فلك وعلم الكونيات

تركوا بصمات خالدة في الكون الفسيح

علماء عرب في ميدان الفضاء

د. علي حويلي 

قدر لكوكبة من العلماء العرب أن يتألقوا كرواد في علوم الفلك والفضاء، وأن يستكشفوا أسرار الكون، وتخلد إنجازاتهم في سجلات الفضاء الكونية، لا سيما في تسيير المركبات الآلية (روبوتات الفضاء ) أو الرحلات الاستكشافية لمعالم الكواكب والمجرات والنجوم. ويجدر التنويه هنا بالعنصر النسائي العربي الذي غير الصورة النمطية للمرأة، وسجل إنجازات مهمة في علوم الفضاء.
واستفادت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) من إنجازات هؤلاء العلماء، كتصدير الصواريخ السريعة المزودة بالبلازما أو المحاولات الرامية إلى استيطان القمر أو المريخ، وشكلت أحد الروافد المهمة التي تثري منظومة العلم في العالم.
واللافت أن معظم العلماء العرب ما زالوا يقفون بصلابة ضد كل أشكال التغريب رغم اكتسابهم جنسيات أجنبية؛ فهم ما زالوا يتواصلون مع أوطانهم الأم ويترددون على جامعاتها ويرفدونها بتجاربهم وخبراتهم، ويسعون إلى تطويرها ونهضتها.

شارل العشي
من مدينة رياق في البقاع اللبناني إلى وكالة الفضاء والطيران الأمريكية (ناسا) و(مختبر الدفع النفّاث)، رحلة تمتد عشرات السنين، تألق خلالها شارل العشي عالماً في فيزياء الفلك ورائداً في استكشاف الفضاء وأسرار المنظومة الشمسية وملاحقة الكواكب والنجوم. وكرّمته (ناسا) بإطلاق اسمه على الكويكب 1614، فصار جزءاً من الفضاء الكوني.
ترعرع العشي في كنف أسرة محبة للعلم، وأولع في طفولته بمشاهدة النجوم والكواكب ورصد حركاتها. حصل على البكالوريوس في الفيزياء من جامعة (غرينوبل) الفرنسية، وعلى الماجستير (1969) والدكتوراه (1971) في العلوم الكهربائية من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينا. ثم نال شهادتي ماجستير في إدارة الأعمال (1978) والجيولوجيا (1983).
أثناء تحضيره لشهادة الدكتوراه، عيّن في مختبر الدفع النفاث، وتدرّج في العمل هناك، بعد حصوله على الدكتوراه، إلى أن عيّن في عام (2001) مديرا لذلك المعهد الذي يضم نحو خمسة آلاف عالم ومهندس يعملون في اكتشاف الفضاء، لاسيما طُرُق إرسال الأقمار الاصطناعية لدراسة الكواكب وجيولوجيتها.
في عام 1978، تسلّم العشي مسؤولية تجهيز مكوك فضاء يتخصّص بالتصوير الراداري، بحيث يدور حول الأرض ويراقبها ويصوّر مكوناتها الجيولوجية من الفضاء. وساهم في اكتشافات جيولوجية شملت صحارى مصر والأردن وشبه الجزيرة العربية والصين وغيرها. وتركزت بحوثه على اكتشاف مدن مدفونة تحت الأرض والتعرف إلى طرق التجارة القديمة واتجاهاتها. وابتكر نُظُم استشعار من بُعد، ساهمت في نجاح مركبات الفضاء الأمريكية التي هبطت على المريخ، مثل (فايكينغ) عام 1976، ثم روبوتي الفضاء (سبيريت) و(أبورتشونيتي) عام 2004.
في عام 2004، ولّته (ناسا) مسؤولية برامج المركبات الفضائية الآلية (روبوت الفضاء). ويقول العشي: “نحن أمام تساؤلات كبيرة. ولم نصل حتى الآن الى إجابات علمية قاطعة عنها. لقد عثرت الروبوتات التي أرسلت إلى المريخ وبعض الأقمار التابعة لكوكب الزهرة وزحل، على بحيرات وبحار وبترول جليدية. سيستمر إرسال المركبات للتأكّد مما يحويه باطن المريخ، وتلك مهمة تتكرر كل سنتين أو 26 شهراً…ومن يدري؟، ربما بعد 100 أو 200 سنة تصبح الهجرة إلى المريخ شبيهة بالهجرة إلى الولايات المتحدة”!
ويضيف “إذا كان هناك بلايين الكواكب فلماذا لا توجد الحياة إلا على كوكب الأرض؟ علمياً ومنطقياً، ثمة احتمال مفاده أن بعض الكواكب فيها أشكال حيّة، وليس بالضرورة أن تتشابه مع ما نعرفه على الأرض…عندما نملك تكنولوجيا متطورة، ربما نستطيع استطلاع الـ 2000 أو 3000 نجم الأقرب إلينا، كي نرى إذا كان لديها كواكب تدور حولها. وإذا تأكدنا من وجود كوكب يشبه الأرض، بمعنى وجود ماء وهواء ومواد عضوية، نستطيع أن نقارنه بالحياة على الارض. ربما يحدث ذلك في العقد المقبل”. ويتابع: “إذا توقّف الحلم تنعدم الحياة…جميع أعمال الفضاء بدأت أحلاماً. وشخصياً، أحلم بإرسال مركبات فضائية إلى كواكب قصيّة تشبه الأرض…أحلم أيضاً بوضع محطة علمية دائمة على المريخ”.

جوائز
شارك العشي في نحو 300 بحث ودراسة علمية، جلّها في التصوير الراداري والاستشعار من بُعد والنظرية الكهرومغناطيسية. وألف ثلاثة كتب عن نظام الاستشعار من بُعد. وحصل على جوائز عدة منها: (أفضل القادة الفضائيين في أمريكا) (2001)، و(جائزة فيليب حبيب للتميز في الخدمة) (2006)، و(جمعية رواد الفضاء الأمريكية) ( 2005). ومنحه لبنان (وسام الأرز برتبة ضابط) (2006).

إدغارشويري
يعتبر إدغار شويري الذي عمل في وكالة (ناسا) مدة طويلة أحد كبار العلماء اللبنانيين المنتشرين في دنيا الاغتراب. لَمَعَ نجمه في الفضاء الأمريكي رائداً في علومه وتقنياته، ومُصمّماً مبدعاً لمركباته، ما جعله مصدر فخر للبنانيين والعرب.
ولد في مدينة طرابلس عام 1961، وتَرعرع في بيت مُحِب للعلم وأهله، ومنذ صغره أولع بأخبار الفضاء. حصل على البكالوريوس في الهندسة الفضائية، ثم الماجستير من جامعة (سيراكوز) الأمريكية. وأتبعهما بشهادتي الماجستير والدكتوراه في الهندسة الفضائية والعلوم الفيزيائية من جامعة (برنستون) في نيويورك.
الشغف بمركبات الفضاء
بدأ شويري بحوثه العلمية في مختبرات جامعة برنستون، مُركّزاً اهتمامه على محركات دفع المركبات الفضائية. فوضع تصاميم مبتكرة لها، في سياق دراساته النظرية والتطبيقية لاكتشاف أسرار الكون. وفي عام 1993 وجدت بحوثه طريقها إلى التطبيق من خلال مشروع مكوك الفضاء الأمريكي والقمر الاصطناعي الروسي «إيبكس» Apex . ومنذ 1996، تدرّج شويري في السِلك الأكاديمي لجامعة برنستون. فعُيّن في مناصب عدة حتى تولى إدارة (مختبر الدفع الكهربائي ودينامية البلازما) الذي تموله (ناسا).
وتتمحور بحوث شويري حول اكتشاف المزيد من المعلومات للوصول إلى كوكب المريخ من طريق تطوير المحركات التي تدفع المركبات الفضائية وتُسيّرها، كي تصبح أكثر فعالية.

مُدن الكواكب الكونية
يوضح شويري أن مركبات البلازما تمهّد الطريق لإطلاق مركبات فضاء بأحجام كبيرة والقيام برحلات استكشافية في الكون تستمر شهوراً. وكذلك تؤهلها محركاتها لنقل معدات ثقيلة قد تستعمل مستقبلاً في بناء مدن ومنازل وفنادق على سطح القمر، أو حتى بعض الكواكب السيّارة. وفي سياق إنجازاته المتصلة بالدفع بالبلازما، أطلق شويري تصميماً لصاروخ من نوع جديد، سمّاه (فاراد)، يعمل بطريقة تحرص على ألا تمس البلازما الجدار الداخلي للصاروخ، الأمر الذي يؤدي إلى إطالة عمر الصاروخ وزيادة فعاليته، ورفع قدرته على الوصول إلى كواكب بعيدة.
نال شويري عدداً كبيراً من الجوائز التقديرية مثل (جائزة الخدمة المتميزة في مجال الدفع الكهربائي) (2008) من (المعهد الأمريكي للملاحة الجوية والفضائية)، و(جائزة الاحتراق والدفع الكهربائي) (2002) من (حلقة العمل الدولية) في نابولي (ايطاليا). وفي 2004، حاز وسام الاستحقاق من درجة فارس من لبنان.
ويتضمن رصيده العلمي نحو 150 مقالة علمية منشورة في مجلات وموسوعات متخصصة، وعشرات المحاضرات والندوات والمؤتمرات الدولية والعربية.

جورج حلو
منذ صغره ، ومن تلال بلدته جزين في لبنان، كان جورج حلو الأمريكي اللبناني مولعا بتأمل النجوم والكواكب ومواكبة أسرارها في بطون الكتب والمجلات العلمية، دون أن يدور في خلده حينذاك أنه سيصبح ذات يوم على لائحة المشاهير من علماء الفلك في العالم.
بعد حصوله عام 1975 على البكالوريوس في الفيزياء من الجامعة الأمريكية في بيروت، نال الماجستير والدكتوراه في الفيزياء الفلكية والراديوية من جامعة (كورنيل) الأمريكية عامي 1977 و1980.
بدأ حياته المهنية أستاذا وباحثا في جامعة (فلورانس) ومرصد (Arcetri) في إيطاليا. عاد بعدها إلى جامعة كورنيل ليعين في مرصد (Arecibo) للفيزياء الفلكية. ثم التحق في عام 1983 بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا للعمل في مشروع فضائي لمسح السماء ورسم خريطة للكون بما فيه من نجوم وكواكب ومجرات بالأشعة دون الحمراء. وعن هذا المشروع يقول حلو «كنت واحدا من فريق أعدته وكالة ناسا لإطلاق أول تلسكوب أو مسبار (Infrared Astronomy Satellite المعروف اختصارا باسم «ايرس –Iras « إلى الفضاء لإجراء أول مهمة في التاريخ لدراسة المجرات بالأشعة دون الحمراء « ويضيف « استغرقت تلك الرحلة نحو عشر سنوات وتكللت بالنجاح وانجلت عن نتائج مثيرة لم تكن مرتقبة أو معروفة من قبل، كدراسة طبيعة النظام الشمسي والنيازك والشهب والكواكب وبداية تكوين الكون والنجوم وولادتها والغبار الذي يحيط بها وتحولها من غازات منتشرة إلى مكثفة ومضيئة، فضلا عن ألوانها وتكوينها وتطورها ومكوناتها وموقعها ومزاياها وانفجاراتها بفعل ضغط الغازات التي تتكثف حولها وولادة سلالات جديدة منها، واكتشاف ما بين 40 إلى 50 ألف مجرة جديدة».

أرشيف فلكي عالمي
وفرت خبرت حلو الطويلة في المراصد الحصول على قاعدة مهمة من البيانات عن المجرات وفهم خصائصها المعقدة ونشوئها وتطورها، وترجمة الأسئلة العلمية إلى نشاطات رصدية، وتزويد المراقبين بنتائجها وتحويلها إلى علماء الفلك والتنسيق المستمر بين مراكز الرصد في العالم.
وحاليا ينكب حلو على بحوث تتمحور «حول كيفية تطور المجرات وتداخل بعضها ببعض وتطور الكون منذ 13 بليون سنة حتى اليوم، وانفجارات النجوم التي لم نعرف أسبابها ومكان انفجارها ومداراتها، وكيفية تحول الغاز والغبار إلى نجوم، وكيفية تطور الجيل الأول منها ومن المجرات حتى أصبحت على ما هي عليه اليوم».
وحظيت بحوث حلو الفلكية برصيد علمي كبير داخل أمريكا وخارجها، فهو – كما تشير وثائق أرشيف الفلك العالمي – أول من وصف ألوان المجرات بالأشعة دون الحمراء وفسر مغزاها بالنسبة إلى نشاط تكوين النجوم، .كما اكتشف وفسر عدة علاقات فيزيائية بين الإشعاعات دون الحمراء والراديوية التي تعتمد عموما في دراسة المجرات خاصة الشديدة البعد عن الأرض.
ومن الناحية المهنية، شغل حلو مناصب مهمة في عدد من المراصد العالمية، ونشر أكثر من 200 مقالة وبحث في مجلات علمية متخصصة، ونظم وشارك وحاضر في أكثر من 40 مؤتمرا عالميا، إضافة إلى عضويته في عدد من الجهات الفلكية أبرزها الجمعية الفلكية الأمريكية والاتحاد الدولي للفلك.

شادية الرفاعي
رسمت شادية رفاعي حبّال (أمريكية من أصل سوري) في سجلات البحوث الغربية، صورة للعربي بوصفه باحثا صبورا وأكاديميا مقتدرا. وما يزيدها إعجابا واحتراما أنها امرأة عربية تخالف الصورة النمطية عن نساء العرب، خصوصاً تلك المستقرة في تفكير الغربيين باعتبارها جزءاً من مجتمعات محافظة ومنغلقة. نالت حبّال شهادة البكالوريوس من جامعة دمشق في علوم الفيزياء والرياضيات، وتابعت دراسة الماجستير في الفيزياء النووية في الجامعة الأمريكية ببيروت، وحصلت على الدكتوراه في الفيزياء عام 1977 من جامعة (سنسيناتي) الأمريكية.

من الجو إلى الشمس
عيّنت حبّال باحثة في (المركز الوطني للبحوث الجوية) بمدينة بولدر في ولاية كولورادو. وفي 1978، التحقت بـ (مركز هارفارد سميثونيان للفيزياء الفلكية) حيث أجرت مجموعة بحوث في فيزياء الشمس هدفها استكشاف مصدر الرياح الشمسية، وسعت إلى التوفيق بين الدراسات النظرية وعمليات المراقبة الواسعة التي أجرتها المركبات الفضائية وأجهزة الرصد الأرضية عن الشمس.
واستطاعت من خلال تعاونها مع فرق بحثية في الجامعات الأمريكية أن تحصل على برنامج مستمر لرصد الظواهر المرتبطة بكسوف الشمس، وبما يساهم أيضاً في معرفة أصل رياح الشمس. كما شاركت فريقاً من علماء الفضاء الأمريكيين أعدّ أول رحلة فضائية إلى الشمس، أو بالأحرى لطبقة الهالة الشمسية التي تمثل الجزء الخارجي من الغلاف المحيط بذلك الفرن الهائل، الذي لا يمكن رؤيته من الأرض إلا أثناء الكسوف حين تبدو هذه المنطقة كتاج أبيض محيط بالشمس.

نشاط نسوي وعلمي
نشرت حبّال أكثر من مئة بحث في مجلات علمية عالمية. وألقت ما يزيد على 30 بحثاً في مؤتمرات دولية متنوّعة. وشغلت مجموعة من المناصب العلمية، منها منصب أستاذ زائر في جامعة (ويلز)، وترأّست لجنة الفيزياء الفلكية الأمريكية، ورئاسة تحرير (المجلة الدولية لفيزياء الفضاء وبحوث الفيزياء الأرضية).
ونالت جوائز عدّة، منها (الرواد) من مؤسسة الفكر العربي (2004) و(أعلى مستوى من الإنجاز العلمي) من مؤسسة سميثونيان (1993).
وتصر حبّال على أنها على الرغم من طول بقائها في الولايات المتحدة فلم تتغرب أو تتنكر لوطنها الأم ولا لتقاليدها ولا لغتها العربية. وتأمل بتوظيف علومها وبحوثها في خدمة بلدها أو أي قطر عربي آخر.

belowarticlecontent
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

I agree to these terms.

زر الذهاب إلى الأعلى