روبوتات

الروبوتات..

ثورة الاستخدامات اللامتناهية

د. محمد سامي الحجي

مع تلاحم ميادين التقانات المختلفة والتعامل مع البيانات الضخمة وأحدث تقانات الاتصالات والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، غدت الروبوتات في واجهة مظاهر هذا التلاحم من حيث دخول هذه التقانات مجتمعة في تصميم وتصنيع الروبوتات أو من حيث استخدام الروبوتات لإنجاز وتحقيق أفضل الخدمات المتوقعة من الثورة الصناعية الرابعة. ويمكن القول إن تقانة وأهداف تصنيع الروبوتات شهدت تحولات جوهرية كبيرة في الآونة الأخيرة.

ولعل من من أمثلة ذلك الروبوتات الحديثة المستخدمة في أمور صناعية أو طبية أو تعليمية مختلفة معتمدة على الذكاء الاصطناعي لأداء مهام دقيقة، وكذلك إمكانية تبادل البيانات مع أنظمة تحكم قريبة أو بعيدة من أجل أداء أمثلي على مستوى مجموعة متكاملة من الروبوتات والأجهزة الأخرى. يضاف إلى ذلك تعاملها مع تقانة الواقع الافتراضي وإغناء الواقع Augmented Reality لتمكين المشغل البشري من التدخل بدقة وسهولة لأداء مهام محددة. فبينما يقوم المشغل الإنسان مثلا بعمل معين على واقع افتراضي من مقاييس كبيرة تم إغناؤه بعناصر إضافية في بيئة مستفيدة من تحليل ذكي لمعطيات كثيرة سابقة؛ يقوم الروبوت بتقليد العمل نفسه في مجال واقع حقيقي ذي مقاييس نانوية.

ما هو الروبوت ؟

ربما يتبادر إلى أذهان بعض الأشخاص أن الروبوت هو آلة تشبه جزئياً الإنسان شكلاً وتصرفاً، وهذا ما ينطبق على معظم الروبوتات التي يعرفها معظم الناس. لكن هذا المفهوم يقْصُر كثيرا عن الإحاطة بالروبوتات الحديثة. لذا فإن ما يعنينا في هذه المقالة هو المفهوم الآتي الذي يظهر بشكل أو بآخر في العديد من الأدبيات: الروبوت هو آلة قابلة للبرمجة وقادرة على القيام أوتوماتيكيا بسلسلة من الأعمال المعقدة، ويمكن التحكم فيها بأجهزة مضمّنة داخلها أو أجهزة خارجية، وقد تكون قادرة على التصرف الذاتي. ضمن هذا المفهوم لم يعد الشكل الخارجي للروبوت مهما، بل في عصر الثورة الصناعية الرابعة أصبح لدينا روبوتات تغير شكلها حسب الحاجة.

وبشكل عام تتركب الروبوتات من العناصر الرئيسية الآتية:

المتحكم: وهو عنصر قابل للبرمجة ويتحكم (أو نتحكم عن طريقه) في بقية أجزاء الروبوت.

الحساسات (المحسات): وعن طريقها يأخذ الروبوت بعض المعطيات عن البيئة المحيطة من درجة حرارة أو لون أو صوت أو غيرها.

الأجزاء الفاعلة والمحركات التي تؤدي بالأعمال المطلوبة. ومعظم الروبوتات الحديثة تحتاج إلى أجزاء خاصة بالاتصال، مثل دوائر البلوتوث أو الواي فاي أو دارات الاتصال بالإنترنت.

الروبوت في حياتنا المعاصرة

لم تعد الروبوتات غريبة على المصانع أو المزارع أو البيوت؛ فقد صارت منتشرة في معظم الأمكنة، حتى إنها دخلت ضمن لعب الأطفال الصغار. وأصبح متاحاً للأطفال تصميم وإنشاء وبرمجة روبوتاتهم الخاصة باستخدام مجموعة من قطع الليغو Lego وقطع أخرى خاصة بالمعالج والحساسات والمحركات والاتصال. ودخلت الروبوتات في بعض المناهج الدراسية كأدوات مساعدة للتعليم أو كعناصر تعليمية بحد ذاتها. وتعددت المسابقات الدولية للناشئة في مجال تصميم الروبوتات. أما في حياتنا اليومية فقد بدأنا نرى الروبوتات الجاهزة تتسلل إلى معظم مرافق حياتنا، ومنها مثلا استخدام بعض الفنادق روبوتات لخدمة النزلاء، حيث يجد الجهاز طريقه إلى الغرفة المعنية مستخدما المصعد إذا احتاج إليه، وبعد أن يأخذ النزيل حاجته يعود الروبوت أدراجه. وهناك صيدليات يعرض الزبون فيها الوصفة على جهاز خاص فتقوم أذرع معينة ولواقط بإحضار الأدوية اللازمة من الرفوف المختلفة.

أما في المصانع والشركات فقد أخذت الروبوتات أدوارا معقدة. وهنالك الروبوتات النانوية Nano robots التي لا تزال في بداياتها.

وهناك العديد من مجالات ما يمكن تسميته «بتوظيف» الروبوتات ومنها:

> الصناعات المؤتمتة التي تهيمن فيها الروبوتات. وهذه الروبوتات لها أشكال ووظائف متباينة فقد تكون على شكل ذراع مثبتة في نقطة معينة لأداء دور معين، وقد تكون على شكل عربة صغيرة تجد طريقها بين مواضع مختلفة وتأخذ قياسات معينة. ويبرز هنا دور مهم جدا ربما لم يكن ممكناً بالدقة والموثوقية أنفسهما من دون الروبوتات وهو في مجال الإلكترونيات وطباعة الدارات المتكاملة واللوحات الإلكترونية. وكذلك يبرز التغليف كإحدى أكثر الوظائف الموكلة للروبوت في المجال الصناعي.

> في مجال الفضاء واستكشاف الكواكب حيث تقوم الروبوتات بجمع العينات مثلا.

> في المجال الطبي والمستشفيات ولاسيما للمساعدة في بعض العمليات المعقدة.

> المجال البحثي والأكاديمي، وهو المصدر الأساسي لتطوير الروبوتات.

> الحياة العامة والاستخدامات المنزلية، ومنها مثلا روبوتات تنظيف الأرض ونقل الحاجات.

ما الذي يحمله المستقبل القريب؟

على العموم، ستحقق الروبوتات التي يجري عليها العمل الآن مزيدا من الاستقلالية والقدرات الذكية. ويهتم الكثيرون بتصميم روبوتات من أجل العمليات الطبية الأكثر تعقيدا، حيث يتوقع أن يكون للروبوتات النانوية دور مهم جدا. وكذلك يتم تحسين قدرات الروبوتات على الوصول إلى الأمكنة التي يصعب بلوغها، ولاسيما من أجل التعامل مع الكوارث وإنقاذ المصابين. و للفضاء والمجال العسكري حصة كبيرة من اهتمامات اختصاصيي الروبوتات. ومن الواضح أيضا أن أي تطبيق متقدم لإنترنت الأشياء سيحتاج إلى مجموعة من الروبوتات المتطورة المعتمدة على طيف من أنواع التقانات. وهناك أبحاث عن تصنيع الروبوتات من مواد بيولوجية تستجيب بشكل ذكي في تفاعلها مع البيئة المحيطة.

لكن هناك اتجاهين في التطوير سيكونان من أبرز التغييرات الجوهرية في تعاملنا مع الروبوتات، الأول هو تصنيع الروبوتات النانوية التي يمكننا مثلا إرسالها ضمن أوردة الدم أو غيرها لإجراء عمليات ربما لا يخطر على بالنا إجراؤها بها مثل مهاجمة خلايا السرطان خليةً خلية. ويمكن تخيل آفاق لا حصر لها لتطبيقات هذا النوع من الروبوتات.

والاتجاه الثاني يخص المواد التي يصنع منها جسم الروبوت، إذ يستعين هذا الاتجاه بالخصائص البيولوجية لمواد مختلفة، ويسعى لتصنيع روبوتات قادرة على تغيير شكلها أو لونها أو بنيتها النسيجية حسب الوظيفة المرحلية التي تؤديها. مثلا تتغير طبيعة السطح الخارجية للروبوت إذا دخل وسطاً كيميائيا خطراً. أما بالنسبة لحياتنا اليومية والمستقبل القريب، فمن الأمثلة عن الروبوتات التي بدأت تظهر أو هي قيد التطوير روبوت توصيل البريد للمنازل ضمن مسافات قصيرة، وروبوت “سلة الحاجيات” التي تتبع المتسوق حيث مشى، وروبوت النقل الفردي على شكل جهاز بعجلتين يقف عليه الشخص وينقله الروبوت إلى مقصده، وكذلك روبوتات مساعدة كبار السن وخدمتهم في بيوتهم بالأعمال التي تصعب عليهم مثل فتح بعض الأبواب وإحضار حاجات من رفوف عالية. ومنها أيضا روبوتات النشاطات التعليمية والترفيهية للعائلة، وروبوتات طي الملابس، والمساعدة على الطهو والمساعد الشخصي في المكتب.

الروبوت وفرص العمل

ترافقت الثورات الصناعية السابقة مع مخاوف كبيرة تتعلق بفقدان الناس وظائفهم وأعمالهم، ولكن بمرور الزمن كانت النتائج أقرب لناحية توفير بيئة عمل أفضل بكثير وتجنيب الناس الأعمال الخطرة أو الشاقة أو القذرة، وكذلك ظهرت أعمال ووظائف جديدة. وثمة مخاوف مماثلة تظهر مع التطورات السريعة الجوهرية للروبوت، فهنالك تقديرات تشير إلى أن أكثر من 45 % من النشاطات المرتبطة بفرص العمل المتاحة قابل للأتمتة الكاملة. لكن الخبراء يتوقعون أن تسير الأمور وفق ما سارت عليه في الثورات السابقة. ومن المؤكد أن هنالك وظائف كثيرة ستختفي لكن ستتحسن ظروف العمل وظروف معيشة الناس بشكل عام، وستنشأ وظائف وخدمات ومنظومات أعمال جديدة وتكون المحصلة لخير البشرية. وهنالك من يتخوفون مما هو أبعد من حرمان الناس من الوظائف، فهم يتخوفون من أن يصل الذكاء الاصطناعي بالروبوتات إلى أن تسيطر على البشر ، لكن معظم الباحثين لا يتفقون مع هذا الرأي.

من جهة أخرى، هنالك دراسات عن الوظائف والأعمال التي لن تطاولها الروبوتات أو الأتمتة، على الأقل على المدى المنظور. ومعظمها يتمحور حول الأعمال الإبداعية أو المتطلبة لأفكار جديدة أصيلة، أو التي تعتمد على العلاقات الشخصية والتأثير في الآخرين وإدارتهم، وكذلك الوظائف الخاصة بحل المشكلات والاعتماد على الذكاء العاطفي وتطبيق الخبرة البشرية والعناية بذوي الحاجات الخاصة ، وهذه الأخيرة هي أمور «إنسانية» يرى العلماء أن الروبوتات والأتمتة ستظل بعيدة عنها؛ نظرا إلى طبيعتها الخاصة.

belowarticlecontent
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

I agree to these terms.

زر الذهاب إلى الأعلى