الطب وصحة

المعلوماتية الحيوية.. آفاق واعدة في تشخيص الأمراض

د . آمال محمود

تؤدي المعلوماتية الحيوية دورا مهما في مجال تشخيص وعلاج أمراض الإنسان، ويطلق على المعلوماتية الحيوية المستخدمة في مجال الطب «المعلوماتية الحيوية الطبية». ساهم التطور الهائل في معرفة وتحليل تتابعات الجينوم سواء للإنسان أو لسلالات الممرض المختلفة عن طريق أدوات المعلوماتية الحيوية في تطوير طرق تشخيص الأمراض، وإنتاج وتطوير الأدوية والتنبؤ بالأمراض المتوقع حدوثها، وإنتاج اللقاحات الفعالة.

طفرات وسلالات

يؤدي ظهور طفرات أو تغيرات باستمرار في الجينوم الخاص بالممرض إلى ظهور أشكال أو سلالات مختلفة لنفس الممرض، ومثال ذلك فيروس الالتهاب الكبدي الوبائي C . وهذا التغير في جينوم الممرض يؤدي إلى تفاوت في درجة استجابة المريض للعلاج. وأصبح من الصعب الاعتماد على اللقاحات التقليدية بمرور الزمن خلال المواسم المختلفة بسبب هذا التغير في التركيب الجيني للممرض. ومن هنا كان الدور المهم للمعلوماتية الحيوية في التفرقة بين السلالات المختلفة لنفس الممرض، ومن ثمّ تطوير وسيلة التشخيص المناسبة للسلالات المتنوعة، وتحديد جرعات العلاج حسب السلالة، وإنتاج لقاحات تستطيع الحماية ضد أي سلالة متوقعة منها.

في مرض التهاب الكبد الوبائيC يوجد العديد من الطرز الجينية للفيروس المسبب له. والتعرف على الطرز الجينية وتتبع اي تغير أو طفرة في الفيروس من خلال استخدام المعلوماتية الحيوية يساعد على تحديد نوع العلاج.

بحث جديد عن الكبد

من خلال بحث أجريناه في مصر استطعنا التفريق بين الطرز الجينية المختلفة لالتهاب الكبد الوبائي C ، وتحديد طفرة في الفيروس تؤثر في التركيب الثانوي لمنطقة ما في جينوم الفيروس، ومن ثم يمكنها أن تؤثر على فاعلية الفيروس. ووجدنا أن هناك ارتباطا بين هذه الطفرة والاستجابة للعلاج، ومن ثمَّ يمكن الربط بين وجود هذه الطفرة ومدى نجاح العلاج الدوائي. ومن هنا يمكننا استخدامها في تحديد العلاج المناسب للطرز الجينية الفيروسية.

يستطيع مرض التهاب الكبد الوبائي C, مثله مثل أمراض أخرى كنقص المناعة ، التأقلم وتغيير الجينوم الخاص به، وهذا التغير في تركيب جينوم الفيروس يؤدي إلى عدم استمرار فاعلية الأدوية المستخدمة للعلاج. وبالاستعانة بأدوات المعلوماتية الحيوية، تمكن العلماء من تحليل التغيرات التي تحدث في الفيروس على مستوى تتابعات جينوم الفيروس وعلى مستوى التركيب الثلاثي الأبعاد لبروتينات الفيروس. وهذه الطفرات قد يكون لها تأثير في زيادة فاعلية الفيروس ومقاومته للأدوية المستخدمة، ومن ثم عدم فاعلية تلك الأدوية أو انخفاض درجة استجابة المريض للعلاج. مثال ذلك أن أحد الأدوية (telaprevir VX-950) يثبط أحد بروتينات التهاب الكبد الوبائي (NS3-4A) , وهذا البروتين مسؤول عن التكاثر في الفيروس، إلا أن الفيروس يستطيع إحداث طفرات على مستوى التتابع والتركيب تقلل من فاعلية الدواء.

تطورات في فهم العلاجات

وأدى استخدام المعلوماتية الحيوية في دراسة وتحليل الجينوم البشري إلى تقدم هائل في فهم العلاقة بين المريض والاستجابة للعلاج، إذ يوجد تباين في درجة استجابة المرضى للعلاج بسبب اختلافات في الجينوم الخاص بهم. ومن خلال التعرف على هذه الاختلافات على مستوى الجينوم البشري باستخدام طرق المعلوماتية الحيوية، وبخاصة مع التقدم الهائل في تقنيات قراءة تتابع الجينوم البشري، فإن الطبيب لم يعد بحاجة لتجربة وتغيير أكثر من دواء للمريض للتوصل للعلاج المناسب. أما باستخدام نتائج تحليل الجينوم للمريض فيمكن للطبيب وصف الدواء والجرعة المناسبة منذ البداية. كما أدى تحليل تتابعات الجينوم البشري إلى الربط بين وجود طفرات/تغيرات في الجينوم والتنبؤ باحتمالات الإصابة المتوقعة بالأمراض.

من المعروف أن اللقاحات تستخدم للوقاية من الأمراض، لكن من مشكلات إنتاج اللقاح التغير المستمر في تركيب سلالات الممرض، بحيث يؤدي ظهور أي طفرة في الممرض إلى عدم تعرف اللقاح على هذه السلالة من الممرض، ومن ثمَّ لا يتأثر الممرض باللقاح المستخدم. باستخدام المعلوماتية الحيوية يمكن رصد أمكنة التباين في تركيب جينوم الممرض، ومن ثمَّ نستطيع فهم الكائن الممرض بصورة أكبر، ويصبح لدينا القدرة على اختيار اللقاح من مناطق على الجينوم تتميز بالثبات وعدم وجود طفرات فيها، كما يمكننا استخدام لقاحات تمثل مناطق على الجينوم متشابهة لكل سلالات الممرض، وبذلك يمكن استخدام لقاح واحد لفترات طويلة لمقاومة أي سلالات متوقعة من الممرض، وبذا يمكن مقاومة الممرض والسلالات المحتمل وصولها في أي وقت.

تمكن فريقنا البحثي من إنتاج لقاح لطفيل الليشمانيا بمصر، حيث اختير هذا اللقاح من أكثر من جين لجينوم الطفيل، وأثبت اللقاح كفاءته عند اختباره في الفئران بعد فحص الأنسجة المختلفة عقب استخدام اللقاح.

تعتبر لقاحات فيروس الأنفلونزا المتاحة متخصصة للسلالة الموجودة من الفيروس، ومن ثمَّ فإن ظهور أي سلالة جديدة مخالفة لسلالة اللقاح لن يكون فعالا معها، لذا تم إنتاج لقاح ذي مجال واسع يشمل مناطق ثابتة غير متباينة في جينوم الفيروس، إذ إن هذه المناطق عامة لكل سلالات فيروس الأنفلونزا، ومن ثم فإن هذه اللقاحات ستكون فعالة ضد أي سلالة جديدة محتملة.

belowarticlecontent
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

I agree to these terms.

زر الذهاب إلى الأعلى