن على استعداد لميكنته، فلكل تكنولوجيا مزاياها وعيوبها وعلينا أن نكون على أتم الجاهزية للاستفادة من قوتها. ومع رصد ما يحدث من حروب وتدهور ثقافي واجتماعي وتعليمي في أجزاء كبيرة من العالم، سيتحتم علينا إيجاد طرق فعالة لنقل ونشر التكنولوجيا إلى هذه المناطق التي تفتقر إلى البنى التحتية المناسبة والكوادر البشرية المؤهلة.

belowarticlecontent
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى